استمرار مجزرة غزة
بين العجز والتعجيز
بيان من جماعة الإخوان المسلمين في سورية
يا جماهير أمتنا العربية المسلمة.. يا أبناء شعبنا الأبيّ في سورية..
أسبوعٌ مضى والمجزرةُ ما تزالُ مستمرة، والأشلاءُ والدماءُ والأطفالُ والنساءُ والشيوخُ والشباب.. وأكثرُ من أربعمائة شهيد، وأكثرُ من ألفَيْ جريح، والعددُ في ازدياد.. كلّ هؤلاء لا يعنون لحضارة العالم المتمدّن وحقوق الإنسان شيئاً!. أسبوعٌ مضى والمحرقةُ مفتوحة.. والدمُ المسفوكُ هو دمُنا، واللحمُ المحترقُ هو لحمُنا، والأفقُ المسدودُ أو المفتوحُ على اليأس والقنوط والعدمية، يحيطُ بأطفالنا ونسائنا وشبابنا وأجيالنا.. حقائقُ يستدعينا الواقعُ الذي نشهده، أن نذكّرَ بها؛ لتكونَ حاضرةً ماثلةً في سلوكنا ومواقفنا وسياساتنا..
يا جماهير أمتنا العربية المسلمة.. يا أبناء شعبنا الأبيّ في سورية..
إن الجريمةَ الوحشيةَ التي يرتكبها العدوّ الصهيونيّ بحق أهلنا في فلسطين، لهيَ أفظعُ من كلّ إدانةٍ واستنكار. وهي جريمةٌ تُرتَكَبُ بيدٍ صهيونيةٍ مجرمة، وبإرادةٍ دوليةٍ ما تزالُ مصممةً منذ قرن مضى على كسر إرادة أمتنا، وتدمير وجودها، انطلاقاً من فلسطينَ أرضِ الإسراء والمعراج، إلى الأفق الصهيونيّ الممتدّ حلماً ومشروعاً، بأبعاده التي لا تخفى إلاّ على المكابرين أو المتجاهلين. حقائقُ إستراتيجية، تضعنا أمام مسئولياتنا أمام الله عز وجل وأمام التاريخ، تقتضي من أبناء الأمة جميعاً - قادةً وحكوماتٍ وشعوباً - أن يضعوها في سياقاتها، وأن يتصرّفوا على أساسها، في إطار الحفاظ على أمنهم القوميّ. ذلك أنّ التعاطيَ الإيجابيّ الشجاع، مع مجريات الجريمة المحرقة، التي تنفّذُ فصولُها على أرض غزة؛ إنما هو تصرفٌ وقائيّ، لحماية الأمن القوميّ لدول المنطقة وشعوبها.
يا جماهير أمتنا المسلمة.. يا أبناء شعبنا الأبي في سورية..
مع شدة القرح وعمق الجراح ووحشية العدوان، وتجاوزه لكلّ الشرائع والقوانين الدولية والأخلاقية والإنسانية؛ فإنّ الثباتَ الفلسطينيّ وبطولاتِ الصامدين من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.. تستحقّ أكثرَ من التحية والدعم والتأييد. إن مسئوليتنا في هذه الحرب العدوانية الشرسة، هي مسئوليةٌ مباشرة، فهذه الحربُ ليست عدواناً على أهلنا في فلسطين وحدَهم، بل هي عدوانٌ على أمتنا أجمع، وعلى قطرنا العربيّ السوريّ بشكلٍ خاص.
يا جماهير أمتنا العربية المسلمة..يا أبناء شعبنا الأبيّ في سورية..
إنه لمما يزيد في قلقنا وآلامنا، أننا نلحظُ أنّ هذا الخطبَ الجلَل، والخطرَ الماحق، والعدوّ الشرس، وشلاّلاتِ الدم العربيّ المسلم، التي تنهمرُ على أرض فلسطين، وأشلاءَ الأطفال وصرخاتِ المستضعفين من النساء والولدان.. كلّ ذلك لم يوقظْ من قادة أمتنا نائماً، ولم ينبّه غافلاً، ولم يوحّد موقفاً، ولم يستثرْ نخوةَ صاحب نخوة، فتدفعَه إلى مبادرةٍ تجمعُ الصفّ، وتوحّدُ الكلمة، وتردّ على العدوّ بعضَ عدوانه، وتأخذُ على يديه، انتصاراً للأهل والعشيرة والقوم.. وللدين والملّة والأرض والمقدّسات.. بل بدا وكأنّ الساحة شُغِلَتْ - عكسَ مُقتضى العقل والحكمة والتدبير - بتعميق الانقسامات، وتقاذف الاتهامات، والانشغال بالصغائر والتُرّهات.
يا جماهير أمتنا المسلمة .. ياأبناء شعبنا الأبيّ في سورية..
إن جماعتَنا جماعةَ الإخوان المسلمين في سورية، ومن موقعها الوطنيّ المسئول، لتدعو علماءَ الأمة، والحركات الوطنية والإسلامية، إلى التحرّك الفوريّ، لحشد طاقات الأمة وتعبئتها، لدعم صمود أهلنا في غزة وفلسطين، وتحرير كلّ الأراضي التي ما تزال ترزحُ تحت الاحتلال.
كما تدعو جميعَ القوى الوطنية، وفصائلَ المقاومة الفلسطينية، أن تنأى بنفسها عن الانجرار إلى أيّ شكلٍ من أشكال الصراعات البينيّة العربية أو المحلية، فالخطبُ أعظمُ من أن ننشغلَ عنه بمعاركَ هامشيةٍ جانبية، وبوصلتُنا الوطنيةُ والإسلاميةُ لا تؤشّرُ إلاّ إلى عدوّ واحد، هو المحتلّ للأرض، المرتكبُ لأفظع الجرائم وأكثرها وحشية.
وندعو حكامَ العرب والمسلمين، إلى تحمّل مسئولياتهم الوطنية والقومية والتاريخية، فإنّ الصمتَ أمامَ هذه الجرائم الوحشية، إنما هو مشاركةٌ فيها. وإنّ الاقتصارَ على الدعم الإعلاميّ بالمهرجانات والخطابات والمسيرات، ليس من شيَم القادة الراشدين. وإن الأوْلى بالإدانة في هذا السياق التاريخيّ الذي سيكون له ما بعده، هي سياساتُ العجز ومطالباتُ التعجيز.
أما أنتم يا أهلَ غزةَ الإباء والثبات والصمود.. يا من تخوضون عن الأمة كلّها معركة وجودها وحريتها وكرامتها، إنّ أبناءَ الأمة جميعاً معكم، بقلوبهم ودعواتهم وبكلّ ما يستطيعون.. والله معكم، ولن يتِرَكم أعمالَكم. فاصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون.
لندن في الأول من كانون الثاني 2009
جماعة الإخوان المسلمين في سورية