الاستفتاء والشورى

محسن المطراوي

[email protected]

الشورى استطلاع اراء الآخرين في امر ما  بهدف الوصول الى الصواب فيه وتعني عدم الانفراد بالتصرف قبل معرفة الصواب باستدراج رأي الغير وإجالة النظر فيه ويوحي بعدم الاستبداد الفردي وعدم الارتجال في كل عمل يهدف اليه الفرد والجماعة . والشورى من مبادئ الحكم عند العرب قبل الإسلام حيث كان لكل قبيلة مجلس شورى ( مجلس القبيلة ) يتكون من اهل النفوذ والثراء والرأي السديد ورؤساء العوائل في القبيلة ( شيوخ العشائر – ورئيس الفخذ والوجهاء – مسميات العصر الحالي ) فهم يختارون شيخ القبيلة وهو بدوره لا يتخذ قرارا إلا بعد مشورتهم .

وفي مكة كان مجلس (الملأ) ومقره دار الندوة , هو مجلس شورى للمجتمع المكي له قرارات تتمتع بالقوة الأدبية تحمل الناس على القبول والرضى, ورئيس الملأ شخصية بارزة قولها نافذ ومحترم .

وفي جملة ما شرعه الإسلام الأصول الثابتة والمبادئ الاساسية لنظام الحكم ثم عهد الى ذوي الرأي والأمر في كل جيل ان يجتهدوا في وضع التفصيلات الجزئية والتطبيقات العملية التي تتفق مع متطلبات كل جيل وكل زمان ملتزمين في ذلك بتوجيهات الأصول والمبادئ العامة , وعند إسناد الشورى الى القران وجدنا الباري عز وجل يخاطب رسوله الكريم ( فبما رحمة من الله لنت لهم , ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك , فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فأذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) ( آل عمران )  وعلى هذا فهي توجيه رباني باتخاذ الشورى وفي موضع آخر وصف الباري سبحانه المؤمنين بقوله

( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) ( الشورى )

 وفي أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم وردت الشورى رديفاً للرشد والهداية وفي تركها الغي والندامة.

 فالشورى مطلوبة في الأمور الخاصة والعامة حيث قال ( المستشار مؤتمن فإذا استشير فليشر بما هو صانع لنفسه ) وقال  ( من أستشار لم يعدم رشداً ومن تركها لم يعدم غياً ) وقال أيضا ما خاب من استخار ولا ندم من استشار ولا غال من اقتصد )

 بعد هذا  التأصيل التاريخي الشرعي لمبدأ الشورى نجد إن العلوم الحديثة لم تبتدع شيئاً في هذا المجال , وان كتاب الفلسفة والسياسة والإعلام ومن ينادي باحترام رأي الشعب لم يأتي بجديد في دعواه الى الاستفتاء الشعبي بل هي دعوى قائمة على حكم شرعي بل هي  واجبة  على الحكام وولاة الأمر بعيدا عن الانفراد والاستبداد فلم يكن الخير في أمر لم يبرم بمشورة او كما قال الإمام علي (رضي الله عنه) ,.(لا صواب مع ترك الشورى ).

 وحين يدعو رجال السياسة اليوم الشعب الى الاستفتاء حول قضية ما فان الشعب كله برجاله ونساءه يجب ان يشترك في إبداء الرأي وفي سن ما تحتاجه الأمة من تشريع وضعي ( وأمرهم شورى بينهم ) بينهم , هنا تعني الشعب او من ينوب عنه وهنا أيضا يجب ان تختار الأمة نوابها وهو ما يسمى اليوم بالانتخابات لانه لا يمكن ان يجتمع الشعب في صعيد واحد ويؤخذ رأيهم ,ونرى إننا مأمورين شرعا بالشورى والاستفتاء والانتخاب وهذه واجبات على الحكام وحقوق للشعب ,والشعب يكبْر ويُجل ويعتز بكل الحكام وولاة الأمور حيث يدعون الشعب ويستفتونه .

 وانا أعجب بولاة أمور المسلمين ونوابهم ان يكلفهم الله بأمر ويحيدوا عنه , وأنا ما زلت ارى إن في الاستفتاء وحمل الشعب على إبداء رأيه في الأمور المصيرية فيها تخفيف عن السياسيين والنواب من المسؤولية والحرج

 ويقيناً إن الشعب يقف إجلالا واكباراً لمن دعاه في أمر الاتفاقية الأمنية ونحن مع الشعب ندعو رجال السياسة ونواب البرلمان الى تركها لرأي الشعب ونقول إن الاستفتاء حقنا فعاد لنا الحق ونحن فيه ماضون.