الغياب العربي والثمن الباهظ

د. ياسر سعد

[email protected]

يسدد العرب باهظا ثمن عجز نظامهم الرسمي وإعراضه التام عن التفاعل مع ملفات ساخنة وحرائق مشتعلة في عدد من أرجائه والتعامل معها والتصرف إزائها وكأنها تجري على كوكب أخر.

فما يحدث في خليج عدن وقرب الشواطئ الصومالية من عمليات قرصنة واسعة تهدد الملاحة في منطقة إستراتيجية وتؤثر بشكل مباشر على مصالح وأمن أكثر من دولة عربية مطلة على البحر الأحمر أو قريبة منه، هو نتيجة مباشرة لإهمال عربي للملف الصومالي سياسيا وأمنيا وإنسانيا. فعلى الرغم من الكوارث الإنسانية والحروب المشتعلة والتي حلت في الصومال منذ نحو عقدين، فإننا لم نسمع بمبادرة عربية جادة باتجاهه أو رأينا محاولة للعب دور في ملفه الساخن والمفتوح على احتمالات عديدة.

الأحوال البائسة والظروف الصعبة في الصومال والتي ساهمت في صنعها عوامل عديدة، من أبرزها التدخل الأمريكي المباشر بداية وعن طريق القوات الأثيوبية لاحقا، دفعت بمجاميع كبيرة من الشباب الصومالي لحمل السلاح، واعتنق بعضهم أفكارا متشددة كرد فعل على الظلم والإجحاف الذي عوملوا به والممارسات الوحشية للقوات الأثيوبية والتي تعامل معها المجتمع الدولي بلا مبالاة إن لم نقل بقبول صامت. كما إن استهداف البحرية الهندية وتدميرها لسفينة قراصنة أمس يطرح سؤالا عن سبب غياب القوات البحرية العربية وخصوصا وأن ميزانيات وزارات الدفاع العربية تستهلك نسبا كبيرة من الموازنة العامة.

أما العراق فقد صار بعد الاحتلال ميدانا للتنافس على النفوذ والهيمنة بين واشنطن وطهران. فيما أكتفي النظام العربي بدور الشاهد الضرير، وبتنفيذ الرغبات الأمريكية مثل العودة الدبلوماسية لبغداد المحتلة تحت ذرائع غير مقنعة. الجمود العربي في المأساة العراقية أمتد إلى البعد الإنساني فلم نرى تحركا عربيا لإغاثة لاجئي المهجر العراقيين والذين يتعرضون لظروف بائسة دفعت ببعضهم للعمل المهين من أجل سد رمق أطفالهم.

القضية الفلسطينية والتي تحتل في الوجدان العربي والإسلامي الشعبي حيزا كبيرا، خبا الاهتمام العربي الرسمي فيها والذي أصبح يستقبل صرخات الاستغاثة والتي تناشده التحرك لإنقاذ المسجد الأقصى المهدد أو الرد على تدنيس جنود الاحتلال للقرآن، بالتأكيد على التمسك بمبادرة السلام العربية والتشجيع على ثقافة السلام والحوار. وفيما يتعرض قطاع غزة لحصار إجرامي سبب معاناة رهيبة لسكانه حركت ضمائر غربية أبحرت لغزة متحدية الصلف الصهيوني، نجد التفاعل العربي إما إهمالا يفتح الباب أمام التغلغل الإيراني أو تشديدا للحصار وبحثا عن الأنفاق وتدميرها.

العجز العربي الصارخ وضحالة التفكير الإستراتيجي في القضايا الهامة والمصيرية والتأرجح في المواقف والتصريحات، هو انعكاس مؤلم للتضييق على الحريات العامة وانتشار الاستبداد والتسلط السياسي وتفشي ثقافة التملق. وهي أبواب ومسالك تؤدي بالبائسين واليائسين، وما أكثرهم هذه الأيام, لانتهاج دروب التطرف واعتناق ثقافة التدمير والتفجير ردا على تهميش داخلي وانكسار خارجي.