مصر الغائبة...والغاضبة
د. ياسر سعد
تعاني السياسة المصرية، داخليا وخارجيا، من ارتباك واضح وفقدان للبوصلة وضياع للأولويات. فلا يكاد يمر زمن إلا وأخبار مصر تنقل لنا كارثة جديدة كانهيار مبنى أو حوادث سير مفزعة، أو كوارث غرق وحرق مفجعة، أو اعتقالات ومحاكمات سياسية، مما يعكس خللا بينا وأزمات متصاعدة.
أما السياسة الخارجية فتشكو من انحسار الدور المصري وغيابه عن الملفات الساخنة والتي تؤثر وبشكل مباشر على الأمن القومي العربي والمصري مثل الملف السوداني والصومالي والعراقي. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وبالأخص بالتطورات المتداعية في قطاع غزة، فإن الاضطراب والتردد يصبغان الدبلوماسية والمواقف المصرية.
فبعد رد وزير الخارجية المصري العنيف على إيران لانتقادها موقف بلاده من حصار غزة، عاد رئيس الوزراء أحمد نظيف ليرفض الاتهامات بأن القاهرة تشارك في حصار غزة قائلا إن ذلك غير مقبول، وبأن مصر هي أكثر من يخدم الفلسطينيين، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الوقوف معهم يجب أن يتم في إطار المشروعية! كما استدعت الخارجية المصرية السفير السوري لتعبر له عن احتجاجها على المظاهرات التي جرت أمام السفارة المصرية في دمشق للتنديد بموقف القاهرة من معبر رفح.
الحساسية المصرية للانتقادات حول إصرارها إغلاق معبر رفح مردها علمها بأن موقفها يخالف التوجهات الشعبية محليا وعربيا، وأن حجتها فيه أوهى من بيت العنكبوت. فالسلطات المصرية تتذرع باتفاقية المعبر والموقعة 2005 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ومع أنها ليست طرفا مباشر فيها، إلا أن مصر تقدم التزامها المتشدد بالاتفاقية على دورها وواجبها التاريخي والسياسي والقومي والإنساني. فقطاع غزة أحتل حين كان تحت السيادة المصرية، والرئيس مبارك تعهد في مطلع العام بأنه لن يسمح بتجويع الفلسطينيين، والوضع في القطاع كارثي، فيما شهادات شخصيات ومؤسسات دولية معتبرة تفيد بأن إسرائيل ترتكب بحق سكان غزة عقوبات جماعية و جرائم حرب.
وحتى تحاول السلطات المصرية امتصاص الغضب الشعبي المتصاعد من مواقفها من الحصار ودورها في تشديده عبر الإغلاق وتدمير الأنفاق، ومن قمعها للناشطين المصريين الساعيين لإغاثة القطاع، أعلن الهلال الأحمر المصري عن إرسال شاحنات إغاثة للقطاع بعد موافقة إسرائيل على ذلك. الشاحنات المصرية انتظرت مطولا للحصول على تصريح إسرائيلي للمرور من معبر كرم ابوسالم، كما إن الحديث عن الموافقة الإسرائيلية وتجنب معبر رفح يعطي مؤشرا عن عجز السلطات المصرية على القيام بدور فاعل وبأنها حبيسة خيارات محدودة.
فهل يليق بمصر تكرار الحديث عن اتفاقية المعبر وتجاهل تعرض الفلسطينيين لخطر المجاعة والموت البطيء؟ وهل أصبح التعامل مع الاحتلال واحترام الالتزامات تجاهه أهم من الواجبات القومية والإنسانية والمصالح الوطنية؟ وهل احترمت إسرائيل التزاماتها وتعهداتها مع مصر وغيرها، حين صرع جنودها جنود مصريين على الحدود وفي إرسالها الجواسيس لمصر؟ وبماذا تقايض القاهرة دورها الكبير ومكانتها القيادية؟ وهل صحيح ما يشاع أن الأمر متعلق بترتيبات مرحلة ما بعد مبارك؟
قبل أن تغضب مصر على من ينتقد دورها، عليها أن تصغي للرأي الشعبي فيها والذي يشهد غليانا وسخطا على ما يجري في غزة وعلى غياب مصر إن لم نقل غيبوبتها.