السلام العربي.. والتجاهل الإسرائيلي
السلام العربي.. والتجاهل الإسرائيلي
د. ياسر سعد
[email protected]
يخطئ العرب إذا راهنوا كثيرا على السلام مع إسرائيل وجعلوه خيارهم الإستراتيجي
الوحيد واليتيم، ذلك لأن الطموح الإسرائيلي والذي يعززه العجز العربي لم يعد ليرضى
بأن يكون جزءا من المنطقة فحسب، بل يريد أن يكون له الريادة والقيادة فيها. أما
التصريحات الإسرائيلية "المشجعة" خصوصا تلك التي تتحدث عن "تنازلات مؤلمة" فهي من
قبيل الطعم السياسي، ليبقى اللاهثون خلف سراب السلام في اندفاعاتهم، ولتساهم في
تأجيج الصراعات الفلسطينية الداخلية.
وإذا كان الإسرائيليون، وكما تقول تصريحات لمفاوضي السلطة الفلسطينية، يراهنون على
عامل الوقت سواء في مرحلة ما بعد انابوليس أو ما قبله لتأسيس حقائق على الأرض تجعل
من قيام دولة فلسطينية أمر يقترب من المحال، فإن جميع المؤشرات تشير إلى عدم جدية
إسرائيل في مساعي السلام حتى في حدوده الدنيا. فقد ذكرت تقارير إخبارية أن القلق
العميق يساور إسرائيل حيال وثيقة داخلية للإتحاد الأوروبي تشرح خططه من أجل دفع
صفقة إسرائيلية فلسطينية في العام القادم.
والوثيقة التي صاغتها فرنسا ونشرتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقترح بالنسبة لما
يعتبر "القضايا الأساسية" في النزاع مثل الحدود والأمن والقدس واللاجئين ثلاثة من
الإجراءات الرئيسية: تتمثل في بناء الدولة الفلسطينية ويتضمن ذلك تسوية وضع القدس
كعاصمة مستقبلية لدولتين. وفيما يتعلق بالأمن، فإن الوثيقة تعبر عن الاستعداد
للقيام بدور في الترتيبات الأمنية بين الجانبين وذلك عن طريق إرسال رجال أمن وجنود
ومدنيين بشكل رئيسي للمساعدة في تدريب قوات الأمن الفلسطينية. أما بالنسبة للاجئين،
فتقول الوثيقة، إنه يتعين العثور على أي حل متفق عليه ومنصف ومعقول، وتعبر عن
الاستعداد في المساعدة في إقامة وتشغيل آلية دولية للتعويض على اللاجئين وإعادة
تأهيلهم. كما تشير الوثيقة إلى أن الإتحاد الأوروبي يتوقع أن تجمد إسرائيل جميع
الأنشطة الاستيطانية.
وعلى الرغم من أن الوثيقة الأوربية تلغي حق العودة وتعلن الاستعداد للعب دوري
رئيسي بالترتيبات الأمنية فإن هآرتس تقول إن إسرائيل القلقة منها تحاول تغيير بعض
عناصرها قبل بحثها خلال الاجتماع الذي سيعقده وزراء خارجية دول الإتحاد الأسبوع
القادم.
ما هو الممكن وما هو أفقه الزمني في القاموس السياسي العربي والفلسطيني فيما يتعلق
بمسيرة السلام مع الدولة العبرية؟؟ وهل يجوز للدول العربية والتي يستهلك الإنفاق
العسكري نصيبا كبيرا من ميزانياتها أن لا يكون بين خياراتها سوى السلام مهما بلغ
صلف إسرائيل وتجاوزاتها!! مع أن الاستعداد للحرب هو أكثر ما يجنب الحرب ويأتي
بالسلام.
الجامعة العربية والتي تمد يدها بلا كلل ولا ملل بالمبادرة السلمية أكتفت في
اجتماعات وزراء خارجيتها بالرد على حصار إسرائيل وإعدامها البطيء لغزة، بقرار إرسال
مواد الإغاثة إليها وبشكل فوري. ليبيا أرسلت لغزة سفينة تحمل إمدادات إنسانية
فردتها البحرية الإسرائيلية على أعقابها، وبالتالي ألغت إسرائيل عمليا القرار
العربي. لم تجرؤ الدولة العبرية أن تفعل ذلك مع السفن الغربية لأنها تخشى العواقب
الإعلامية والسياسية، أما في الحالة العربية فإن العجز الرسمي وصل لمرحلة تغري
بالمزيد من الاستخفاف والتهاون الإسرائيلي.