الوزير

الوزير .. والخيانة !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

قبل فترة سألتني شبكة " محيط " الإليكترونية عن رأيي في ترشيح وزير الثقافة الحالي لمنظمة " اليونسكو " ، وتمثيله لمصر في إدارة هذا المنصب الدولي الرفيع . وكان رأيي يتمثل في عدم توفيق الدولة في اختيار هذا الوزير ، لأنه لا يصلح له ، فقد أخفق طوال عشرين عاماً أو يزيد في قيادة وزارة الثقافة .. وجرت في عهده مفاسد كثيرة ، ثم إنه لا يملك الخلفية السياسية الدولية التي تؤهله لملء هذا المنصب والتأثير فيه بما يخدم مصر . وقلت : إنني كنت أفضل ترشيح الوزير الأسبق " ثروت عكاشة " لإدارة اليونسكو مع أنني لا أستريح لبعض تصوراته الفكرية ، إلا أنه يملك حصيلة جيدة من العلاقات الدولية ، وخاصة منذ عملية نقل معبدي أبى سنبل وإنقاذ آثار فيلة في النوبة عند إقامة السد العالي ، ثم إنه حصيف في تصريحاته وسلوكياته ، ولا يعرض البلاد والعباد لمتاعب أو مصاعب أو مآزق ..

كان هذا مجمل رأيي ، وربما رأى آخرين ، ولكن معالي الوزير فاجأ الناس باتهام من يعارضون ترشيحه لليونسكو بأنهم " خونة " !

ياله من اتهام رخيص وبغيض وغير مسئول !

هل معارضة ترشيح مسئول غير مؤهل لمنصب دولي خيانة ؟ ثم ما مفهوم الخيانة أولاً ؟ هل يعرف الوزير معناها ؟

في معاجم اللغة العربية : خان الشيء خونا وخيانة ومخانة : نقصه . يقال : خان الحق ، وخان العهد . وخان الأمانة : لم يؤدها ، وخان فلاناً : غدر به ، وخان النصيحة : لم يخلص فيها . ويقال خانه سيفه : تباعد الضريبة . وخانته رجلاه : لم يقدر على المشي ، وخانه ظهره : ضعف . ومنه : إن في ظهره لخونا .

وخان الرشاء الدلو : انقطع . وخانه الدهر : غيّر حاله من اللين إلى الشدة . وخانته عينه : نظر نظرة مريبة أو مختلسة ، فهو خائن ، وخائنة ( بناء المبالغة ، والجمع خانة ، وخوّان ، وخونة . وهو خوّان ، وهو وهى خئون ..

فأي معنى من معاني الخيانة يقصد السيد الوزير اتهام معارضي ترشيحه ؟

إن معنى مهمّا من هذه المعاني وهو عدم إخلاص النصيحة ينطبق على من لا يواجه الوزير بالحقيقة وينصحه لوجه الله أن لا يسيء لبلاده بوظيفته العالمية إساءة  أكبر ، بعد أن أشبعها إساءات على مدى عشرين عاماً أو يزيد !

لقد هبط معالي الوزير على وزارة الثقافة ذات يوم بالبراشوت، وهو لا يملك مؤهلات الوزير الذي يتولى وزارة تحمى عقل الأمة وتراثها وتضيء حاضرها ومستقبلها ، وهو يذكر جيداً المواجهة الصارخة التي قوبل بها يوم اختياره وزيراً ، وهو يعلم أن اختياره جاء لأسباب غير ثقافية . صحيح أنه يملك قدرات جيدة في مجال العلاقات العامة ، يمكنه بوساطتها أن يقترب من الهدف الذي يريده ، ولكنها لا تصلح في مجال التنمية الثقافية الحقيقية . لقد استطاع الوزير بمواهبه في العلاقات العامة أن يستقطب مجموعات من اليسار المتأمرك والبحثين عن الرزق والشهرة لتقف إلى جانبه وتسانده ، وتتولى قيادة المؤسسات الثقافية ، وتمارس عملية الإقصاء والاستئصال لكل من يمت إلى الثقافة العربية والإسلامية بصلة ، وتحوّلت وزارة الثقافة في عهده الميمون إلى ساحة لإراقة دم الإسلام ، وإعلاء شأن التغريب بمعطياته الفاسدة الهابطة !!

إن وزارة الثقافة تحت قيادة  الوزير الحالي شهدت العديد من المآسي المروعة ، بدءًا من إحراق أكثر من خمسين مسرحياً أحياء في بني سويف ، وسرقة الآثار ونهبها ، حتى محاكمة مساعدي الوزير وإدانتهم بالسجن سنوات طويلة بسبب الرشوة والفساد ، ناهيك عن المؤتمرات والمهارج والندوات الصادمة للأمة وحضارتها وثقافتها وقبل ذلك دينها وعقيدتها وشريعتها .

لقد احتفل الوزير لأول مرة في العالم باحتلال بلاده من قبل الفرنسيين الغزاة بقيادة السفاح الصليبي " نابليون بونابرت " عام 1798م وهو يعلم أن الاحتلال ذبح الآلاف من المصريين والعرب في مقدمتهم السيد محمد كريم الذي شنقوه على مقربة من بيت الوزير في الإسكندرية ، ثم إنه نهب أموالهم ، وهدم بيوتهم وعاث في الأرض فساداً ، مما سجّله الجبرتي ويحرق القلوب لقسوته وبشاعته ، وللأسف يخرج الوزير المحترم ، ليقول إنه احتفال بالعلاقات الثقافية بين فرنسا ومصر ؟ صحيح يا سيادة الوزير ؟

ولم يكتف معالي الوزير أن يفعل ذلك قبل عشر سنوات تحت سفح الهرم فيكرر الأمر بمناسبة ترشيحه لليونسكو ويذهب مع حشد من أتباعه إلى باريس ، لحضور مؤتمر أو معرض أو فعاليات ثقافية بمناسبة الحملة المشئومة ، تحت عنوان " نار ونور " وكأنه يصر على أن يجعل ذبح شعبه مرتين على يد نابليون 1789 وجي موليه 1956 ، نارا تحرق التخلف ونورا يضيء للشعب المسكين .. وإني اسأل الوزير ، هل نضع ذلك في سياق الأمانة الوطنية التي هي ضد الخيانة ؟ وهل يرتفع هذا الفعل ( الاحتفال بالغزاة القتلة ) إلى مستوى خيانة من عارضوا ترشيحه لليونسكو ؟

يبدو أن معالي الوزير من أجل المنصب الذي يحلم به على استعداد لفعل أشياء ضد المنطق والتاريخ ، ومنها تقربه الفج من اليهود الغزاة القتلة في فلسطين ، وحديثه عن آثارهم في مصر ( وهل هي آثارهم أم آثار مصر ؟ ) ثم ذلك الخلط والشطح حول الاعتراف بالأديان غير السماوية التي يطالبنا نحن العرب والمسلمين بالاعتراف بها ، بينما هو يعلم جيداً أن الآخرين من أهل الكتاب وغيرهم لا يعترفون بالإسلام والمسلمين ..

ماذا يريد الوزير بالضبط ؟

إن عهد معاليه من أسوأ العهود الثقافية التي مرت بها مصر ، وإساءته للإسلام والوطن أكبر من أن تنسى .. أما وصفه لمعارضيه بالخيانة فهو أمر سيفصل فيه التاريخ قريبا أو بعيداً ، ولا شك أنه سيضع في خانة الخيانة من يستحق هذا الوصف كائناًُ من كان .