براعة السّجّان
براعة السّجّان في:
( افتح – أغلق )
جمال سعد حسن ماضي
في سجون مصر ترى العجب العجاب , وكل فنون الجنون تراها , شاخصة أمام ناظريك , وكأنها لوحة من إبداع رسام كاريكاتير أمهر من بيكاسو , ومن أهم لا قواعد هذه الفنون والمعمول بها إلى الآن , ( افتح – اغلق ) , ومعناها : ( افتح الزنزانة – اغلق الزنزانة ) , ( امنع الزيارة – افتح للزيارة ) , ( امنع الفسحة – افتح للفسحة ) , ( امنع التعيين " الطعام " – افتح للتعيين ) , ( امنع الكانتين " شراء طعام " – افتح الكانتين ) , حتى صارت ( افتح – اغلق ) من أهم الأعمال الخطيرة التي تقوم بها إدارات السجون , ولكن تبين لي بعد حين , أن إدارات السجون تنفذ تعليمات عليا , وما كنت أتصور أن سياسة ( افتح – اغلق ) , هى منهج دولة , ونظام حكومة , وقرارات عليا , وراح ضحية هذا التصور الخاطئ , هؤلاء المغلوبون على أمرهم ,والمأسفون على عمرهم , الذين ينفذون تعليمات : ( افتح – اغلق ) !.
لقد تصور نظامنا أن غزة سجناً , فحكموا بالسجن على شعبها الفلسطيني المحتل والمحاصر , من عدونا وعدوهم , وعدوالعرب وعدو المسلمين وعدو مصر , لأن مفتاح البوابة في يد السجان , فراح يمارس هوايته التي نشهد له فيها بكامل البراعة , وبتمام الإبداع , وما هي في حقيقة الأمر التي يجهلها , إلا تعبير عن الفشل والانهزام , وغطاء على جريمة الحكم بحصار النساء والأطفال والجوعى بدون مبرر , وفداحة سجن المسنين والمسنات والمرضي بدون إتهام ! .
وكما كنت أفسر بعدما أعياني البحث والدراسة , عن الأسباب الحقيقية وراء سياسة ( افتح – اغلق ) , والتي انتهيت فيها إلى أن إدارة صاحب التعليمات الهُمام , عندما فشلت في : كسر إرادة قلوب المسجونين , ومسح ابتسامة الوجوه , وإخفاء بهجة الأرواح , وإذلال عزة النفوس , وإهانة إباء العزائم , ذهبت إلى ما تملكه من فنون ( افتح – اغلق ) , ترضي بها جنون العظمة باسم دواعى أمنية , ووسوسة الخيال باسم الأمن القومي , وهلوسة الدماغ باسم الوفاء بالاتفاقيات , وخبل الإعلام باسم الخوف من التطرف , ولذا فقد أشفقت على الطابور الخامس , المتربص بمصر , وبشعب مصر , وبشباب مصر , وبمستقبل مصر , من أجل لقيمات مما يُرمى إليهم من قمامة أسيادهم ! , وهو لا يدري بما أعده الله له من افتضاح في الدنيا , وخسران في الآخرة , لأنه لا يدري أنه لا يدري , فذرهم في خيبة أملهم يمرحون , وفي بلاهة عملهم يلهون , فالمهم من يضحك أخيراً ! .
فيا مساجين غزة , ويا أسري غزة , من أعماق القلوب تحية , فإن استمرار الحصار المجنون , لدليل على أنكم لم ولن تركعوا , ولبرهان على أنكم لم ولن تُكسروا , ولوثيقة على أنكم لم ولن تخضعوا , فإن لم يفهمها أشباح دايتون برام الله , المختبئين باسم السلطة , والشرعية منهم براء , وإن لم يعيها النظام العربي الطاعن في الشيخوخة , المتواري في قبر الزعامة , وقد بات على الشعوب وباء , فإنهم سينتطرون المفاجأة , التي تعصف بهم , وبمصالحهم , وبكراسيهم , حينما تنتصر سنة الله في كونه , ولن تجد لسنة الله تبديلاً , فالله لا يتخلي عن عباده الأوفياء , يقول تعالى :
( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)) .
فالغلبة لكم يا أهلنا في غزة , فقد أديتم ما عليكم من شروط لجلب نصر الله القريب , يقول تعالى :
((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)) (النور: 55) .
إن هذه الحقائق من رب العالمين ، وإخبار العليم الخبير ، وليست استنتاجات خبراء ، أو تحليلات سياسيين ، أو أفكار صحفيين ، فالمعركة الحقيقية بين سنن الله الثابتة , وبين تخبطات من لا يؤمن بها , فهي غالبة , وليعلمن نبأه بعد حين , ولذلك للحجاج المسجونين , الذين ينتظرون تعليمات ( افتح – اغلق ) , عبرة من سنن الله , فلا تستعينوا إلا بمن أنتم قد توجهتم إليه , فهو تعالى الفتاح وإن امتلكوا هم المفتاح , فما فائدة مفتاحهم إذا قدر الله ذلك , وإنكم ماضون إلى الله , وهو وحده الذي يستقبلكم , إما بأداء الفريضة منسكاً وأجراً , وإما بأداء الفريضة أجراً , إن حبسكم العدو , وحاصركم الجار , وسجنكم القريب , فلمن عذر , وفي كلٍ خير , والتاشيرة الحقيقية ليست من السعودية , وإنما هي من رب السعودية , ورب الكعبة , ورب العالمين , وإن أي تعنت في منحها هو تحدي أمام القدرة الغالبة , التي تنتصر للحق , وتهلك المبطلين .
ويا هواة ( افتح – اغلق ) , اتركوا هذا اللهو الممقوت , إن كان العدو يفعل ذلك فهو من باب الفتك بالمسلمين , وترويع الآمنين , وتجويع الجوعي , فما بالكم أنتم ؟ وما نهاية جريمتكم ؟ فالإذاعة الإسرائيلية وعلى لسان نائب وزير حربها , تهدد بالاجتياح العسكري , فهل أنتم تقومون بدوركم المرسوم في ذبح الابرياء من شعب غزة ؟ عار عليكم ثم عار , افتحوا معبر رفح قبل أن تنفذ الشموع !