الطائرة الرئاسية لعون ولماذا لا تكون لنا

الطائرة الرئاسية لعون ولماذا لا تكون لنا

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

الطائرة الرئاسية السورية التي أقلّت جنرال الحرب ميشيل عون من لبنان الى سورية فُهمت على أكثر من معنى على الأقل لبنانياً وسورياً شعبياً ، وللحفاوة التي تلقاها عون بما فاق استقبال رئيس جمهورية لبنان السيد ميشيل سليمان ، وبما فُهم بسياسة العبور من فوق الأسطحة والمؤسسات اللبنانية والتعاريف والتقاليد المُتبعة بعلاقة الدول والشعوب ، وضرباً للوفاق الوطني  ومحاولة مكشوفة لاستخدام عون للتدخل والعبث بالشأن الداخلي اللبناني ، مُتسائلين في نفس الوقت فيما لو كان مثل هذا التصرف  صدر عن الطرف الآخر اللبناني لأفراد سوريين خارج نطاق الدولة ، كدعوة شبيهة من رئيس وزراء لبنان السيد السنيورة مُمثل الأغلبية الحاكمة لأحد السوريين المُعارضين البارزين لسياسة السلطة السورية ليعمل معه نفس الحفلة التي أُجريت لعون بهذه الكيدية في هذا البلد أو ذاك ، - والمُستغرب له بأن لا يُفعل ؟ .  لنُشير هنا في نفس الوقت إلى الموقعين على إعلان بيروت دمشق ، من المُفكرين والسياسيين السوريين واللبنانيين الذين طالبوا فيه بتصحيح مسار العلاقات اللبنانية ـــ السورية والحفاظ على علاقات متميزة بين البلدين ، فكان مصيرهم أن زُجوا في السجون ولُفقت لهم تهم الخيانة والعمالة للأجنبي وحُوكموا في أسوأ محاكم عرفها التاريخ البشري ، لنتسائل عن تلك الازدواجية في التعامل ، الذي وُصف بها عون كما قالت المستشارة الإعلامية الرئاسية بثينة شعبان بالزعيم الوطني اللبناني والمسيحي ، وكما وصفه أبواق النظام وأتباعه في لبنان الذين يتلذذون بطعم الديمقراطية في لبنان بأعظم من ذلك ، وهو بُعرف النظام لأمثاله من السوريين المُعارضين ليس إلاّ خائناً عميلاً أفّاقاً ويُضاف إليه صفات أُخرى كتلوثه بدماء شعبه اللبناني والمسيحي بشكل خاص ، وبدماء الجنود السوريين في لبنان ، وصهيونياً أمريكياً من الطراز الأول عندما ذهب يستعدي الكونغرس الأمريكي للهجوم على الشعب السوري ، بإثباتات مُسجلة بالصوت والصورة ، ولو أفتح ملفاته القديمة التي أحتفظ بها لكان هذا العون ألعن من شارون وكولدمائير، فما الذي تغير عن تلك الثوابت التي يدّعيها النظام ويدعي التمسك بها ليكون هذا الجنرال في نظره قدّيساً مسيحياً ميرونياً جديداً – عند المسيحيين الكاهن الذي شهد شهادة الحق لأجل عيسى عليه السلام وأُعدم لأجلها – وهو ليس بنظر النظام السوري ضميرياً أكثر من قاتل مأجور

 

على كل حال ما فعله الطرفان – النظام السوري وعون - يُعتبر أمرٌ خارج عن المألوف البرتوكولي والطبيعي ، وهو يدل على المساحة الكبيرة للحرية في لبنان وضيق أُفق النظام السوري السياسي الذي كما وصفه الجنرال عون في السابق في مقالاته " المآثر السورية في لبنان " بالإرهابي والمُتخلف والمُتغطرس والقاتل وقالب الحقائق والمُحتل ، واليوم انقلب هذا العدو بعرف عون إلى صديق حميم ، بفضل الاتفاقات التي أُبرمت من تحت الطاولة أثناء عودة عون إلى لبنان من منفاه لضرب وإخماد الحركة الاستقلالية مُقابل إبرازه في الصورة التي هو عليها الآن ، بعد خداعه لجماهير الاستقلال في الانتخابات السابقة ، لتبدأ هذه الرحلة الجديدة إلى سورية وتدخل ضمن الأمبلاج الديكوري لتعويم عون ، في تدخل سافر كما وصفه أقطاب 14 أذار من النظام السوري في الانتخابات اللبنانية القادمة لصالح طرف حلفاءه على حساب تيّار الاستقلال ، ولكنها – الزيارة - في نفس الوقت تُعطينا دروساً مُهمّة لما يجب أن تكون عليه علاقات الدول مع المنظمات والأحزاب والشخصيات المُعارضة في سورية على ضوء ماجرى بمبدأ المعاملة بالمثل ،في نفس الوقت الذي لا يشك أحد بمقدرة الشعب اللبناني بتلك الحركات المكشوفة التي سيقول رأيه فيها عند صناديق الاقتراع مطلع السنة القادمة في هذا الجنرال الذي دخل السياسة من خلال مُعاداته للنظام الدكتاتوري السوري وأساليبه القمعية لينتهي فيها بمُعاداته للبنان وأحراره وتجربتة الديمقراطية ونظامه الحر ، وكل من مدّ له يد المُساعدة ليكون هذا العون كما هو عليه من الانتهازية ، ولكن الشيء الغير مفهوم والمُستغرب له من خلال هذا المشهد السياسي الذي يُدعم فيه هؤلاء المُتنطعين والانتهازيين من أسيادهم وأولياء نعمتهم ، في نفس الوقت الذي نرى فيه تلكؤ الأنظمة والأحزاب السياسية وقوى التحرر في العالم العربي والدولي التي هي على الرصيف الآخر المُعادي للاستبداد بعدم مد  يد العون لأحرار ومُناضلي سورية الذين لا يجدون مثل هكذا دعم وتبنّيهم  للقضايا السورية في التحرر والإنعتاق من الظلم وإرهاب الدولة البوليسية ، بينما الطرف الأخر يسرح ويمرح بكل منابر النظام السوري ودعمه له المادي والمعنوي اللا محدود ، مما يدل على تهاون كبير وعدم اهتمام هذا الطرف  بمصالح شعبنا السوري وقضاياه العادلة ، ويدخل أيضاً ضمن إطار تهاون طرف الاعتدال العربي بمصالحه العادية والإستراتيجية في دعم القوى المُتفقه معه في الرؤى العادلة".

ومثال على ذلك من  إيران وحزب الله الذي يتلقى منها ومن النظام السوري الدعم اللا محدود وعلى المكشوف ، وحتى الدعم العسكري بكل صنوف الأسلحة التي اُستخدمت ضد الداخل اللبناني ، بدلاً من دعم الدولة اللبنانية وتقويتها في مواجهة أي عدوان ، بينما نجد المُعارضة السورية التي عليها يُعوّل في التغير ببنية النظام أو تغيير النظام تعيش في أسوأ ظروفها الحياتية من التشتت والظروف المعيشية الصعبة في المنافي التي لا تلقى الاهتمام من احد أو تلك التي مكمم على أفواهها في الداخل أو التي هي وراء القُضبان تُحاكم بأقسى العقوبات حتى على موقف وطني اُتخذ لتصحيح مسارات العلاقات بين سورية والجيران ، هذا عدا عن تقديمهم لعشرات الآلاف من الضحايا في سبيل التخلص من الحالة الاستبدادية للوصول إلى الوسطية ، ولذلك أرى أنّ على المُعارضة السورية أن تخطو إلى المرحلة الثانية من العمل الوطني بتدعيم علاقاتها الإستراتيجية أكثر مع البلدان والزعماء والقوة الحُرّة ، وبروزها في الساحات العامّة والمواقع الهامّة ، وطلب المزيد من الدعم المعنوي والسياسي علانية لقضايا الشعب السوري العادلة في نفس الوقت الذي أدعو فيه المعارضة بأن لا تُغفل عملية الحوار مع النظام لحل القضايا والملفات الإنسانية الضخمة في سورية ، مُستعينين بذلك بكل الطرق والوسائل المشروعة لتحقيق ذلك ولتخليص المُناضلين السوريين من ربقة الاحتجاز والاضطهاد على أقل تقدير

وأخيراً : وتخفيفاً لكل هذا الصراع المُفتعل في المنطقة بسبب الاستبداد والتفرد والطغيان ، أتمنى أن توضع كُل الملفات العربية على طاولة البحث كسلة واحدة للحل الفوري بما يُرضي جميع الأطراف والفئات ومصالح الشعوب ، لنأخذ هُدنة واستراحة من عناء الخلافات والصراعات ، ولنُريح إخواننا وأحبتنا الذين هم في السجون ، ونسترجع أنفاسنا ونجلس على طاولة الحوار الوطنية ، بدعوة جريئة لكافة أطياف المُعارضة كما هي دعوة عون لسورية ، وذلك لفك الاشتباك الذي يُمهد الى عمل تسوية كاملة في المنطقة التي ستُفتح فيها ملفات المُحاكمة والمحكمة الدولية مُتزامنة مع الإنتخابات اللبنانية لإفشال مُحاولة النظام السوري في تلميع عون عندما يُطلب إلى المحكمة بحسب التقارير رأس النظام السوري أو كبار أركان حكمه على أقل تقدير، ولا شك في تلك الحالة سيفقد فيها أتباع النظام السوري في لبنان الكثير من الدعم والتأييد وأساليب الضغط والترهيب والترغيب على النّاس في الانتخابات القادمة ، وحتّى لا يُقال حينها بأننا نصطاد في الماء العكر ، فلا مانع لدينا من توجيه الدعوة إلينا كمعارضة للحوار لوضع النقاط على الحروف وعلى متن نفس الطائرة الرئاسية التي نحن أحق من العون في التكريم والحوار ، لنعتبرها كرسالة سلام لتضع الحرب الإعلامية أوزارها ، ونلتفت الى بناء الوطن وإصلاح ما أفسده الزمن ولإعادة العلاقات الطبيعية مع الدول العربية.