صواريخ العودة

د.إبراهيم حمّامي

[email protected]

في غمرة العدوان المستمر على أهلنا في قطاع غزة، فات البعض - وأنا منهم- التذكير بأن غالبية سكان قطاع غزة هم من اللاجئين الفلسطينيين، والغالبية هنا نعني بها 80% من سكان القطاع، طردوا وهجّروا من ديارهم ومدنهم وبلداتهم الأصلية في فلسطين التاريخية ولجأوا للقطاع من المناطق المحيطة به.

 اليوم ونحن نسمع عن الدائرة التي رسمها الاحتلال للمناطق "الخاصة" بقطر 40 كيلومتر – اليوم صباحاً زادت إلى 60 كيلومتر – هذه الدائرة التي وصل إليها مدى صواريخ المقاومة، نتذكر تلك المناطق التي ينتمي إليها غالبية أهلنا في قطاع غزة.

 ربما يتنافس اليوم أبناء فلسطين اللاجئين في غزة من سيصل إلى أرضه أولاً، من سيضرب مغتصب بيته أولاً، ابن المجدل يصوب نحو المجدل، ومَن جذوره في عسقلان يضرب هناك، ومن طرد أهله من بئر السبع هدفه هناك بعيداً في عمق الصحراء، ويستعد ابن يافا  ويجهز لقصف تل أبيب، وغيره ينتظر.

 إنها صواريخ العودة، ليست صواريخ صمود أو ناصر أو القسام أو غيرها، انها صواريخ المجدل وبئر السبع وعسقلان واسدود ويافا وحيفا وصفد عكا وبيسان وطبريا والرملة وأم الرشراش.

 وصفها الأنذال بأنها عبثية وكرتونية وألعاب نارية، واليوم تبث في قلوبهم الرعب بعد أن باتت قاب قوسين أو أدنى من أن تصل اليهم والى عقر دار أسيادهم، انها صواريخ العز من أرض العزة، تنطلق اليوم عائدة إلى فلسطيننا التاريخية الحبيبة لتمهد الطريق لعودتنا الفعلية، عودة 7 ملايين لاجيء فلسطيني يتحرقون شوقاً لمعانقة تراب بلادهم.

 إنها أيضاً صواريخ العار العربية، شعب يحاصره الأصدقاء والأشقاء قبل الأعداء، قطعوا عنه الماء والغذاء والدواء والكساء، بل حتى الهواء حين ضخت مصر الرسمية "الشقيقة" الغازات القاتلة في أنفاق الحياة، ومع ذلك يبدع شعبنا ويطور وينتج كل ما تحتاجه الحياة، ويزيد عليها صواريخ بدائية عبثية كرتونية، لكنها قلبت المعادلة، انه عار الأنظمة والجيوش التي تخزن وتكدس الأسلحة، وتمتلك المال والمصانع، ولا تستطيع أن تنتج رصاصة واحدة، بل لا تستطيع أن تنتج دبوس صغير.

 أما الجبناء من قادة وجمهور الاحتلال، هؤلاء الذين ترتفع اسهمهم ويصوت لهم شعب في أغلبه مجرم لقيط لا ينتمي لهذه الأرض، يمنح أصواته لمن يقتل أكثر، ويرقص على مناظر الدماء والدمار، يتباهون بشجاعة مصطنعة، ونصر زائف، أفاقوا منها بعد ايام، ويكفي أن ننقل هنا ما نشرته صحيفة هآرتس اليومية عن الشجاعة الكاذبة لتقول بالأمس وبعد خمسة ايام من عدوانهم: طيارونا قاموا بأعمال بشعة.. وهم "أبطال" على مدنيين ضعفاء

 حيث وصفت "هآرتس" العبرية الطيارين الذين يقصفون الأهداف في غزة بالأبطال على الضعفاء، لأنهم يقصفون أناسا مدنيين لا يملكون أي سلاح جو ولا نظام دفاعي، فهم يقصفون بلا عائق كما في طلعاتهم التدريبية.

 وبينت أن هؤلاء الطيارين قاموا بأعمال بشعة تمتدحهم عليها وسائل الإعلام المحلية، وهم لا يرون نتائج أعمالهم البشعة هذه، وأضافت "أفاضل أبنائنا، الذين وجهوا إلى الطيران يهاجمون غزة الآن وينفذون أفعالا سيئة، خرج عشرات منهم في السبت الأسود لقصف أهداف من "بنك الأهداف" في غزة".

 وأوضحت أنهم خرجوا لقصف حفل تخريج لرجال شرطة شباب وذبحوا عشرات منهم، وقصفوا مسجدا وقتلوا بذلك خمس بنات شقيقات من عائلة بعلوشة الصغيرة منهن في الرابعة، وقصفوا محطة شرطة وأصابوا طبيبة جارة تنام الآن مثل نبتة في مشفى الشفاء المزدحم بالجرحى والجثث، وقصفوا جامعة ودمروا مساكن الطالبات الجامعيات، والقوا مئات القنابل من سماء زرقاء صافية ونقية من المقاومة.

 ولفتت إلى أنه تم قتل 375 شخصا في أربعة أيام، ولم يميزوا ولم يستطيعوا التمييز بين شخص من "حماس" أو طفلة، بين شرطي مرور ومطلق صاروخ قسام، وبين خزان ذخيرة وعيادة، وبين الطابق الأول والثاني في مبنى سكني مأهول بازدحام بعشرات الأولاد، مبينة أن أكثر من نصف الشهداء هم من المدنيين.

 وتساءلت الصحيفة العبرية حول إمكانية تفكير هؤلاء الطيارين في آلاف الجرحى الذين يتركونهم معاقين طيلة حياتهم في منطقة ليس فيها مشفى واحد يستحق هذا الاسم، ولا يوجد حتى مركز تأهيل واحد؟ هل يفكرون في الكراهية المتقدة التي يثيرونها، لا في غزة فقط بل في أنحاء أخرى من العالم إزاء الصور الفظيعة التي تشاهد يوميا عبر الفضائيات.

 وقال إن الذي يجب أن يتحاسب على هذه الحرب هم متخذي القرارات، لكن ذلك لا ينفي شراكة الطيارين أيضا فهم مقاوليها وشركاء فيها.

 وذكرت أنه لو قابلوا ولو لمرة واحدة نتائج عملهم لكانوا أصيبوا بالوسواس، وربما فكروا ثانية في أفعالهم، ولو ذهبوا مرة إلى مشفى ايلين في القدس، حيث تعالج منذ نحو ثلاث سنين الطفلة ماريا أمان، التي تدفع كرسيها المتحرك وحياتها بذقنها فقط، لتضعضع كيانهم، والطفلة ماريا أصيبت بصاروخ في غزة قتل كل أبناء عائلتها تقريبا، وهذا طبعا من فعل هؤلاء الطيارين.

 اليوم هو سادس ايام العدوان، وما زالت غزة صامدة بأهلها وشعبها ولاجئيها وقيادتها وحكومتها، ترفض الخضوع والخنوع والركوع كما فعل الأنذال المثبطين، ولو كانت الجيوش العربية التي تحارب كما فعلت عام 1967 لكانت غزة في خبر كان، ومعها ربما عواصم عربية عدة، الحمد لله أنها ليست 1967 وليست 1982 سنوات الهزائم العربية.

 غزة أرض العزة تزغرد منها صواريخ العزة، صواريخ العودة، هي دفاع مشروع قانوني عن النفس، هي مقاومة مشروعة أمام جبروت ألة عسكرية في يد مجرمين جبناء، يدعمهم عرب أذلاء، مقاومة شريفة ضد ارهاب دولة منظم ومدعوم من عالم أعور يرى بعين واحدة.

 يريدون أو نذبح دون رد، أن نذبح دون حتى أن نصرخ، نطالب القيادة والحكومة في غزة بأن تعلن: لا تهدئة ولا وقف للصواريخ والمقاومة بكافة أشكالها إلا بالحد الأدنى وهو وقف العدوان تماماً ونهائياً وقطعياً، وفتح جميع المعابر بما فيها معبر رفح وبشكل دائم دون انقطاع، واعادة اعمار لكل ما دمر، وتعويض أسر الضحايا والجرحى وعلاجهم العلاج المطلوب، ورفع الحصار نهائياً، وبضمانات تلزم زتلجم الاحتلال وأعوانه، دون ذلك لا تهدئة ولا هدنة، لن نقبل أن نموت وحدنا، وان كتب لنا الموت، نموت واقفين أعزاء رافعي الرؤوس لا مطأطأيها، تعانق رقابنا السماء ولا تنحني إلا لخالقها.

 ارفع رأسك يا شعبي، حق لك أن تفخر، ارفع رأسك وأنت ترسم طريق النصر، افخر وأنت تدفع ضريبة العز عن أمة بأسرها.

اللهم ارحم شهداءنا واشف جرحانا وصبرأهلنا و أغث شعبنا في غزة اللهم اربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وسدد رميهم و أغثهم بمدد من عندك وانصرهم نصرا مؤزرا .

اللهم ان عدونا استعلى و تكبر  وطغى وتجبر  اللهم إنا نجعلك في نحور عدونا اللهم اجعل دائرة السوء عليهم اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم وزلزل الارض من تحت أقدامهم وأرنا فيهم عجائب قدرتك واشف صدور قوم مؤمنين فأنت ولي ذلك والقادر عليه. آمين يارب العالمين .

"هَ?ذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ. وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ? وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ? وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ". صدق الله العظيم