مغالطات البنتاغون ربع الفصلية
جاسم الرصيف
في تقريرها ، ربع السنوي المرفوع الى الكونغرس الأمريكي عن الوضع في العراق المحتل ، إعترفت وزارة الدفاع الأمريكية ، البنتاغون ، بأن : ( المعالم الأساسية " للصراع " في العراق لم تتغير ، رغم التحسن الكبير في الأوضاع الأمنية ) ، واضافت وصفا صحيحا ــ على غير العادة !! ــ يفيد ان الأوضاع الأمنية : ( هشة وغير متماسكة ويمكن ان تتراجع ) ، ولكن على تبرير مخادع مراوغ ، كالعادة ، يفيد ان العراق : ( عالق في " نزاع " بين مختلف " المكونات " على السلطة والموارد ) .
ماتعنيه وتحمله في طياتها هذه الأوصاف الواردة في تقرير البنتاغون هو :
أولا :
ان ( عدم تغيّر معالم الصراع ) الذي قصده البنتاغون هو : خديعة اخرى للكونغرس ، والشعب الأمريكي في آن ، وربما بعض الحمقى من حكام الدول الصديقة للبنتاغون ، لتبرير استمرار بقاء القوات الأمريكية في العراق لأطول فترة يمكن ابتزازها من قبل تجار الحروب الأمريكان من جميع هؤلاء . وفي وقت اعترفت كثرة من اعضاء الكونغرس الأمريكي بانها ( خدعت بمبررات هذه الحرب ) ، لم تعترف الأكثرية المطلقة من حكامنا المسلمين الذين آزروا الإحتلال مباشرة ، أو غضوا النظر عنه ، بأنهم من المخدوعين باكاذيب تجار الحروب كما جلاّديهم وولاة امرهم الأمريكان النادمين ، وهذا ما يشجع البنتاغون على خداعهم مرة بعد مرة ، لأن : ( السكوت من علامات الرضا ) عن ( صراع ) دموي بشع يجري في العراق ( يستلزم ؟! ) استمرار قوات الإحتلال على القتل المجاني وإعالة فرق موت تابعة لمكونات قوات الإحتلال .
كما ان هذا التقرير يوثق ويوجز هدفا غاية في اللؤم والخباثة الموجّهة من قبل البنتاغون ضد الشعب العراقي ، وضد الشعب الأمريكي في آن ، وحتى شعوب المنطقة من خلال هذه التوصيفات المغالطة الزائفة ،، لأن هذا ( الصراع ) الذي تعكز عليه البنتاغون ماكان حاصلا قبل الإحتلال ، وما كان سيحصل بعده ، لو لم تقسّم ادارة مجرم الحرب بوش الشعب العراقي الى حصص طائفية وقومية ، على ابعاد عنصرية نقيضة لكل ( ديمقراطيات ) الأرض قديمها وحديثها ، أسست ( للنزاع على السلطة والموارد ) لاحقا وفق الرؤى الأمريكية البريطانية الإسرائيلية ورؤى تجار الحروب العراقيين من ركّاب دبابات الغزو الأمريكي .
البنتاغون في هذه الأوصاف يدعو كل الجهات المعنية بالعراق الى خيارين لاثالث لهما : إما الخضوع لرغبته الدموية في البقاء لأطول فترة إحتلال ممكنة بحجة هذا ( الصراع ) الزائف المفتعل ، او ان يشهد العراق ومعه دول المنطقة ( نزاعات ) على ( السلطة والموارد ) بين كل الطوائف والقوميات ، يأكل فيها القوي الضعيف ، ويستقر المنتصر في حضن تجار الحروب الأمريكان وشركائهم من تجار الحروب المحليين ،، ومن ثم لايبدو غريبا ، ولا مضحكا ، لعاقل ان يجد علاقة مستحدثة مستوردة بين المذهب الفلاني ، او القومية الفلانية ، وبين مجرى النهر هذا ، وبئر النفط تلك ، ومنجم البوتاسيوم ذيّاك ،، لأن هذا الربط السلطوي والمواردي الشخصي ، دون سلطة الوطن والوطنية ، صار من اهم متطلبات ميلاد ( الشرق الأوسخ الجديد ) ، الذي أسس له البنتاغون صراحة ودون لف ولا دوران وفق ( خارطة الدم ) الشهيرة المنشورة عنه ومنه .
ثانيا :
من المعروف ان ( المعالم الأساسية ) التي قصدها البنتاغون هي : المعالم التي أسسها بنفسه لنفسه ، من خلال استيراد ايرانيين ، كانوا لاجئين في العراق فرّوا الى ايران بعد ان عضّوا الأيادي التي آوتهم واطعمتهم ، ومن خلال اكراد وعرب ( عراقيين ) لاوطن لهم ولاقيم اخلاقية غير كهوف تجارة الحرب ،، ووضع البنتاغون كل هؤلاء قوة بطش و تهديد ارتزاقي للشعب العراقي وبقية شعوب الأرض في المنطقة بشكل خاص و العالم الإسلامي بشكل عام ،،
البنتاغون نفسه هو من استنسخ عن غباء موثق قاعدة ( الحضارة الغربية !؟ ) في ( فرق تسد ) في كل الدول الإسلامية ، واولها افغانستان ثم العراق ثم السودان والصومال بعد فلسطين ،، ولكنه وجد نفسه أضعف مما كان يتصور عن نفسه أمام حركات مقاومة تعد من ( الحفاة العراة ) قياسا الى امكانيات البنتاغون الخرافية ،، ولم يشعر البنتاغون بورطته حتى وهو يعدّ التقرير للكونغرس ، لأنه لايفكر بمصلحة اميركا ، ولا بمصالح شعوب الأرض كلها ، إزاء رغبات ومصالح تجار الحروب الذين سيطروا عليه ،،
ووجه حماقة البنتاغون ، اذا ما افترضنا حسن نواياه وهو يعد هذا التقرير ، في انه : لم يفهم كيف ومتى ومن ( يفرق ) وضد من ،، كما لم يفهم متى وكيف ومن ( يسود ) اذا نجح في التفرقة ،، ولم يقرأ تأريخ العراق ، ولاعادات وتقاليد شعبه ، ولا تأريخ المنطقة العربية والروابط بين أهلها ،، وفضلا عن كل هذا جاء على الظن ان شعوب المنطقة سترضى بكل مايصدر عن البنتاغون لأنه مجرد .. امريكي ! .. قادر على الفتك بأعدائه الذين يختارهم اعداء ، وحماية اصدقائه الذين ظن ّ فيهم القدرة على الاجرام بحق الشعوب .
نعم ، عثر البنتاغون على أعوان له ومرتزقة من العرب ( شيعة وسنة ) ومن الأكراد والتركمان وبقية القوميات ، وهؤلاء نجحوا بدورهم من خلال حكومة المضبعة الخضراء في ذبح مليون وتهجير ستة ملايين عراقي خلال اقل من ست سنوات !! .
نعم ، نجح البنتاغون في التأسيس لفرق موت طائفية وقومية عنصرية( كردية ) ، بعضها ( صاح ) وبعضها ( غاف ) ،، كما نجح في إذكاء الفتنة حتى بين عملائه لكي يؤسس ( لسيادة ) على الجميع لأطول فترة ممكنة !! . نعم ، نجح البنتاغون في إستئجار مليون مرتزق ، عراقيين ، بعد تجويع شديد بحجة ( الإجتثاثات ) الشهيرة ، ونجح في استيراد مرتزقة اجانب بعد إغراءات منهوبة من ثروات العراق نفسه ،،
نعم نجح في كل هذا !! ،،
ولكن هل نجح في السيطرة على الأوضاع الأمنية ؟! .
البنتاغون نفسه يجيب بأنها : ( هشة وغير متماسكة ويمكن ان تتراجع ) ! .
ولكن احدا لم يسأل البنتاغون عن سر ّ هذه ( الهشاشة ) و( عدم التماسك ) ، لأن الإجابة ستؤدي الى الإعتراف : بوجود مقاومة عراقية وطنية ، تمثل اكثرية صامتة صامدة مطلقة من الشعب العراقي ، رافضة لكل ( المكونات ) التي أسس لها الإحتلال .
وجاء الحريف الظريف في مغالطات تقرير البنتاغون ، ربع الفصلية ، المرفوعة للكونغرس عن الوضع في العراق المحتل في قوله : ( ان النفوذ الأيراني في العراق يبقى التهديد الأمني الرئيسي على المدى الطويل ) ، وانتبهوا لتعبير ( المدى الطويل ) ، واضاف البنتاغون : ( ايران تواصل بوضوح تمويل وتدريب وتسليح وتوجيه مجموهات خاصة للعمل على زعزعة الوضع في العراق .. من خلال دعم المجموعات الشيعية المتطرفة ) .
وفي تحليل ماجاء في هذه الجمل ، وهي ( كلام حق ّ يراد به باطل ) بامتياز مشهود معدود ، يجد المتابع إحتمالات لايمكن للبنتاغون ان يحيد عنها مطلقا :
إمّا : ان ( العباقرة !؟ ) في وزارة الدفاع الأمريكية يجهلون مع من تعاملوا قبل الإحتلال ، خاصة عبدالعزيز الحكيم واحمد الجلبي وابراهيم الجعفري وجلال الطالباني ، وكلهم نالوا تربية أيرانية معروفة حتى لمجانين قرانا ، ومن ثم يبدو ( إكتشاف!؟ ) النفوذ الأيراني بعد إحتلال العراق من قبل البنتاغون غباء موثقا جر ّ كل هذا النفوذ الدموي الخطير على اميركا والعراق وحتى الدول العربية ( الصديقة ) وغير الصديقة لأميركا ،،
أو : ان البنتاغون كان يعرف مسبقا ، وهذا هو الأرجح ، بأن المذكورين ايرانيين نسبا وحسبا وولاء يدعون انهم عراقيين ، ولكنه وظفهم حصان طروادة لغزو العراق من منطلقين لاثالث لهما قط : الأول ، بات اقدم من السلام عليكم و ( هاي ) ، وقد عفا عنه الزمن ، وهو ان ( عدو عدوك صديقك ) ،، والثاني ، هو ( أمل ) البنتاغون في تحويل هؤلاء الى أداة ضد أيران نفسها لاحقا ، ولكن ( المعجزة ) الأيرانية الشهيرة حصّنت هؤلاء من التدجين الأمريكي ، فتحولوا بفضل غباء البنتاغون الى : ( نفوذ ايراني يهدد الأمن ــ الأمريكي العراقي العربي التركي ــ .. على المدى الطويل ) في العراق .
أو : ان البنتاغون نفسه يريد لهذا ( التهديد الأمني ) و ( النفوذ الأيراني ) ان يبقى ورقة ضغط دموية ضد عرب العراق ، وضد دول الجوار العربي وتركيا في آن ، يساوم بها ايران على التخلي عن مخالبها النووية ضد اسرائيل مقابل استعمال انيابها ضد العرب والأتراك كلما تطلبت الحاجة وتحت اشراف امريكي ، لذا يخدع البنتاغون الكونغرس ، ودول الجوار العراقي ، ويخوّفه من نفوذ ايراني لايمكن ان يعالج الاّ باستمرار احتلال العراق ، وهذا الإحتمال الأرجح والأصح ّ والأوضح ، وعلى دلالة ان البنتاغون قادر وخلال ساعات قليلة على ( إجتثاث ) النفوذ الأيراني من العراق من خلال القبض على ( الرؤوس الأيرانية ) في حكومة المضبعة الخضراء وتسليمها الى الشعب العراقي الذي إدعت انه إنتخبها ، عندئذ سيرى العالم ومنه اميركا ، نوع الإستقبال الذي سيناله هؤلاء من العراقيين .
وحتى اذا إفترضنا ( حسن النيّة ) ، في الإحتمالين الأولين ، للبنتاغون الذي خصص ( 300 ) مليون دولار لتسويق مغالطاته اعلاميا مؤخرا ، ومنها ماتقدم من مغالطات ، فهذا لايعفي عباقرة اكبر وزارة دفاع في العالم ( ترى النملة السوداء في الليلة الظلماء ) من تهمة ( الغباء ) على مثل قديم يقول : ( جنت على أهلها براقش ) ، ولكن هذا لايعفيها قطعا من ( عبقرية ) حل ّ مشاكلها في العراق بالعمليات العسكرية ( الجراحية ) ، كما تودّ التعبير ، فتلقي القبض على كل الرؤوس أيرانية النسب والحسب والولاء في الحكومة الخديجة التي ترعاها في المنطقة الخضراء .
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه قبل وبعد كل هذه المغالطات هو :
هل ينجح البنتاغون ، اذا ما إستثنينا مواقف دول الجوار العراقي الموقعّة على بياض ، في مخادعة الكونغرس لإستبقاء قواته المهدّدة في العراق من قبل أيران ، ومن قبل المقاومة العراقية في آن ؟! .
كل المؤشرات في اميركا تشير الى ان فوز الحزب الديمقراطي برئاسة اميركا ، وبوجود أغلبية ديمقراطية في الكونغرس رافضة لإستمرار النزيف الأميركي ( طويل الأمد ) في العراق ، رافضة لفكرة القواعد العسكرية الأمريكية في العراق ، تحت تأثير اغلبية شبه مطلقة من الشعب الأمريكي ، سيكون له وقع تغييرات عاصفة كبيرة جدا في الشرق الأوسط ، لم يستقرئها العالم العربي بعد ، وربما إستقرأها ولكنه مرعوب من نتائجها وتأثيراتها اللاحقة ضدّه وفق حقيقة ( من حفر حفرة لأخيه سقط فيها ) ،،
واوّل من إستقرأها وجهّز نفسه لها هو إسرائيل التي خففت من غلواء كبريائها ضد الدول العربية المتشددة ضدها ، بعد ان ايقنت وهي العارف المقرّب بأن البنتاغون ومرتزقته المحليين يترنحون تحت ضربات المقاومة الوطنية العراقية ، ويتخبطون ، تخبّط حشاشين ، بين ( صحوة ) سنية و( غفوة ) شيعية وذيلية ( كوندية ) ، حتى بات البنتاغون يقرّ ضمنا بانه ماعاد يعرف صديقه حقا في العراق من عدوه صدقا ،، لذا سارعت اسرائيل لتحاور سوريا على سلام دائم حرصا منها على حدودها من ذات الشدّة التي تعانيها القوات الأمريكية في العراق ، والتي اذا رحلت فان هذا يعني فتح اوسع الأبواب للمقاومة العربية نحو مستوطنات الإحتلال الإسرائيلية .
ويبدو ان المتغيرات القادمة في اميركا ستضع حدّين لاثالث لهما لحشّاشي البنتاغون :
إمّا : ان يفوز الجمهوريون وهذا عيد لفرق الموت الدولية والمحلية ، واستمرار لنزيف اميركي عراقي عربي يشترك في ذات المأساة ،،
أو : ان يفوز الديمقراطيون وهذه نهاية ، أن لم تكن عاجلة فهي آجلة ، لتجّار الحروب الدوليين والمحليين في العراق المحتل والمنطقة .