غزة ما بين سفاهة الساسة
غزة أو كعب "آخيل" للإبادة الفلسطينية
م. الطيب بيتي العلوي
مغربي مقيم بفرنسا
باحث في الانثروبولوجيا الدينية والثقافية بباريس
ان مايجري الآن في غزة، قد فاق كل التصورات التقليدية عن الحروب والاستعماروالوحشية والهمجية والقذارة والبربرية
فما يحدث في غزة ليس مجرد هجوم عسكري ، أومجرد نعرة استعمارية للسيطرة المحكمة ،كما عودتنا "ثقافة" الاستعمار التي أفرزتها ثقافة الغرب بعد عصر التنوير والحداثة،
أو تخطيطا للاستعباد التجاري والمالي او الأستغلال الانتاجي، ..بل انها "الابادة المقدسة الممنهجة" كما نادت بها تقاليد أحبار اليهود ،و"ثقافة" الرومان المرتبطة بمفهومية" السيادة" والعقلية السوبرمانية" النتشية
انها الدعوة الى تبني العودة الأكيدة لهمجية القرون الوسطى الغربية ولمقولات القرن التاسع عشرالمولدة لثقافات الفاشيات والنازيات المغذية "للروح الصهيونية" الداعية "الى تخليص اليهود من عقدة ووهم "المسيح المخلص" ،وترسيخ "روح القتالية والعنف" لدي الجيل الجديد بعد هزيمة اسرائيل في حرب تموز
غزة وخواء النخبة المثقفة
وان التنسيق الأركستري الحالي بين العالم الغربي –الاسرائيلي مع "المعتدلين العرب- لمن الخطورة بمكان ، والأخطر هو السكوت لدى نخبنا ومثقفينا المنتشين"بمهاتراتهم "وابداعاتهم" و"شعاريرهم" ، والمنشغلين بخربشات الأطفال التي يسمونها ابداعا ، والمتلذذين بالرعشات الفانتازمية لنفايات شطحات الفكر الغربي، بالاجترار الممض والممجوج للهرطقات السود للأفكار والفلسفات البائدة التي تقيئت عليها الطفرة الابيستيمولجية الغربية ، والاتجاهات الابداعية نفسها منذ سقوط حائط برلين، وانهيارالمعسكر الاشتراكي، التي لا يمكن الا أن تصنف ضمن الفكر الجاهز والهذيان الثقافي والسياسي" الذي هو افرازات ظرفية سوسيو-ثاريخو-ثقافية غربية محضة، والتي لا تمس قضايانا لا من بعيد ولا من قريب، ولقد تناسى هؤلاء النرجيسيين من نخبنا ،بأن المبدعين الأوروبيين بكل أطيافهم الأدبية والابداعية من كلاسيكية،وواقعية ،ومثالية ، ورمزية، وطبيعية، وتعبيرية ،وانطباعية، ووجودية، وعدمية، وميتافيزيقية ،وعقلانية ، ولا عقلانية ،وتجريدية ،وسوريالية ،وعبثية،وفوضوية، قد انضووا كلهم في خط واحد، ألا وهو أدب المقاومة خلال الحملة النازية في أربعينات القرن الماضي من موسكو الى مدريد، وتخندقوا كلهم ضد النازية ابداعا ومقاومة حيث جفت أقلامهم عن تحبير كل المهاترات ،والتهبت قرائحهم بأدب المقاومة حتى النصر، أم ان ما يجري في غزة الآن لا يكفي لتهييج القرائح الميتة والمريضة لدى نحبنا ومبدعينا؟، او لا تعتبر غزة حتى في الكتابات الغربية اليوم بانها كولاكGolag القرن الواحد والعشرين
أو ليست هي أكبر سجن في التاريخ المعاصرمن المعزولين والمحرومين والمضطهدين من االبشر العزل الدين يعانون من الاذلال اليومي والمعاناة الحقيقية؟
اولاتمثل غزة في نظر النخبة الفكرية العربية المريضة كولاكا"golag رهيبا وبشعا؟
-أو لا يبدو سكانها أمام العالم بأسره،أشبه منهم بشخصيات فيلليني وكافكا وأرابيل وكامو العبثية ،عن الناس الطبيعيين، لطغيان الحرمان، واليأس ،والفقر،والمذلة، والمعاناة ،والاحباط،؟
او لا تبدو وحياة الناس اليومية في غزة كسيناريوفيلم رعب قاتم..؟
هل الحظر الاسرائيلي التام للوقود والتموين ومنع وصول كل الامدادات من المنظمات الانسانية، وممارسة كل انواع العقاب الوحشي الجماعي ، والتجويع حتى قرابة الموت كما يرشح عن الصحافة الاوربية تستهدف به اسرائيل مجرد معاقبة منظمة حماس؟ أم أنها تجليات للسادية الصهيونية الجماعية والنزعة الفطرية البربرية ضد أصحاب الأرض والحق؟
غزة وتخاذل الساسة
وأما الساسة، فمع التسليم بخذلانهم ، فقد انقسموا الى ثلاثة فسطاطات مركزية وهي :
- فسطاط، فضل "الحياد والقعود والانزواء" بدعوى مراعاة المصالح القطرية والوطنية،والجهوية
- وفسطاط فضل التخلص من القضية الفلسطينية "الشائكة"المعيقة لتقدم المنطقة وتنميتها، بدعم الفصائل الفلسطينية الأقرب الى منظور "بيع القضية الفلسطينية" في المزاد العلني بالدعم الأمريكي والاسرائيلي
-وفسطاط أصبح خياره المعلن هو الاصرار على 'ابادة" كل الفلسطينيين الحاملين "لجرثومة" المقاومة الفلسطينية التي هي بذرة المقاومات في المنطقة..،قصد مساعدة نصابي سماسمرة بروكسل، ونصابي البيت الأبيض، وبراربة البنتاغون، للاستفراد بالمنطقة كلها عبر خلق "موزايكات" و"عربسات" فولكلورية "بتدجين" العراق بتفكيكه تفكيكا كليا ومحوه من ذاكرة التاريخ ، و تركيع سوريا ، والحاقها "بالمخيم "العراقي بتحريك الاحقاد القديمة بين النظام والتيارات المعارضة المتضررة من حملات النظام السوري-تاريخيا، واستأصال الفرس ، بمحقه محقا بحرب لا تبقي ولا تدر حتى لا تقع من جديد في مثل المستنقع العراقي ،ومحاصرة الترك تخوفا من العودة "الى العثمنة" ،
فهل من الصدف أن تقوم الأمم المتحدة بتبني يوم المحرقة" يوما عالميا وتفرضه فرضا على المجتمع الدولي، في العام الماضي مع بداية حصار غزة ؟
وهل من الصدف ان تشارك المجموعة الأوربية كلها رسميا هذا العام -مع حصار غزة-، بالاحتفالات الرسمية لمرور ستين عاما على انشاء الكيان الصهيوني في كبريات المدن بفرنسا وبريطانيا والمانيا منذ شهر افريل لهذا العام بدءا بالاحتفال الرسمي بمعرض الكتاب الدولي للكتاب بباريس، ولندن وتورينو وفرضه على كل المتعاطين للشان الثقافي في العالم باسره ، ودعوة الكتاب والمثقفين المتصهينين من اسرائيل للترويج "لأرستقراطية" التفكير الصهيوني كمشروع مستقبلي للمنطقة عند التفكيك والبلقنة؟
غزة عقب أخيل لوئد المقاومات في المنطقة
ومن هذا المنظور فاني أطالب كل المبدعين والمفكرين والكتاب، و الصحفيين، والاعلاميين..
ومنظماتهم وقنواتهم المتلفزة ونقاباتهم المهنية، والجمعيات المدنية والمنظمات الحقوقية التحرك بجدية قبل فوات الأوان ،
فان الابادة الكاملة للفلسطينيين بغزة مشروع اسرائلي –غربي لا رجعة فيه، وان الغرب لمصمم في هذه المرة على عدم النكوص أو الفشل أو التراجع، فلن يسمح بانتصار المقاومة بغزة، الذي معناه استقواء المقاومات الفلسطينية الوطنية بكل أطيافها، اسلامية وعلمانية ،فلا بد-اذن- من استمرار"المحرقة" بغزة لتكون عبرة لكل من يحلم بالمقاومة ،.. فغزة اليوم هي عقب "أخيل" لوئد كل المقاومات الفلسطينية كلها ، وهي المجال الحيوي لتنفيذ كل السيناريوهات التي خطط تجمع العشرين الكبارلاستاصال شافة المقاومة في المنطقة كما خطط لذلك اولمرت مع بوش قبل الانتخابات الأمريكية، وانها لسيناريوهات قاتمة ومرعبة وعلى كل الفلسطينيين المقومين داخل الاراضي المحتلة دفع الفاتورة ارضاء لفسطاط أبو مازن وشيعته، بدعم من نظم "الاعتدال " بالمساومات والمفاوضات والتنازلات و"الدروشة" الى أن تميد بهم الارض عتد انتهاء مهامهم، والى حين يتم التخلص مهم عند انتهاء مهامهم.. "وأن الأمور بخواتيمها"