النظام المصري... فقد الأهلية
صلاح حميدة
قبل فترة كتبت مقالاً بعنوان( النظام المصري يدير الحرب على حماس) وأشرت فيه الى محاور هذه الحرب، وأشرت في مقالات عديدة إلى ما يقوم به هذا النظام في حربه على المقاومة وتحالفه مع أعداء الشعب الفلسطيني ، في حينه لامني بعض الناس على هذا المقال وقالوا :-(ظلمتهم، وليسوا كلهم سواء، وتعجلت).
بعد العدوان الأخير على قطاع غزة وعلى المقاومة الفلسطينية، تبين بما لا يدع مجالاً للشك أنني كنت مصيباً في قولي، وأنني كنت لطيفاً مع هذا النظام، وأنه يستحق أكثر وأشد من ذلك المقال، لكون ما قام به من جرائم بحق الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية وضع النقاط على الحروف بشكل جلي، ولم يعد هناك أي مجال للكلام السياسي من قبيل أهلنا وإخواننا، فهذا النظام لا هو من أهلنا ولا هو من إخواننا.
دور هذا النظام في التآمر لإقصاء القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، التي جاءت عبر صناديق الاقتراع في مراحل ما كان يطلق عليه بالحوار الوطني، ودوره في تسعير الشقاق والاقتتال الداخلي، وما أطلق عليه اصطلاحاً التهدئة، وملف التفاوض على الجندي شاليت، والخطاب الاعلامي المعادي للمقاومة الفلسطينية كان واضحاً، ولكن القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، كانت تصر أنهم إخواننا، وهم رئتنا، وعمقنا الاستراتيجي، ويجب أن لا نقطع حبل الود معهم.
هذا الخطاب - برأيي- ثبت فشله، فالشعب المصري يعلم عن عمالة هذا النظام أكثر مما نعلم، وكان بعض المفكرين والصحفيين المصريين يلومون حركة حماس على ترفقها في خطابها الاعلامي مع هذا النظام العميل، من باب اتقاء شره وتلمس بعض المنافع منه لصالح القضية والشعب الفلسطيني،ولكن بعد الأحداث الاخيرة والعدوان المجزرة هناك، أصبح الوضع لا يحتمل المجاملات، ولا بد من تسمية الامور بمسمياتها.
مهد هذا النظام العميل للعدوان ونسق له مع الأطراف العربية العميلة، ومع الكيان الاسرائيلي بحرب إعلامية شرسة على القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، وأطلق كتاب التدخل السريع لهذا النظام العميل كافة سمومهم وأحقادهم في حرب إعلامية قذرة على قيادة الشعب الفلسطيني المنتخبة.
أعلن هذا النظام العميل بما لا يدع مجالاً للشك وبصراحة، أنه لن يتعامل مع القيادة المنتخبة للشعب الفلسطيني، وأنها غير ذات صلة بأي شيء، وأن الطرف الشرعي من وجهة نظره هو الحكومة المعينة في رام الله، والتي تحظى بشرعية أمريكا والاحتلال الاسرائيلي، وبذلك وضع نفسه في حلف أمريكا وإسرائيل بشكل واضح في مواجهة خيارات الشعب الفلسطيني.
دعا هذا النظام العميل قيادات الكيان الصهيوني إلى القاهرة وشرم الشيخ وطلب منهم شن الحرب على حماس و( تأديبها)، حتى ترضخ لمطالبه بالاعتراف بالكيان الصهيوني والتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتسليم مفاتيح القضية لمن رفضهم ونبذهم الشعب الفلسطيني، وشاهدنا بعضاً من قذاراتهم في الوثائق التي عرضت بعد فرارهم من القطاع، من فساد مالي وأخلاقي وأمني.
حدد ساعة الصفر للعدوان المجزرة على غزة من القاهرة، وأعلن ذلك جهاراً نهاراً، واتصل مسؤولون من هذا النظام العميل بقادة حركة حماس وأبلغوهم بشكل واضح أن لا عدوان على غزة وأن الأمور تسير نحو التهدئة، وأن يوم العدوان( السبت) بالذات لن يشهد أي عدوان، وعليهم أن يطمئنوا ويعودوا الى المقرات، وكان هذا سبب العدد الكبير من الشهداء في صفوف الشرطة، لأن القيادة الشرعية المنتخبة للشعب الفلسطيني، كانت ترى بهؤلاء العملاء إخوة وأهل، وهذا ما ثبت عكسه .
فمن يريد أن يدافع عنهم ويقول:-( تم خداعهم)، فهذا قول مردود عليه، لأنه لو كان الأمر خداعاً لهم، لأعلنوا ذلك، ولغضبوا من الصهاينة وتضامنوا مع حركة حماس، ولكن غضبهم كان على حماس، لأنها لم تخرج كل قياداتها السياسية والعسكرية بعد تطمينهم لها بأن العدوان لن يتم، ولذلك لم يتم القضاء على القيادة المنتخبة بضربة واحدة، وفشلت الخطة .
بعد بدء العدوان مباشرةً، ظهرت فرحة وشماتة هذا النظام العميل وإعلامه الأصفر بالدم الهادر في غزة، وأعلنوا مباشرةً تحميل حركة حماس المسؤولية، ورفضوا فتح المعابر لإدخال المساعدات القطرية والعربية الى القطاع،وبرروا العدوان على غزة بأنه بسبب إنهاء حركة حماس للتهدئة، ولم يذكروا أنهم وحليفهم الكيان الصهيوني أخلوا بالاتفاق وخرقوه وسعوا لفرض استسلام على القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني.
ساء هذا النظام صمت بعض أركان الطرف الفلسطيني الذي يتفق معهم والذي يدعمونه، فأرسلوا له ليأتيهم الى القاهرة، حتى يتم الاعلان المشترك من الطرفين أن المسؤولية في العدوان المجزرة على غزة تقع على عاتق قيادة الشعب المنتخبة، وأن الحل يكمن بالاستسلام للمطالب الاسرائيلية ورفع الراية البيضاء، حتى ينال الفلسطينيون رغيفهم بذل وعار، مقابل عمالتهم الواضحة للاحتلال، وينتقل هدف الثورة الفلسطينية من تغيير واقع الاحتلال وإزالته، إلى هدف التعايش معه، والعمالة له مقابل قوت يومنا.
رفض هذا النظام العميل إدخال أي مساعدات عربية للقطاع وحرص على إدخال أي شيء بالقطارة فقط، حتى يستمر الفلسطينيون بالتألم والمعاناة، ليجبرهم على طلب الاستسلام، ورافق ذلك حملة إعلامية وبث للأكاذيب ضد قيادة الشعب الفلسطيني، وجهد أمني مكثف لمنع أي تواصل أو تهريب لأي شيء من طعام ووقود فضلاً عن السلاح للفلسطينيين.
يقوم هذا النظام العميل بتعطيل أي جهد رسمي عربي لنجدة غزة سياسياً، فضلاً عن نجدتها بالسلاح والمؤونة، وأعلن بشكل واضح أن محصلة أي جهد عربي يجب أن تكون فقط بما تريده إسرائيل من استسلام كامل وشامل للشعب الفلسطيني، واستمر بهذه الجهود الدبلوماسية في العالم حتى يمتص أي جهود مهمة في العالم والاقليم، فطار وزير خارجية نظام النفاق والعمالة الى تركيا مباشرة عندما رأى موقفاً متقدماً من الأتراك ليقوم باحتوائه وامتصاصه، أملاً في إعطاء أسياده في إسرائيل الوقت الكافي للقضاء على القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، حتى يعيد خيار إسرائيل وأمريكا الى القطاع.
يقوم هذا النظام العميل بجهود كبيرة لقمع وتحجيم ومحاصرة أي جهد جماهيري شعبي في مصر الكنانة، مصر خير أجناد الأرض، ويمنع حتى الجهود الأهلية للإغاثة، حتى على مستوىإدخال ثمانية جراحين متمرسين الى القطاع، فضلاً عن اعتقال وملاحقة كل مناصر ومساعد للقضية والشعب والمقاومة والقيادة الشرعية الفلسطينية.
بعد كل هذا، ثبت بما لا يدع مجالاً للشك فقدان هذا النظام الأهلية لقيادة الشعب المصري، وهذا شأن الشعب المصري، الذي سيحاسب هذا النظام على عمالته وخيانته المطلقة والوقحة، مثلما حاسب نظامه العميل بعد نكبة فلسطين1948م، والأيام القادمة ستشهد أحداثاً جللاً فهؤلاء العملاء يعيشون اللحظة ولا يؤمنون بسنن الله في التغيير في الارض.
هذا النظام العميل فقد الأهلية المطلقة في التعامل مع أي شأن فلسطيني داخلي، وعلى القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، إعلان ذلك بشكل جلي وواضح، ففي ملف العلاقات الداخلية من المرفوض بشكل مطلق، تدخل هذا النظام العميل في أي حوار أو اتصالات داخلية، فوساطته مرفوضة مطلقاً وتحيزه الوقح مرفوض، ودوره في تأجيج الصراع الداخلي وتعميق الأزمة الداخلي واضح ولا يحتاج للشرح.
في ملف صياغة أي اتفاقات أو تفاهمات سياسية او ميدانية مع أي طرف دولي أو إقليمي، يجب تهميشه نهائياً ورفض أي دور له مهما صغر، فالذي يريد دوراً عليه على الأقل أن يكون محاياً لا شريكاً في قتلنا وذبحنا ، والحرب علينا.
في ملف الجندي شاليت، وساطة هذا النظام العميل أصبحت من الماضي، وفي أي فتح مستقبلي للملف يجب أن يهمش تهميشاً مطلقاً، وعلى القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني أن ترفض أي دور أو وساطة لهؤلاء العملاء القتلة المجرمون مهما كان الثمن.
على القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني أن لا تطمئن لأي كلام من هؤلاء العملاء، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، واللدغة الأولى( المجزرة) كانت قوية جداً بصورة لا تدع مجالاً للشك في عمالة وإجرام هذا النظام .
على القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، ان تخاطب هذا النظام العميل بخطاب إعلامي واضح، يؤكد دوماً وكل يوم على دوره في المجزرة وذبح الشرطة بعد أن طمأنهم، وإعادة ذلك مراراً وتكراراً، وتحميله مسؤولية المجزرة، فالمرحلة الحالية تحتاج الى وضوح وصراحة في الخطاب الاعلامي بلا أي دبلوماسية، فالعملاء لا هم إخوة لنا، ولا هم من أهلنا، وعلى قيادة الشعب الفلسطيني الشرعية المنتخبة، أن تعلم أن الله قال لنبيه نوح عندما خاطبه في إبنه، وقال:-(إنه من أهلي)، فقال له الله بشكل قاطع وواضح:-( إنه ليس من أهلك)(إنه عمل غير صالح)، وهذه هي المفاصلة الواضحة بين الحق والباطل، بين العمالة والحق والمقاومة، فهل ستكون المقاومة أرحم على هؤلاء العملاء من أنفسهم؟، لقد اختار هؤلاء العملاء الخونة طريق العمالة والخيانة بأنفسهم، وأعلنوا ذلك صراحة، لذلك فليدفعوا هم ثمن ذلك.