حتى لا يجتاح الطوفان سورية ويغرق الجميع
فيصل الشيخ محمد
ليس مستغرباً من نظام كنظام سورية أن يلبس في كل مناسبة قناعاً جديداً يغير صورة وجهه القبيح، يعطيه رونقاً مقبولاً ويضخ في شرايينه دم الحياة.. فالحرباء تفعل ذلك لدفع الأذى عن نفسها، وتحويل أنظار أعدائها عنها، حباً في البقاء وتمسكاً بالحياة.. وهذا مرتبط بتلون جلدها..وهذا حال النظام السوري، فبقاؤه مرتبط بتلون توجهاته وتغير سياساته بحسب ما يجد في ذلك الوسيلة الضامنة لبقائه متربعاً على كرسي الحكم وممسكاً بصولجان السلطة.. فالتلون ليس جديداً على هذا النظام فهذا ديدبانه منذ ولادته غير الشرعية.
ففي عام 1976 توجه أحد أعضاء المؤتمر القطري لحزب البعث لحضور المؤتمر السادس القطري للحزب في دمشق، وعند التئام المؤتمر أعماله، كان صاحبنا قد أعد خطاباً نارياً ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية وعملاء إسرائيل، ليلقيه في حضرة الأمين العام لحزب البعث الفريق حافظ الأسد، نيابة عن مجموعة من أعضاء المؤتمر اختارته لإلقاء هذا الخطاب الذي أعدوه مجتمعين – وكما يروي لي هذا العضو الذي التقيته في الديار المقدسة في موسم حج عام 1978، وقتله الرفاق فيما بعد – أنه ومعظم أعضاء المؤتمر ذهلوا عند سماعهم خطاب الأمين العام حافظ الأسد الذي أشاد فيه بالولايات المتحدة وقال بالحرف الواحد: (أمريكا دولة ليست عدوة لنا، بل هي صديقة وعلينا الحوار معها وإقامة أفضل العلاقات معها).
وفي عام 1982 قطع حافظ الأسد كل علاقاته بمنظمة التحرير الفلسطينية وشق صفها ومزق كيانها وأرغمها على الرحيل من لبنان، وقد أخفقت إسرائيل في فعل ذلك خلال اجتياحين لها للبنان، ودخولها العاصمة بيروت، في مقابل وقف إسرائيل تقدمها نحو الحدود السورية اللبنانية والاكتفاء باحتلال البقاع.
أيضاً لم يتوانى حافظ الأسد عن تقديم حزب العمال الكردستاني على طبق من فضة إلى تركيا في أواخر التسعينات، بعد أن كان لهذا الحزب علاقة خاصة ومتميزة مع النظام السوري حيث فتح أمامه الحدود السورية التركية، وسمح له بإقامة معسكرات التدريب على الأراضي السورية، وجُعلت دمشق مقراً آمناً لرئيس الحزب (أوجلان).
واليوم ليس مستغرباً أن يتحلل النظام السوري من أي علاقة تربطه مع حليفته الإستراتيجية طهران، والتخلي عن حزب الله في لبنان، لقاء عقد صفقة مع إسرائيل وتوقيع اتفاقية سلام معها.
حزب الله – وقد خبر عقلية النظام السوري – بعد أن تأكد له علاقة المخابرات السورية في تصفية أبرز قادته العسكريين (عماد مغنية) راح منذ أن أعلن النظام السوري عن إجراء المفاوضات السرية بينه وبين الكيان الصهيوني بواسطة تركيا، ولمس جدية النظام واندفاعه نحو توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، أخذ يعيد حساباته ويراجع ملف علاقاته بالنظام السوري، على ضوء المستجدات على الساحة السياسية السورية، مستشرفاً المستقبل وما يمكن أن يُقدم عليه النظام السوري.
ومن هذا التخوف من المستقبل فإن حزب الله – كما تقول بعض المصادر الأمنية السابقة في لبنان – أنشأ خلال الأشهر العشرة الماضية، منذ عودة السوريين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات في تركيا، خلايا له في دمشق والمدن السورية الأخرى ذات الكثافة السنية الممتعضة من التمدد الإيراني الشيعي في مناطقها الساحلية الشمالية تحت ستار المشاريع السياحية والاقتصادية، تحسباً لوقوع تطورات داخلية في مقدمها توصل نظام بشار الأسد فعلاً خلال العام القادم 2009 إلى سلام مع إسرائيل مشروط بالتخلي التام والكامل عن حليفه الإستراتيجي إيران، وتبعاً لذلك التخلي عن حزب الله في لبنان، وتطويقه ومحاصرته تمهيداً لتسليمه إلى إسرائيل).
ونقلت هذه المصادر الأمنية السابقة عن أوساط أحد الأحزاب الشيعية المعارضة لإيران في لبنان قولها: (إن أكثر من أربعين خلية أنشأتها أجهزة أمن حزب الله على الساحة السورية، كان عماد مغينة أحد أصحاب فكرة إنشائها هناك، بينها عشرون على الأقل داخل دمشق نفسها، ينتشر عناصرها تحت أستار مختلفة كموظفين في بعض شركات القطاع الخاص أو كعمال في مطاعم ومقاه أو كأصحاب مؤسسات صغيرة مختلطة مع سوريين لمكاتب بيع السيارات المستعملة أو المفروشات أو محلات تجارية وسوبر ماركتات صغيرة وغيرها).
وقالت هذه المصادر الأمنية السابقة: (إن هدف حزب الله ومن ورائه إيران من إنشاء هذه الخلايا هو تفجير الأوضاع الهشة في سورية، في حال انحراف الأسد عن مسلكه الراهن باتجاه إسرائيل والولايات المتحدة، بعدما ظهرت بوادر مهمة وخطيرة لهذا الانحراف خلال الأشهر القليلة الماضية، بحيث تتحول الساحة السورية إلى ما يشبه الساحة اللبنانية، من فوضى واضطرابات مستمرة في محاولة دؤوبة لإضعاف الدولة تمهيداً للسيطرة على مقدراتها).
وأكدت الأوساط الشيعية اللبنانية المعارضة لحزب الله (أن تلك الخلايا اختارت المفاصل الضعيفة في الدولة السورية للانتشار فيها، بعدما جندت المئات من السوريين ذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل، وصرفت لهم رواتب شهرية مغرية، ضاربة على وتر حقدهم على دولة (آل الأسد) التي تحتكر مداخيل البلاد وخيراتها).
وقالت هذه الأوساط: (إن الأسد اليوم يشرب الكأس المر التي ملأها بنفسه لأشقائه وجيرانه وأبناء وطنه).
إن صدقت هذه المعلومات وهي خطيرة.. وخطيرة جداً، ليس على النظام السوري غير المأسوف عليه، بل على سورية وشعب سورية الذي سيتجرع وحده مرارة هذه الكأس، بعد تجرعه لأكثر من أربعين سنة كأس الحنظل على يد هذا النظام السادي.
وهنا لابد أن يتصدى لهذا الأمر الجلل نشامى الوطن ورجالاته، فإن تجنيب سورية الوقوع في هذا المستنقع الآثن الخطير تقع على السوريين قبل غيرهم (فلا يحك جلدك مثل ظفرك)، وقد شُغل الجميع بما هم فيه من مثل هذه المستنقعات الرعيبة المهلكة والمدمرة – وكأنها لم تعد حكراً لأحد في منطقتنا – في أخذ زمام المبادرة اليوم قبل الغد للحيلولة دون تكرار حالة العراق ولبنان والصومال وأفغانستان في سورية.. وحتى لا يجرف الطوفان إذا ما وقع - لا سمح الله - الجميع، فلا تغني عندها لات وليت ولعل ولو!!