أوباما ليس الحل..!!

أوباما ليس الحل..!!

محمد رؤيا ناظم

[email protected]

أفرطت وسائل الإعلام العربية في متابعة ـ غير مسبوقة ـ لمجريات الإنتخابات الرئاسية الأمريكية في تغطية مباشرة من مختلف الولايات، والتي انتهت بطريقة دراماتيكية حيث تفوق "أوباما" تفوقاً كاسحاً مما أدى إلى إعلان فوز مبكر لـ "أوباما"، ومن الغريب أن وسائل الإعلام تجاهلت ما يجري من انتخابات جزئية لمجلسي النواب والشيوخ والتي أفضت إلى سيطرة كاملة وغير مسبوقة للديمقراطيين على المجلسين التشريعيين بين الحزبين اللذان يتداولان السلطة في أمريكا، ولعل الأغرب أنها تجاهلت الإجتياح الصهيوني لغزة الحبيسة رهينة العمالة العربية لأمريكا والصهاينة، والتي أسفرت عن إضافة رتل آخر من الشهداء البررة إلى السلاسل الطويلة من الشهداء ضحايا العدوان الصهيوني والأمريكي والغربي على أمتنا العربية والمسلمين في كافة أنحاء العالم.

ولقد شدت وسائل الإعلام أنظار واهتمامات الشعب العربي إلى ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء الماضي لما نقلته على الهواء مباشرة، وهو ما أعطى الإنطباع لرجل الشارع العربي بأن مصير العالم يتوقف على نتائج هذه الإنتخابات، وأن الرجل القادم هو الحل لما يمر به العالم بصفة عامة، والعرب ـ التائهين في العالم والتاريخ ـ بصفة خاصة، من مشكلات باتت مستعصية على الحل، وتواردت إلى أسماعنا الكثير من التحليلات لما جرى وما يجري هناك على الشاطئ البعيد للأطلسي، وانهمك الكل على تأكيد وجهة نظره في أوباما وما يحمله من رياح التغيير على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، مع وجود شبه إجماع على أن القادم إلى البيت الأبيض وهو "باراك أوباما" سيحمل معه تغييراً هاماً في أمريكا والعالم.

ورغم كل ما قيل ويقال عن التغيير وأمل السود والأفارقة والمعتدلين والديمقراطيين ـ في الحزب الأمريكي ـ والمحللين الإستراتيجيين وغير الإستراتيجيين وغيرهم في كافة أنحاء العالم، أختلف مع كثيرين من الذين أفرطوا في التفاءل بانتخاب الناشط السياسي "باراك أوباما" الذي يحمل الجنسية الأمريكية من أصول إفريقية وأوروبية رئيساً للولايات المتحدة، وإن كنت من الذين يثقون من حدوث تغيير مهم في سياسات الإدارة الأمريكية تجاه الداخل والخارج على حد سواء، ولا بد وأن نعترف هنا أن الظروف التي أنتجتها الإدارة الأمريكية الحالية، سياسية كانت أو اقتصادية، على الشعب الأمريكي وعلى العالم أجمع، كانت هي الأساس الذي جعل أوباما يكتسح غريمه الجمهوري الذي كان فشله الأساسي في ربط حملته وسياساته بإدارة "جورج بوش" الإبن التي يكرهها الأمريكيون والعالم بأسره، لأنها جلبت الدمار والخراب للكثير من دول العالم بأدواتها السياسية وآلتها العسكرية مباشرة، مثل العراق وأفغانستان والصومال، وجلبت الخراب والدمار بل والعار للعديد من الدول الإفريقية والآسيوية والأوروبية كالباكستان وبعض دول البلقان بطريق غير مباشر، علاوة على عديد الدول التي جرتها في ركابها في حملاتها المسعورة ضد مصادر الثروة، أو تلك التي كانت جسراً للعبور إلى أهدافها العسكرية، والأخرى التي أغرت القوة الأمريكية قياداتها، ودفعتها للتمرد على طموحات شعوبها سعياً وراء مصالحها تحت الحماية الأمريكية، وغيرها التي هرولت وراء الحلم الأمريكي الذي لم يتحقق يوماً، وظل مجرد حلم أجوف حتى في أمريكا نفسها، أو تلك التي كانت ـ من وجهة نظر حكوماتها ـ مضطرة للسير في الإتجاه الخاطئ خشية ردود الفعل الغاضبة من إدارة لا ترى إلا من زاوية واحدة، معها أو عليها، جلبت تلك الإدارة المشوشة الخراب والدمار والإنهيار لكل هذا الصف الطويل من دول فقدت هويتها تحت الترهيب أو الترغيب، وليس هذا فحسب، بل جلبت الخراب والدمار والعار أيضاً  للشعب الأمريكي ذاته، والذي فقد أمواله، وفقد استقراره، وحصد كره العالم له ولأمريكا.

ولعل أخطر ما أنتجته الإدارة الأمريكية يفوق كثيراً العنف المفرط الذي نشرته أمريكا في العالم والذي أبرز العنف المضاد الذي فاق كل تصور، مقاومة كان أو إرهاباً من طرف من استثمروا هذا الجو الخانق والمشحون لتمرير مشاريعهم الضبابية، فقد أنتجت أمريكا ثقافة جديدة تمثلت في القفز على المؤسسات الدولية، والإستهتار بالقانون الدولي، وطمست قيم العدل والحرية والمساواة في العالم، ونشرت حولها الضباب، وسفّهت ما يسمى بالديمقراطية باعتبار أنها كانت ساعية بكل الأساليب وخاصة الدموية وعلى أعواد المشانق لدمقرطة العالم ـ حسب ترهات بوش الصغير ـ ووفقاً لتخويل سماوي كما كان يدعي الرئيس الثالث والأربعين للولايات الأمريكية غير المتحدة إلا على العدوان وضد السود والأقليات العرقية في أمريكا ومنها الهنود الحمر.

نقول:

لعل أهم وأخطر ما أنتجته أمريكا الفاشية أنها عرّت ما كان يسمى بالعالم الحر، فقد أثبتت أنه عالم لا خلاق له ولا ضمير، ولا حتى دين، لأنه عصف بكل القيم السماوية، وداس على كل المقدسات، ونشر القتل وسفك الدماء والتصفية على الهوية والعرق والدين، وأباح الإغتصاب وشرّع له، وأمّن الحماية للقتلة ومصاصي الدماء ومجرمي الحرب، وأمّنها أيضا لمن يحكمون الشعوب بالحديد والنار، ومن يسرقون الثروات، ومن فتحوا المعتقلات والسجون لكل المدافعين عن الحرية والعدل الإجتماعي والسلام، وأمّن الحماية لأعداء الشعوب من السفلة والمعربدين في الأرض تحت الرعاية الأمريكية، ووفقاً للمنهج الأمريكي.

وباختصار شديد، لقد قضت هذه الإدارة الأمريكية الفاشية على كل القيم السامية في العالم، وأحالت العالم إلى جحيم، وفوضى، وغش، وخداع، وتزوير، وإرهاب، وقضت في نهاية هذا المسلسل الطويل من المظالم على الأمم المتحدة ذاتها، قضت عليها كمنتظم أممي كانت شعوب العالم تكن له الإحترام الشديد، فقد كانت الملجأ والملاذ لشعوب العالم المظلومة، والمغبونة، تلجأ إليه في محنها، لتحصل على الأقل على إدانة واضحة لمن يعتدي عليها، وعلى القانون الدولي، وعلى حقوقها المشروعة التي كفلتها مواثيق الأمم المتحدة ذاتها.

فهل يستطيع القادم الجديد "باراك أوباما" أن يصلح كل هذا..؟!!!!!

ربما يستطيع أوباما أن يصلح بعض الخلل داخل أمريكا، أو أن يعيد توزيع الثروات الأمريكية ـ والمنهوبة من دول الجنوب ـ على الأمريكيين ـ إذا تركت الأزمة المالية ثروات ـ كما يتحدثون عنه باعتباره صاحب ميول إشتراكية، وإن كان هناك شك كبير في هذا، فديون أمريكا بلغت حتى بداية الشهر الماضي (أكتوبر) أكثر من 13 تريليون دولار، أي أكثر من (13) ثلاثة عشر ألف مليار دولار، فكيف يستطيع "أوباما" تسديد ديون أمريكا وإخراجها من مأزقها المالي والناتج القومي الأمريكي لا يزيد في أوجه عن 8 تريليون دولار، أما وقد توقفت عجلة الإنتاج فإنه من المتوقع ألا يزيد الناتج القومي الأمريكي عن 6 تريليون دولار..!!

ومن سيعاونه من دول العالم التي اكتوت بنار حروب أمريكا وصراعها غير المبرر مع ثلثي العالم..؟!

إن الصين لن تدفع دعماً لترسانة عسكرية تقف في مواجهتها، وروسيا تقف في نهاية الطرف الآخر لتقفز على الطور الذي يترنح، والخليج العربي الذي جاءه "براون" مستنجداً لا يستطيع أن يدفع أكثر من 2.8 تريليون دولار هي نصف مدخارته التي بقيت بعد سلسلة الكوارث التي لحقت به جراء الأزمة المالية العالمية، فمن أين يعزز "أوباما" قدرة بلاده..؟! ومن لديه القدرة بالأساس ليدعم "أوباما" والعالم في الهم سواء..؟!!

بالتأكيد هي ورطة كبيرة للرئيس القادم الذي حقق حلمه، ولكنه للأسف الشديد جاء متأخراً، وتسلم تركة ثقيلة، هي أكبر بكثير من قدرته، بل وأكبر من قدرة اي قادم، وربما سيدفع فيها ثمناً باهظاً، قد يكلفه مستقبله السياسي دون ذنب جناه..!! لأن الأمريكيين لن يفهموا أن الفشل بسبب حجم المأساة وليس بسبب "أوباما".

وعلى الصعيد الخارجي..

ربما يوقف "أوباما" الحرب في العراق ويستعد للرحيل من هناك بقواته، وربما يحاول أن يزيل كره العالم لأمريكا، وربما ـ وهذا مستبعد لفترة طويلة ـ أن يعيد ثقة الغرب على الأقل في أمريكا، ولكن..

هل يستطيع أن يصنع لأمريكا قبولاً حقيقياً بين شعوب العالم...؟!

وهل يستطيع أن يقيم توازناً حقيقياً في علاقة أمريكا بالعالم..؟!

بمعنى ..هل من الممكن أن يعمل "أوباما" على كسب ثقة العالم واحترامه لأمريكا باعتبارها دولة كبرى ودولة متحضرة تتمتع بقيم حضارية وتحترم حق شعوب العالم في تقرير مصيرها...؟! وهل يستطيع "أوباما" أن يتنصل أو ينسلخ من الجلد الذي ألبسه "بوش" للشعب الأمريكي الذي وافق 72% منه على غزو العراق..؟! وهل يستطيع "أوباما" أن يغير تاريخ أمريكا الأسود التي أشعلت 241 حرباً ـ عدواناً ـ خلال تاريخها الذي لا يتجاوز 230 عاماً..؟ّّ وهل يستطيع أن يكون عادلاً مع قضية الشعب الفلسطيني..؟!! وأن يوقف همجية الصهاينة أو على الأقل يتنصل من جرائمهم البشعة بحق شعبنا العربي الفلسطيني..؟؟!!

أنا مع الكثيرين الذين يشكون في هذا، خاصة وأن ضحايا العدوان الأمريكي أصبحوا بمئات الملايين في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والباكستان وغيرها من مناطق العالم في كافة قاراته، وهناك مناطق كثيرة في العالم ترزح تحت حكم عملاء أمريكا وسطوة الدولار المنهار، فهل يتنصل منهم القادم الجديد للبيت الأبيض ويتركهم لشعوبهم تسترد منهم ومن عصاباتهم حقوقها المنهوبة والمغتصبة..؟!!

أشك كثيراً كثيراً في هذا ..

إن الحل لن يأتي به "أوباما" مهما كانت نواياه حسنة، فالمؤسسات الأمريكية العدوانية المتجبرة ما زالت تحتاج جهد عقود لهدم ثقافتها الإمبريالية، الحل ليس بيد القادم حتى لو كان أسوداً، فهو كما قال أحد المحللين ـ الأمريكيين ـ جاء بوجه أسود وقلب أسود وعقل أبيض، فهو لن يحكم بعقلية الأسود الذي يحس بالحقوق المهضومة، ولن يتألم للجياع من بني جلدته حتى لو كانت فيهم جدته وأقاربه الكينيين، ولن يسعده أن يستعيد الهنود الحمر ذكرياتهم، وهم الذين أبيدوا على يد الأوربيين الذين غزوا قارتهم ونهبوا ثرواتهم واحتلوا أرضهم، ولن يقدم لهم الإعتذار الذي يستحقوه من الغزاة المجرمين والقتلة، وسيقف مكتوف الأيدي أمام أكثر من مائة "لوبي" سيدخلون معه البيت الأبيض رغم أنفه في زحمة عشرات الآلاف من الموظفين الذين يترأسهم "إسرائيلي"، ولن يستطيع إيقاف زحف أكثر من (16) جهاز مخابرات أمريكي، وأربع تيارات متخصصة في الإرهاب والعدوان تسكن البنتاجون، علاوة على بقايا الإحتكارات التي تتمسك بمنظومتها الرأسمالية الظالمة، التي ستحارب دفاعاً عن احتكاراتها ومكاسبها بكل ما تملك..

ما أصعب ما يواجهه "أوباما"، ولكن هذا لا يعنينا كثيراً..!!فعلى الأمريكين أن يتحملوا ما جنت أيديهم..

أما الحل الذي يبحث عنه العالم .. فهو بيد شعوب العالم..!!

 الحل بيد شعوب العالم وقواها الحية، وقوى الخير والسلام في العالم، من أجل بناء نظام عالمي جديد، وإقامة توازن عالمي يقوم على تحالفات جديدة، على جثة النظام العالمي المنهار، الشعوب خسرت كثيراً وليس لديها ما تخسره، وعليها أن تواصل التضحيات، ولكن هذه المرة، من أجل صناعة حاضرها وبناء غد واعد لأجيالها، مستغلة سقوط الإمبراطورية الأمريكية، وأفول نجم الإرهاب الدولي، عبر تصفية البؤر العفنة داخل الأوطان ذاتها، وقطع صلة الرحم بين أمريكا وما أنجبته من أدوات حكم رجعية، فالرهان التاريخي عليها، وليس على "أوباما" ..

والتاريخ دورات..

قريباً : تداعيات انتخاب أوباما على الوطن العربي والعالم.. فترقبونا..