الخلية اليمنية والدعم الإسرائيلي
د. ياسر سعد
[email protected]
اتهام الرئيس اليمني لإسرائيل بدعم خلية إرهابية في اليمن مسألة تستحق التوقف
والتأمل. وإذا كانت موضة اتهام دول عربية للمعارضة في السبعينيات والثمانينات
بالعمالة لإسرائيل شائعا من غير حساب ولا تدقيق لتبرير إجراءات حكومية اتسمت بالعنف
والتعسف, فإن المسألة اختلفت تماما في زمن المبادرات العربية للسلام والتسويق
الأمريكي والإسرائيلي للإرهاب كخطر مشترك يواجههما والدول العربية المعتدلة بل وحتى
غير المعتدلة!!
مصادر أمنية يمنية عادت وأكدت -رغم النفي الإسرائيلي الساخر- بأن الخلية التابعة
لتنظيم الجهاد الإسلامي والتي أرسلت تهديدات باستهداف سفارات في صنعاء، لها علاقات
بجهات استخباراتية إسرائيلية، وأن نائب
زعيم الخلية بسام الحيدري تواصل مع "الموساد" على
الأرجح، طالبا الدعم لتنفيذ "أعمال
إرهابية" داخل اليمن. بكل الأحوال فإن المطلوب من
السلطات اليمنية دعم اتهاماتها وادعاءاتها بما يثبتها, وإلا فإن مصداقيتها تكون
معرضة لكثير من الاهتزاز والاضطراب.
من جهة أخرى فإنه من الصعب الاقتناع بأن الشباب الذي يضحي بنفسه في سبيل مبادئ يؤمن
بها, يمكن أن يكون عميلا لجهات تناقض سياساتها أهدافه ومعتقداته. غير أنه من الممكن
اختراق التنظيمات السرية وتجنيد شخصيات قيادية فيها لتقوم بدفع عناصرها للقيام
بعمليات تتقاطع أهدافها ونتائجها مع الجهات المجندة وإن كانت على نقيض وعداء مع تلك
التنظيمات. تنظيم فتح الإسلام والذي قاتل قتالا مريرا وطويلا في نهر البارد في
مواجهة الجيش اللبناني, أشارت الكثير من التقارير إلى أن قياداته كانت على علاقات
مع مخابرات دولة مجاورة وظفت حماسة عناصره واندفاعهم لخدمة أهدافها السياسية.
استخدام ذريعة الإرهاب وتنظيماته قد يكون أيضا غطاءا لتمرير سياسات معينة أو لتبرير
أعمال تخالف القوانين الدولية, ففي مؤتمر صحفي عقده في ديسمبر 2002م، أعلن رئيس
وزراء إسرائيل وقتها ارئيل شارون إن تنظيم القاعدة جند فلسطينيين وشكل خلايا في غزة
لضرب أهداف إسرائيلية. ياسر عبد ربه، الذي كان وزيرا للإعلام، قال بأن عناصر من
عملاء إسرائيل صدرت لها تعليمات من جانب الموساد بتشكيل خلية تحت اسم القاعدة في
غزة من أجل تبرير الهجوم والحملات العسكرية لجيش الاحتلال ضد القطاع.
أما عبدالقادر بلعيرج، زعيم الشبكة الإرهابية التي أعلنت السلطات المغربية عن
تفكيكها في بداية العام، فقد قالت وسائل إعلام بلجيكية إنه عمل مخبرا لأجهزة
الاستخبارات البلجيكية, وقالت صحيفة "دي ستاندار" إن بلعيرج
عمل لحساب أجهزة امن البلجيكية لعدة سنوات, فيما
قالت قناة التلفزيون "في تي ام" من جانبها إنه عمل مخبرا لمدة
ثماني سنوات, وهو ما رفضت السلطات البلجيكية إثباته أو نفيه.
في حين تكاثرت التقارير وتعددت مصادرها عن دعم إيراني لتنظيم القاعدة في العراق
واستثمار عملياته لصالح الإستراتيجية الإيرانية. استهداف الشيعة في العراق وشعورهم
بالخوف وإعلان دولة العراق الإسلامية أمور صبت في صالح تعزيز النفوذ الإيراني
وتناغمت مع أفكار تفتيت العراق وتقسيمه.
عالم تنظيمات العنف والمواجهة يشوبه الكثير من الغموض, واختراقه واستغلال حماسة
شبابه وأرواحهم في غايات مناقضة لأهدافهم أمر ممكن. يبقى القول بأن مواجهة تلك
التنظيمات وما قد يتفرع منها وعنها يكون من خلال إطلاق الحريات السياسية والسماح
بالعمل العلني المعارض والتداول السلمي على السلطة, ومن غير ذلك فإن خياراتنا
ستتراوح ما بين المر والعلقم.