قصص من الداخل عن الخسائر الإعلامية في غزة
قصف »الأقصى« ومدينة »أصداء« وإخلاء برج الشوّا واختراق موجات البث
قصص من الداخل عن الخسائر الإعلامية في غزة
ياسر علي
يرش الماء على ما تبقى من مبنى »الأقصى« (أ ف ب)
يبدو أن تعميم المعركة القائمة في غزة، قد طال منذ اليوم الأول الجانب الثقافي والإعلامي الفلسطيني، وقد اتضح أن المعركة لم تتوقف عند الجانب العسكري أو الشُرَطي الفلسطيني، بل تواصلت عن سابق تصور وتصميم إلى بقية الشرائح والمرافق. فطاول القصف والاستهداف، المرافق الدينية والاقتصادية والحكومية والثقافية والإعلامية.
ربما لم يصحُ الإعلام العربي ولا حتى الفلسطيني بعد على الخسائر الإعلامية، فقد استغرب سؤالنا عن الموضوع رئيس »المنتدى الإعلامي« في غزة عماد الإفرنجي، إذ قال في اتصال هاتفي: »كيف سننتبه وسط الحجم الهائل من الدماء والأشلاء المحيط بنا إلى هذه القضية، سأوافيك بعد لملمة الضحايا بالمعلومات الكافية«.
من المعروف أن استهداف الإعلام يهدف إلى منع وصول الصور إلى العالم، والتعتيم الكامل على ما يجري، خاصة أن الاستهداف ركّز على الإعلام المقاوم. بالتالي، لم يعد الإعلاميون المستهدفون مجرد موظفين في مؤسسات إعلامية، بل هم الذين يعوَّل عليهم في نقل وقائع المعركة الميدانية عند اندلاعها، في وقت يُخشى من توسيع دائرة الاستهداف إلى غير وسائل الإعلام التابعة لحركة حماس.
قناة »الأقصى«
استُهدفت قناة »الأقصى« من الليلة الأولى للعدوان، ودمّر المبنى المكوّن من خمس طبقات بالكامل. الخبر الذي وصلني برسالة نصّيّة عند الثالثة من فجر الأحد (٢٨/١٢/٢٠٠٨) لم يُفصح عن عدد الضحايا. كان مرسل الخبر رماح مبارك مسؤول العلاقات الخارجية في القناة، الذي عاد وأوضح في اتصال معه خبر الاستهداف، وأكد أن الاحتياطات قد اتُّخذت مسبقاً وتم إفراغ القناة من الموظفين وجزء مهم من المعدّات والآلات. لذلك لا ضحايا والخسائر اقتصرت على الماديات.
تعمّد جيش الاحتلال ملاحقة سيارة البث (OB van) التابعة للقناة في أكثر من مكان، ولم يكن من خيار لتسهيل إرسال المواد والبث، سوى البث من »برج الشوّا«، وهو البرج الإعلامي الذي تقيم فيه كل وسائل الإعلام تقريباً.
بعدها، اتصل جيش الاحتلال بوسائل الإعلام في البرج، وهددها بالقصف أو الإخلاء، فأُخلي المبنى، وتوقفت الرسائل المباشرة من غزة (وذلك في منتصف اليوم الثاني للاعتداءات)، ولم يبقَ إلا رسائل وكالة »رامتان« التي انتقلت إلى فيللا خاصة بها، وتابعت عملها من هناك. وبعد اتصالات على مستوى عالٍ بين غزة والخارج وعدد من الفضائيات، تم إخلاء مبنى قناة »الأقصى«، والعودة إلى البث من السيارة، أما الإعداد فيتم في أماكن مجهولة، لا يعرفها إلا أشخاص معدودون، حتى أن موظفي القناة ومراسليها »مبعثرون في المواقع والمنازل وأماكن الحدث« كما يقول مبارك، الذي أضاف: »علمنا من اليوم الأول أن وسائل الإعلام ستُستهدف، منذ أن استهدفت المدينة الإعلامية في خان يونس، التي كانت ضمن أول ٤٢ هدفاً، واستهدفت قريباً منها سيارة بث وإخراج تلفزيوني«.
وعن إمكانية توقف البث من أرض المعركة قال: »نحن مطمئنون إلى وضعنا الآن، قد تتغير الحال في الاجتياح البرّي وما يتبعه من حصار أو احتلال لو حصل«.
التعتيم محلي أيضاً
لم تقتصر محاولة التعتيم على منع الأخبار عن العالم، بل انتقل الاحتلال إلى منعها عن أهالي غزة، فقام في البداية باختراق موجات وسائل الإعلام وبثّ الرسائل التحريضية على حركة »حماس« والحكومة المقالة، ثم تمّ توجيه التهديدات للإذاعات المحلية وأمرها بإخلاء المكاتب، وهذا ما تمّ بالفعل، حيث أُقفلت إذاعات »البراق« و»الإيمان« و»القدس« وتوقفت، فيما بقيت إذاعة »الشعب« تبث برامجها في القطاع.
إضافة إلى الإذاعات، تجدر الإشارة إلى ان المدينة الإعلامية التي تم استهدافها في اليوم الأول هي مدينة »أصداء« الإعلامية المُعدّة للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، وتضم ديكورات ضخمة مختلفة كالقرى الفلسطينية والمخيمات المختلفة بما تحمله من دلالات تاريخية واجتماعية. وقد بدأت إنتاجها في خلال عام ٢٠٠٨ بعدد من الأفلام.
هل توقف الاستهداف عند غزة فقط؟ الإجابة هي قطعاً بـ»لا«، فهناك أكثر من صحافي تعرّض للضرب في نعلين وبلعين ورام الله. وقد استُهدف صحافيون في تظاهرات الداخل الفلسطيني، ومن بين المعتقلين مراسل موقع »عرب ٤٨« رائد دلاشة والصحافي جمال أمارة محرّر موقع »رادار«، الذي تمّ إطلاق سراحه، ولكن ليس قبل أن يتم التعرض له بالضرب المبرح وإطلاق الغاز المسيل للدموع عليه، وتحطيم آلة التصوير الموجودة بحوزته.
(صحافي فلسطيني)