حماس... ما لها وما عليها
صلاح حميدة
الظهور الاول لحركة المقاومة الاسلامية (حماس) كان في انتفاضة الحجارة في العام1987م ، استغرب الجميع هذا الاسم حتى كشفت الحركة عن افكارها ومبادئها ونظرتها نحو الاحتلال والمحيط والاخوة في الداخل...الخ عندما نشرت ما سمي ب(الميثاق).
وكشفت في نفس الوقت انها حركة ليست وليدة اللحظة وانما هي فرع من جماعة الاخوان المسلمين ، وبالتالي استفادت من الارث السابق للجماعه في الخارج والداخل على حد سواء.
طبعا كان للاخوان المسلمين تواجد في فلسطين قبل الانتفاضه ، ولكنه كان متقطعا ويخضع للتوازنات الاقليمية والدولية، فمن ظهور ودور كبير في حرب1948م وتجنيد الكتائب للحرب في فلسطين ، فانتكاسة وسجون، ثم انتعاش مع ثورة يوليو في مصر ثم قمع شديد على يد الناصريين حتى موت عبد الناصر، وهنا لا بد من لفت النظر ان الاخوان المسلمين وحتى ما قبل الانتفاضة بقليل وحتى ايضا في بدايات الانتفاضة كانوا يعانون من الدعاية الناصرية ضدهم فقد كان عبدالناصر يحظى بشبه اجماع جماهيري وكانت الجماهير تعادي الاخوان لعدائه لهم، اضافة الى المد اليساري في فلسطين في تلك الفترة والذي كان بديهياً انه معاد لكل ماهو ديني.
حتى الانتفاضة الاولى لم يستطع الاخوان ان يصبحوا حركة جماهيرية في فلسطين بالرغم من انه اصبح لهم في عدد من مناطق الضفة والقطاع تواجد مهم ، ولكنه لم يتعد كونه تواجدا نخبويا اكثر منه امتدادا جماهيريا.
ادرك الاخوان أن بنيتهم التنظيمية أصبحت قوية و ان اوان التحرك نحو مقاومة الاحتلال اصبح مواتياً قبل بدء الانتفاضة الاولى ، فشاركوا في بعض الاحداث الجماهيرية في قطاع غزة وفي جامعة بير زيت واستشهد منهم احد عناصر الاخوان الطالب (صائب ذهب).
في بداية انتفاضة الحجارة والتي اعلنت حينها حركة حماس انطلاقتها ، سمعت احد قيادات حماس يقول:-
(ان جواز السفر للدخول للشعب الفلسطيني هو بمقاومة الاحتلال).
هذا يدلل على ان قراراً استراتيجياً اتخذ عند اخوان فلسطين والعالم بخوض المعركة والولوج مجدداً في لب الصراع مع الغرب الاستعماري وعلى راسه مشروعه في المنطقة(اسرائيل).
منذ بداية انطلاقتها، كانت حماس مدركة لمدى امكانيتها ومدى سقف الشعب الفلسطيني في مقاومته لللاحتلال، فسمت نفسها (حركة المقاومة الاسلامية) ولم تسم نفسها (حركة حماس لتحرير فلسطين) مثلاً.
فحماس لم تكن لترفع سقف توقعاتها من مقاومتها والشعب الفلسطيني للاحتلال، فادركت مبكراً ان الوضع الدولي والاقليمي والفلسطيني لا يسمح لها ان تكون في موقع ان تحرر فلسطين حالياً، فاختارت المقاومة بان(تبقي شعلتها مستمرة ) حتى تتهيأ الظروف المناسبة للتحرير من الخارج ، لانه -باعتقاد حماس- لا يمكن التحرير من الداخل ، بل تمكن المقاومة، ولذلك لم تقع حماس بالخطأ الذي وقع فيه غيرها من حركات التحرير الفلسطينية التي انتكست واصبحت تتماهى مع المشاريع الدولية والاقليمية والاسرائيلية ، وهوت بالقضية الفلسطينية الى اسوأ الاوضاع في تاريخاها بعد ان لم تستطع ان تحقق للشعب الفلسطيني التحرير الشامل فاصبح هدفها اقامة الدولة على جزء من فلسطين بدلاً من تحرير كل فلسطين وانتهى ذلك بحكم ذاتي اداري للفلسطينيين ، يعطيهم الغذاء مقابل محاربتهم للمقاومة!.
هذا الولوج في الصراع لم يرق لكثيرين ، فلم تجد حماس الساحه مفتوحه لتمارس دورها، ووجهت بعداء من فصائل منظمة التحرير في البداية ، مع تباين في شدة العداء، والطريف ان الجبهة الشعبية (يسار) كانت اقل التنظيمات عداءاً لحماس ، مع انهما لا تلتقيان ايديولوجياً ؟!.
بدأت حماس تعمل في المقاومة والمجتمع وعلى كل الجبهات وفي كل المواقع ، ولكن التاثير الحمساوي على المجتمع الفلسطيني لم يكن مباشراً ولم يلمس الا في فترات متاخرة من الانتفاضة وتحديداً بعد قدوم السلطة ، وكان هذا التاثير واضحاً واكثر انتشاراً بعد الانتفاضة الثانية التي سميت بانتفاضة الاقصى والتي كان لحماس باع كبير فيها.
ولقياس مدى تاثير الاخوان(حماس) على المجتمع الفلسطيني، وجب التذكير بهدف الاخوان وهو( اسلمة المجتمع وسلوكياته من القاعدة الى القمة) و يضاف الى ذلك فلسطينياً ، ان تعيد القضية الى امتدادها العربي الاسلامي، ووقف مسلسل التنازلات بالحقوق الفلسطينية ،وبالتالي سنرى ان كانت حماس استطاعت ان تحقق اهدافها او جزءاً منها.
على مستوى المجتمع اعتقد ان الاخوان استطاعوا اسلمة السلوك عند الناس، فالانسان الآن يذهب الى المساجد فيجد اكثر روادها من الشباب في حين سابقاً كان يندر ان ترى شابا يرتاد المسجد.
كانت ظاهرة الافطارات الجماعيه وقيام الليل وصوم النوافل واطلاق اللحى وذبح الاضاحي والعقيقة من الامور الغريبة عند الناس ولكن الان تجدها من الامور الطبيعيه.
كان من الغريب ان ترى فتاة او امراة تلبس الحجاب ، وكانت من تلبسه يعاديها حتى اهلها ، ولكن الحجاب انتشر بشكل كبير حتى عند غير المتدينات واللاتي يلبسنه كنوع من الموضة.
انتشرت البنوك الاسلامية والتعاملات التجارية بالطريقة الاسلامية، واصبحت تجد البنوك وشركات التامين الاسلامية التي فتحت ابوابها للزبائن الذين يحرصون على الرزق الحلال.
الان لا تجد مطاعم تفتح ابوابها في رمضان -الا ما ندر- في حين سابقاً كانت تشرع ابوابها وتقدم الطعام للمارة.
على الصعيد الاعلامي نلحظ ان اذاعة القران الكريم هي الاذاعة الاولى في عدد المستمعين لها، وتجد البرامج الدينية لها جمهور واسع من المشاهدين، وكلنا يرى الاقبال الكبير للجمهور الفلسطيني وخاصة من الشباب على البرامج الدعوية على الفضائيات لعمرو خالد والعوضي وطارق سويدان وغيرهم من الدعاة الشباب.
اما على صعيد العمل الخيري والاجتماعي والتطوعي ، فاصبحت تجد ان جميع الفصائل وغير الفصائل تقلد حماس في انشطة رعاية الايتام وبناء المساجد والاعمال التطوعية وتوزيع المساعدات على الفقراء والكثير من النشاطات الاجتماعية الاخرى، مع انهم لم يستطيعوا حتى الآن ان يتفوقوا على حماس في هذا المجال بالرغم من الاستهداف الكبير لمؤسسات حماس واغداق الاموال على المؤسسات الاخرى.
اما في باب المقاومة، استطاعت حماس ان تصبح النموذج في المقاومة على مستوى كل الفصائل الفلسطينية ، وجعلت الجميع يقلدها ويتبع خطاها في كل الجوانب ، مما عرضها ايضا لاشد الضربات من اعدائها لتميزها وريادتها في هذا المضمار.
اصبحنا نجد ان الهتاف الدارج لكل الفصائل هو هتاف الاخوان ك(التكبير، ومن غايتكم ؟ ومن قدوتكم...الخ ، وخيبر خيبر يا يهود....، وهتاف كتائب كتائب...وغيرها).
واصبحنا نرى ان اغلب القوى اسمت اجنحتها العسكرية باسم كتائب كذا وكتائب كذا تشبها بكتائب القسام، واصبحت ترى كل المقاومين من كل التنظيمات يحملون رايات عليها (لا اله الا الله محمد رسول الله) وتجد انهم ملتحون ويصلون ، ويقرأون وصيتهم قبل العمليات وهم يحملون القران ويسجدون سجدة الشكر لله، وكان اشهر الوصايا واكثرها لفتاً للانظار وصية احد عناصر الجبهة الديمقراطية في بداية انتفاضة الاقصى، والتي حين تقرؤها تعتقد انك تقرأ وصية احد عناصر حماس او الجهاد.
اما في مجال العمل المقاوم في الميدان فالريادة بلا اي مجاملة كانت لحماس ولجناحها العسكري كتائب عز الدين القسام، فكما كانت حماس في الميادين الاجتماعيه والاقتصادية والسياسية تحقق الانجازات والنجاحات، كانت في الميدان العسكري ايضاً صاحبة الريادة.
فبادرت حماس منذ البداية لحصر مقاومتها في الارض المحتلة ولم تنقل الصراع الى ساحات اخرى في الخارج، كما لم تتدخل في الشؤون العربية والاسلامية الداخلية ولم تقف في محور ضد محور ووقفت على مسافة واحدة من الجميع ولم تعاد حتى من ناصبها العداء من الانظمة العربية او غير العربية ولم تنجر الى صراعات جانبية، مما اكسبها مصداقية وشعبية كبيرة في العالم الاسلامي .
كان لحماس فضل الريادة في ابتكار وسائل مقاومة جديدة لم تكن مالوفة ، فكانت اول من شن حرب السكاكين في الانتفاضة الاولى(عامر ابو سرحان، أشرف بعلوجي) ، وكان لها السبق بان كانت اكثر الحركات الفلسطينية تنفيذاً لعمليات خطف جنود من اجل الافراج عن الاسرى الفلسطينيين، كما انها برعت في حرب العصابات على المستوطنين والجنود ، وكان من ابرز مقاتليها في هذا الصدد الشهيد عماد عقل.
وكان للمهندس يحيى عياش ان ابتكر ما اصبح يعرف بالعمليات الاستشهادية والتي قلبت معادلة الصراع مع دولة الاحتلال وزادت عدد ضحايا الاحتلال لاول مرة في تاريخ الصراع.
اما في الانتفاضة الحالية فكان لحماس السبق في العديد من اساليب العمل المقاوم ، فادخلت القذائف الى معادلة الصراع ، فمن تهريبها الى تصنيعها ، فصنعت قذائف الار بي جي ، وقذائف الهاون والعبوات الناسفة والقنابل اليدوية، وكان ان سجل اول ابتكار للشهيد نضال فرحات لصاروخ(القسام) ليصبح ماركة مسجلة باسم حماس، وهو الذي اثار العديد من الجدل الداخلي والخارجي ، والذي اصبح احد اهم ادوات الصراع الحالي مع الاحتلال.
ومن الاشياء اللافته في هذه الانتفاضة ايضا استحداث حماس لما اصبح يعرف ب(المرابطين) وهو بالمناسبة مصطلح من التاريخ الاسلامي، وهم الذين يرابطون على الحدود(الثغور)، فقد كان الاحتلال فيما سبق يدخل ويخطف ويغتال كما يشاء ، ولكنه الآن يحسب الف حساب للمرابطين الذين اذاقوه الويلات عندما يدخل لامتار داخل حدود قطاع غزة.
وكان لحماس ان ابتكرت حرب الانفاق وتفجير المعسكرات بعمليات مزلزلة للاحتلال مما افقده صوابه.ولا يقل شاناً عن كل ما سبق العمليات الامنية المعقدة التي استطاعت من خلالها حماس ان تنال من الاحتلال في اكثر اماكنه تحصينا كعمليات الشهيدين ماهر ابو سرور وعبد المنعم ابو حميد.
لا يتسع المقام لذكر كل انجازات حماس العسكرية في ميدان المقاومة فهي بحاجة الى بحث موسع مختص. ولكن يعد لحماس انها ولاول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني انها اجبرت الاحتلال على ان ينسحب من قطاع غزة ويهدم مستوطناته بيديه ،( مع ان الاستيطان هو اساس قيام هذا الكيان)، مع أن هناك من يقول ان الكيان انسحب من القطاع ليلتهم الضفة ، الا انني اختلف معهم ، لانه ما الذي سيمنعم من التهام غزة والضفة معا لولا المقاومة؟.
ويسجل لحماس ايضا انها اجبرت الاحتلال على ان يقبل بتبادل التهدئة بينه وبين المقاومة الفلسطينية( مع ان هذه التهدئة هشه) وهو ما يعرف بتوازن الرعب.
سياسياً سعت حماس لاعادة معادلة الصراع الى حقيقتها الاولى ،وهي ان الحق الفلسطيني لا يسقط لا باتفاقيات ولا بمعاهدات ، وسعت لتثبيت الحق الفلسطيني ككل متكامل لا تنقصه المؤسسات الدولية والدول الاستعمارية الكبرى ولا حقائق الاحتلال على الارض.
من هذا المنطلق اختارت حماس الولوج في النظام السياسي الفلسطيني لتحقيق هذه الاهداف فاستطاعت ان تصل لنتائج مهمه في اتفاق القاهرة ووثيقة الوفاق الوطني، كما استطاعت ان تحقق نجاحاً باهراً في الانتخابات الفلسطينية ، وكان واضحاً ان حماس تسعى لتحقيق افضل نتيجة في الانتخابات من خلال الدفع باغلب قياداتها التاريخية للمعركة الانتخابية ، فقد كانت حماس تدرك انه وبعد اغتيال الرئيس ياسر عرفات ( والذي وقفت معه اثناء حصاره)رأت ان الذين يمسكون بقيادة السلطةهم من الذين يسعون الى تصفية القضية الفلسطينية باي ثمن، ولو على حساب الحقوق الثابته للشعب الفلسطيني، ولذلك اعتقدت حماس ان فوزها سيحرم هؤلاء من الوصول الى مأربهم بتصفية القضية، ففي هذا المجال اعتقد ان حماس حققت نجاحاً سياسياً مهماً لانها عرقلت كل المخططات لتصفية القضية ، وقلبت الطاولة على رؤوس كل الاطراف المحلية والاقليمية والدولية التي كانت تراهن على فوز طرف تصفية القضية في الانتخابات فوجدت الامور تعود الى مربعها الاول، وهذا ما يفسر الحصار الغير مسبوق للحكومتين اللتين شكلتهما حماس ومحاولة تطويعها بكل الوسائل الاقتصادية والسياسية والامنية ، وحتى بمحاولة الاستئصال المباشر الذي فشل في قطاع غزة ويسعون لتحقيقه في الضفة الغربية.
ان الوضوح الكبير في الرؤيا والاستراتيجيا عند حماس ، ونجاحها في الحفاظ على بنيتها التنظيمية قوية ، وعملية البناء والتطور المستمر لها على جميع الاصعدة ،وتماسكها امام ترهل التنظيمات الاخرى التي تعاني من عدم وضوح في الرؤيا وجمود سياسي لم يحقق اي انجازات للشعب الفلسطيني ، كل ذلك ساهم في تقوية نفوذ حماس وشعبيتها رغم قسوة الاستهداف.
ولكن حماس تعاني من مشاكل محاولة عرقلة مشروعها ، كالبرامج المضادة على الساحتين الداخلية والاقليمية ، اضافة الى العداء السافر من القوى الدولية الكبرى الساعية لتهميش حماس واستئصالها،ولكن بالرغم من كل ذلك اثبتت حماس انها عصية على الكسر والاستئصال وبقيت رقما صعبا في المعادلة الفلسطينية والاقليمية والدولية.
يأخذ بعض المراقبين على حماس انها تتعامل بنظام الابوية وتفتقد للشفافيه في الية اتخاذ القرارات ، كما ياخذ البعض عليها انها تجند الخطاب الديني لاهداف سياسية ، بينما هي تدافع عن نفسها بان الدين والسياسة في الاسلام لا ينفصلان لان الاسلام نزل وتطور مع قيام وتطور الدولة الاسلامية ،ومنهم من ياخذ عليها تهميشها للمعارضين لسياستها من ابنائها، ومنهم من ينتقد اداءها في بعض الامور السياسية الداخلية وخاصة بعد احداث غزة التي مكنت حماس من السيطرة على القطاع واحتكار السلطة فيه، كما يتهمها البعض بممارسات عنيفه غير مقبولة رافقت احداث الحسم العسكري في غزة .
بالرغم من كل ما تنتقد به حماس ، فانني ارى ان حماس - تبعاً لنهجها الدعوي والديني والسياسي- نجحت نجاحاً استراتيجياً كبيراً في اقناع الشارع بافكارها وحملته على تطبيق السلوكيات الاسلامية ، واصبحت حماس وما تدعوا له ثقافة مجتمع وفكر جماهير وممارسة افراد ،كما استطاعت ان تحدث اختراقات جماهيرية كبيرة في العالمين العربي والاسلامي واصبحت تحظى بشعبية وتعاطف الشعوب العربية. اما الاخفاقات فاعتقد انها لا تعدوا كونها اخفاقات تكتيكية لا تقارن مع النجاحات التي ذكرتها انفاً فكل من يعمل في الساحه لا بد ان يخطىء، وهنك فرق شاسع بين الخطأ والخطيئة .