عندما يبكي الرجال... ولكن
عندما يبكي الرجال... ولكن!
صلاح حميدة
يبث عدد قليل من الفضائيات العربية هذه الايام مشاهد مؤلمة عن الدرجة التي وصل اليها حال الفلسطينيين في قطاع غزة ، فلا غذاء ولا دواء ولا كهرباء ولا ماء نظيف ولا حج ولا خروج ولا دخول ...الخ. تابعت ما يبث حول المعاناة على فضائية الاقصى ولكن لكون فضائية الاقصى تعتبر( متحيزة) حسب رأي بعض المحللين وهي معنية بابراز المعاناة الانسانية أكثر من غيرها لكونها تعيش المحنة بكافة فصولها،آثرت متابعة قنوات أخرى تبث مباشرةً مأساة ومعاناة الفلسطينيين العاديين بلا مقص رقيب ولا تعديل مخرج ولا أسئلة موجهه، وكان من ابرز ما شاهدت الطفل الذي يتنفس اصطناعياً بشكل يدوي من اهله لانقطاع الكهرباء، ومدى الالم الذي يتألمه ، اضافة الى اثنين من مرضى السرطان من الكبار البالغين الذين كانا يبكيان من شدة الالم ، وحرصت ملياً على مشاهدة اللقاء بكل تفاصيله ، وخاصةً عندما طالبهم المذيعون أن يطلبوا ما يريدون من العالم ،لفت نظري أنهم طلبوا بكل شيء من الداخل ومن الخارج، ولكن لم يطلب أي من المحاصرين من قيادة حماس الرضوخ لمطالب الرباعية ، التي في مظهرها و جوهرها الاعتراف بحق اسرائيل في ارضنا وحقها في منعنا من العودة اليها.
لماذا يمتنع هؤلاء عن طلب الرضوخ والاستسلام والموت والجوع والمرض يحيط بهم من كل جانب؟!
عندما نتحدث عن الرجال الذين بكوا ، وسر صلابتهم، لا بد أن نتذكر أن هناك من بكى قبلهم ولم يرضخ ولم يتنازل، ولا بد من تذكر ان هناك من يتخطفه الموت في كل لحظة وفي كل جانب، فمحمود الزهار بكى مرتين وهو يفقد ابناءه وزوج ابنته و مهدد بالاغتيال ولم يرضخ، وخليل الحية فقد عددا كبيرا من افراد عائلته وبكى بكاءاً شديدا وهو معرض للاغتيال ولم يرضخ، وغيرهم الكثير من القادة الذين بكوا أو قتلوا هم كالشيخ ياسين والرنتيسي وغيرهم ولم ترضخ حركتهم ، وخالد مشعل رأى الموت بأم عينيه ولا زال تحت التهديد بالاغتيال ولم يرضخ ولم يعترف ب(اسرائيل).
الشعب الفلسطيني يبكي من الالم، نعم يبكي من ألم المرض والجوع وفراق الاحبة ، يبكي من الم طعن الاخوة والاشقاء في الظهر ، يبكي من قلة النصير، نعم ولكن الشعب الفلسطيني يموت واقفا ولا يتنازل عن حقوقه الثابتة بالارض والعودة .
هذه الصورة تنقلنا مباشرة الى يوم اعلان نتيجة الانتخابات التشريعية الفلسطينية ، وفي ذلك اليوم أجرت قناة الجزيرة لقاءاً مع الدكتورة حنان عشراوي العضو الثاني في كتلة سلام فياض الرئيس الحالي للحكومة الفلسطينية المعينة من الرئيس الفلسطيني ، وقالت حينها :-
( الشعب الفلسطيني أثبت أنه لم ينضج)؟!
حينها أيضا قال احد قيادات فتح وهو ابو علي شاهين في لقاء تلفزيوني :-
( حماس سترتد بسرعة على مبادئها ولن تأخذ الوقت الذي أخذته فتح حتى نضجت أمام الضغوط الغربية).
من المعروف أن النضوج في المصطلح العلمي يرتبط بالتقدم في العمر ، ويرتبط بدرجة الحرارة ، ويرتبط بالضغط ،ويرتبط بالطرق والضرب الشديدين ، ويرتبط باحكام الاغلاق على ما يراد انضاجه في غرفة أو سواها( كقطاع أو مدينة) ، أو اغراق في التغذية أو منع لها.
عمليا تم استخدام كل الاساليب السابقة لانضاج حماس (حسب المنظور الغربي والاسرائيلي ومن تبعهم) ، و تبين أن عمليات الانضاج المكثفة لم تنفع مع الشعب الفلسطيني ومع قيادته الجديدة المنتخبة، وبما أن كل وسائل (الانضاج )لم (تثمر) ، فقد وصل خبراء النضج والانضاج الى حل على طريقة المثل القائل :-
( الشجرة اللي ما بتثمر، قطعها حلال)؟!
في قانون الغرب المتوحش ، في قانون الاحتلال والظلم والنفاق والعمالة ، حلال قطع رأس من لا يريد أن ينضج ، وبهذا نفسر ما يجري حاليا من عمل حثيث وسريع لقطع رأس من لا يريد أن ينضج مرضا حتى الموت، وجوعا حتى الموت ، وقطعا بالسيف ايضا.
لماذا تسعى القوى السالفة الذكر الى انضاج الشعب الفلسطيني وقيادته الجديدة بسرعة وعلى نار حامية؟
ولماذا تستعجل هذه الاطراف قطع رأس من لا ينضج شعبا وقيادة وأمام الكاميرات ؟
لماذا لا يسعون الى انضاج حماس كما انضجوا منظمة التحرير على نار هادئة؟
السبب الرئيس يعود - حسب تقدير بعض المحللين - الى أن اتفاقاً تم بين ابو مازن وأولمرت ، وأن هذا الاتفاق لا يستطيع أبو مازن تسويقه للشعب الفلسطيني ، لأنه اتفاق مجحف بحقوق الشعب ولا يمكن الا أن يفرض على الشعب بالقوة، وبما أن حماس تتمترس مع الغزيين ولا تريد واياهم (النضوج )، وتقود في الخارج تجمعاً دولياً لحق العودة ، فان حماس تمثل خطراً داهما على الاتفاق، اضافةً الى أزمة نتنياهو القادم والذي لن يقبل الاتفاق على اجحافه بحق الفلسطينيين ولن ينفذه ، ولذلك فالضغط الشديد على حماس بعد محاولة حشرها في مشروع حوار القاهرة ما هو الا ضيق صدر الانظمة العربية والطرف الفلسطيني المفاوض ، من أن الفرصة التاريخية تكاد تطير من أيديهم لتنفيذ ما أتفقوا عليه في مفاوضاتهم السرية ، ولذلك وجب بمنظورهم قطع شجرة غزة التي ترفض النضوج ، وقطع شجرة حماس التي تأبى النضوج ، وما تهديد مدير المخابرات المصرية لخالد مشعل باغتياله ، وتهديد موفاز باغتيال قادة حماس ، الا تعبير عن فقدان الصبر ونفاذ الوقت ، ورغبة في التنفيذ بأسرع وقت.
اذا الامور تسير باتجاه التأزم أكثر في القطاع ، وسيزداد الضغط على الغزيين وعلى حماس بكل الوسائل ، وأظن أن محاولات جادة لاغتيال قادة حماس في القطاع وفي الخارج (في سوريا ولبنان) يتم الاعداد لها بعناية على يد مخابرات عدد من الدول عربية وغير عربية ، وقد يكون هناك اعداد لاجتياح القطاع ، وما الاجتماع السري الذي تم بين الملك عبدالله الثاني وأولمرت وباراك وحرص الملك على تسريب الخبر للاعلام ، واعلانه رفض الاجتياح ، الا لعلمه أن شيئاً يحضر .
أما فلسطينيا فهناك من عنده الاستعداد للعودة على ظهر الدبابة الاسرائيلية، وقد قالها أمامي أحد الفارين من القطاع :-
(اذا قررت اسرائيل اجتياح القطاع ، فسأكون أول المتطوعين في الجيش الاسرائيلي) .
واذا كانت حماس تعتقد أن اسرائيل لا ترغب باجتياح غزة للثمن المدفوع منها ومن الفلسطينيين فهم مخطئون فالصهاينة أخذوا مباركة عربية لقتل غزة بأكملها وليس حماس فقط ، وما الاغلاق الحالي للمعابر الا جس نبض من أجل الخطوة التالية ، وهناك من يرى أن عليهم أن يستعدوا في قابل الايام لما هو أسوأ ، والاستعداد لقتال ما لا قتال بعده.