وما زلنا نندهش

جمان محمد عكل

[email protected]

كأنني أرانا كائناً بعينين محدقتين، وحاجبين مرتفعين يكادان يصلا منابت الشعر.. من شدّة الدهشة!

مندهشون دائماً، ليس كدهشة الطفل حين يتعلم أنّ الكبريت يمكن أن يشعل ناراً هائلة، فتصير الدهشة معرفة وخبرة، بل كدهشة الكبار حين يشعلون حريقاً بشعلةٍ رموها عمداً في القشّ، فتصير الدهشةُ بلاهةً مطلقة؛ سببها عدم الاستفادة من المعرفة السابقة المختَزنة في سنّ الطفولة!

تأتي عناوين الجرائد منذ الأمس، لتقول إنّ (إسرائيل لا تكترث بالتهديدات الدوليّة ومستمرّة في قصفها لغزّة)، واضعةً عبارة “لا تكترث” هكذا بين قوسيْ تنصيص، ملحقة بعلامة تعجّب!

ومنذ مئتي عام أو تزيد؛ والعالم كله لا يكترث لنا؛ نحن الكائن المندهش بلاهة، أبناء (البطّة السوداء) التي بقيتْ ملازمة مكانها في المؤخّرة سعيدة بمشيتها المتخلّفة وصوتها المزعج.

لم تنفعنا كل أفلام الرسوم المتحرّكة التي غيّرتْ رأي العالم في التمييز والتعنصر ضدّ البطة السوداء وأبنائها واعتبارهم قبيلة بطّيّة عاديّة لها حقوق البطّ كاملة؛ لأنّنا لا نعرف لأنفسنا منزلة غير منزلة (البطّ الأسود المتخلّف عن المسيرة؛ ذو الصوت المزعج).

ومنذ مئة عام؛ والعالم يقرّر ونحن نتفرّج، ومنذ ستّين عاماً (وإسرائيل) لا تكترث، فعلامَ الدهشة الآن؟

لماذا يصرخ عضو البرلمان الكويتي في لقاء صوتيّ على قناة الجزيرة؛ مندهشاً من تعليق رئيس دولة مسلمة (غير عربيّة)، ومن ردّ فعله السلبي إزاء ما يحدث في غزّة؟

أليس رئيس الدولة هذا من قبيلة البطّ الأسود، المنتمين إلى كائن الدهشة الأبله؟، فعلام كلّ هذا الصراخ وكأنّ هنالك من يسمعه؟

تتجلى الدهشة في وجه إحدى زميلات الجامعة، حين تقول فتاة ما إنّ فلسطين محتلة منذ خمس سنوات فحسب، وحين توضّح لها أنّ تلك هي (العراق) وليستْ فلسطين، تجيب بثقة إنّ العراق ليس محتلا.

وأندهش أنا من دهشة زميلتي؛ فكأنها لا تدرك أنّنا نعيش على هامش العالم، ومن منّا يعيش داخله، يتجاهله الهامش/الأغلبيّة وكأنّه هو المكتوب خارج المتن.

وما بقي في (صندوق الدهشة الائتمانيّ) سوى بضعٌ نتخاطفها؛ وكأنّنا نخشى أن نصحو من بلاهتنا المطلقة، أن تنتعش ذاكرة الطفولة فجأة، وتخبرنا: الكبريت يشعل ناراً، يحرق داراً، ينسف كَوْناً.

* ومنذ دقائق تصل رسالة إلى هاتف والدتي المحمول، على لسان أخت فلسطينية تقول: كلمت خالتي في غزّة -ساكنة قرب مستشفى الشفاء- تقول إنّ الوضع أسوأ بكثير من الذي ترونه في التلفاز، وإنه ما مرّ على غزّة أسوأ من هذا الحال.. حتى احتلال الـ48 لم يكن كهذا!

وأسأل نفسي: إن ما بقي هنالك من يسمع؛ هل بقي هنالك من يقرأ؟