الشيخ معاذ.. و"المبادرة"
الشيخ معاذ.. و"المبادرة"
عقاب يحيى
أحدثت" مبادرة" الشيخ معاذ الخطيب رجّة، وضجة في الوسط السوري بين معارض لها راح ينتف ريشه ويقذفه بأسوأ الألفاظ والاتهامات، وبين من صمت عليها.. وهناك نسبة كبيرة أيدتها وأعلنت تأييدها لما احتوته من نقاط.. بل لجوهرها، وغاياتها، واقتناعاً بخلفية مطلقها، بينما أهل النظام يسكتون كناية الإهمال، والترفّع، أو الخبث الذي اشتهروا به..
****************
ـ عديد قال : ان الشيخ صار في دمشق، وأنه من هناك، ومن عنوان باهت" تحت سقف الوطن" تحدث، وانه ينسّق مع جماعات في النظام، ومع قيادات أمنية معروفة، أو مع جهات من المحسوبين عليه..
ـ هناك من اتهمه باللقاء مع ضباط أمن على هيئة تجار ومستثمرين وأثرياء كانوا يتواصلون معه من أشهر ويعرضون" خدماتهم"، واستعدادهم لنقل الأفكار ب"امانتهم" المشهودة..
ـ وهناك من تحدث، ب"الوقائع"، ومنذ أشهر مديدة، وقبل أزيد من عام حين قام الشيخ بزيارة لألمانيا كرئيس للإئتلاف والتقى ايامها بوزير الخارجية الإيراني ـ خلافاً لقرار الإئتلاف يومها، وبوزير الخارجية الروسي ـ أنه اجتمع طويلاً مع مجموعة من "التجار الدمشقيين" بحضور الأستاذ عصام العطار، وعدد آخر من التجار المحسوبين على خط الاعتدال..وأنهم أقنعوه وفوضوه بقيادة"مبادرة للمصالحة التاريخية"، وأنهم وعدوه الدعم والتأييد.. وأنه من يومها وهو يسعى ويحاول..خلافاً لقرارات الإئتلاف وتوجهاته .
ـ اليوم تنتشر كثير من الأخبار والحكايا عن أفكار إيرانية"شبه مشاريع"، وربما روسية تحاول إيجاد مؤيدين لها ل"حل للوضع السوري" تتحدث ملامحها الشائعة عن إبقاء القاتل بشار رئيساً، وأركان حكمه بتخفيض، أو نقل بعض صلاحياته ومنحها لحكومة قوية ـ إئتلافية ـ يمكن أن تترأسها شخصية معارضة"قوية"، وبصلاحيات واسعة، وتضمّ خليطاً من المؤيدين والمعارضين، وتضع برنامجاً للتغيير، والإصلاح..وربما.. الانتقال المتدرّج نحو وضع تعددي"مرحلة انتقالية طويلة" ....
ـ وما من شكّ أن حالة الانسداد القوية، شبه المستعصية في الوضع السوري، الناجمة عن جملة مفاعلات معروفة، وأهمها : عدم وجود قرار دولي حاسم : سياسياً كان أم عسكرياً(وفي أساسه الموقف الأمريكي)، وما وصلت إليه البلاد من أخطار وتطورات، خاصة بعد تغول داعش، وانتعاش نظام الجريمة، وإهانة السوريين بإعادة انتخاب القاتل رئيساً، وأوضاع المعارضة، والإئتلاف بوجه الخصوص، و"الجيش الحر" والأركان، وعموم الكتائب المقاتلة، والتحولات : الإقليمية والدولية في قصة"مكافحة الإرهاب" وتقليم أظافر ووجود الإسلاميين بشتى تلاوينهم..
هذه الحالة تفتح المجال لعديد الأفكار والمخارج.. وتأتي" مبادرة" الشيخ معاذ لتحتل مكاناً يستجلب الاهتمام، رغم أن الأغلبية تعي فوات القدرة في تنفيذها، وافتقارها لمقومات النجاح الأساس، وفي المقدمة من ذلك اصطدامها بصخرة مكونات نظام الفجور والفئوية الرافض لأي حل عادل.. طالما أنه سيتناول وجوده ـ في أدنى الاحتمالات ـ وفيما يعرف ب"المرحلة الانتقالية" التي جاءت في "مبادرة" الشيخ معاذ .. ناهيك عن قوة دفعها الذاتي، ومدى "تبنيها" من اصحاب القرار الإقليميين والدوليين ..
****
بعيداً عن لغة التخوين والشتم والتسفيه، والشيخ معاذ مشهود له بوطنيته الحارة، ونظافة خلفيته، وصدق طويته ونواياه، وإقراراً بحقه، وغيره، في اعتناق وطرح أية أفكار يراها حلاً، أو سبيلاً لإنقاذ بلدنا مما هي فيه، ومما ينتظرها من احتمالات أخطر، فحركة الشيخ ليست جديدة، كما أنها ليست معزولة عن أجواء وتحركات سبقتها، ومهّدت لها بلقاءات ومؤتمرات، ومحاولات من عديد المؤمنين بوسائل"الحل السياسي" على هذه الطريقة، او ب"المصالحة الوطنية" كما يفضلون تسميتها، والرهان على ذلك طريقاً وحيداً ، وأعتقد أن إشارات الشيخ المتكررة عن وجود شخصيات فعالة وليست من "المعارضة المرتهنة"، وقوى شريفة معه.. ليست مجرد أماني، وكلمات في الفراغ، وللتهويل.. فهناك اليوم كثيرون يتحركون في هذا الميدان.. بشكل علني أو سري، من الوان قريبة من النظام، أو كانت قريبة منه، واعتبرت نفسها منشقة، وفئات من التجار وفعاليات دينية وسطية ومن هيئات المجتمع المدني، وسياسيين لم يحترفوا العمل المعارض، وسياسيين من هيئة التنسيق وغيرها، وهم يحاولون التقدّم على هذه الطريق، وبعضهم يفضل تصدير الشيخ معاذ عنواناً، وواجهة لما يريدون، بينما هناك من يريد صياغات أخرى بعيدة عن"اندفاعات" الشيخ، و"عاطفيته"، و"أحاديته" ..
**
هنا، وبغض النظر عن النوايا، وعن الخلفيات، وعن الكلمات العاطفية التي تذكر بهول المحنة السورية، وما تعرّض ويتعرض له شعبنا ووطننا، ومستوى الجريمة المقترفة من قبل نظام فئوي قتال، وما تمثله سيطرة داعش على جزء من البلاد، وأعداد الشهداء، والمهجرين واللاجئين، والدمار والخراب...وجمال الكلام عن القرار الوطني والمستقل، وعن الابتعاد عن جميع التجاذبات والتحالفات الإقليمية والدولية ـ كلها ـ ومحاولات وضع الملح على جرحنا الكبير : نتاج فعل نظام الإجرام بشكل رئيس، والقبول بالحوار معه، وتكريسه بصورة من الصور، بل والتمديد للقاتل رئيساً ـ أيّاً تكن الصلاحيات التي ستبقى له ـ وقصة أجهزة الأمن المشرشة، ورؤسائها القاتلة، ومعظم كبار المسؤولين المجرمين وواجب، وضرورة تقديمهم لمحاكم عادلة.. ناهيكم عن عشرات القضايا التي هي من حق شعبنا، وشهدائه، ومغتصبيه، ومعتقليه، وثواره الحقيقيين.....
فالرغبات والأماني ، ومهما كان نبلها ومقصدها، لا يمكن أن تتحول إلى واقع ضمن الظرف العياني الذي يعرفه الشيخ، والجميع. على العكس من ذلك فإن مثل هذه "المبادرات" تقدّم للقاتل هدايا مجانية، وتشرعّن بشكل مباشر، أو من حيث النتيجة، وجوده وما يفعله ..ولن تقدّم سوى مزيد من البلبلة، وشق الصفوف المتناحرة، والمأزومة، والمهلهلة أصلاً.. وكنت أتمنى من الشيخ، وبما يتمتع به من رمزية معينة، ان يضع جهده، وغيره من المخلصين والوطنيين لعقد مؤتمر وطني جامع لمختلف قوى المعارضة والثورة والحراك العسكري، وفعاليات المجتمع المدني لنقاش الوضع بشجاعة المؤمن بقدرة استخلاص الدروس، ووضع البرامج الواقعية، ورضّ الصفوف في جبهة عريضة لتحقيق آمال شعبنا في إسقاط نظام الاستثناء، وبناء النظام الديمقراطي، التعددي الذي ينهي عقود الاستبداد، والفئوية، والجريمة، والفساد، ويؤسس للدولة المدنية الديمقراطية. دولة جميع المواطنين متساويي الحقوق..وحينها يمكن التقدّم بقوة، وزخم بمشروع إنقاذي شامل يضع في الاعتبار مختلف فئات وشرائح شعبنا، بما فيها الكتلة الصامتة، والذين لا مصلحة لهم في تقسيم البلاد، أو استمرار نزيفها الدموي