حول الهجمة الإيرانية على رمز أهل السنة

رابطة علماء سورية

بيان من رابطة علماء سورية المستقلة

حول الهجمة الإيرانية

على رمز أهل السنة ومرشدهم

العلامة الشيخ يوسف القرضاوي

الشيخ العلامة يوسف القرضاوي

 إن رابطة علماء سورية المستقلة التي آلت على نفسها منذ أن تأسست عام 1426ـ 2006 ، ووضعت نظامها، وحدَّدت أهدافها، ورسمت خطتها ـ آلت على نفسها أن تنهج النهج الوسط العدل المتوازن، وأن تُشكِّل مرجعية لعامة المسلمين، وأن تعمل على توحيد صفهم، والبحث عن قواسم مشتركة تجمع بين فصائل العمل الإسلامي، والطوائف الإسلامية، وتُقرِّب الشقة بينهم، دون أن يلغي أحد منهم الآخر...

والرابطة في هذا الموقف تجسِّد موقفاً أصيلا ً لعلماء السنة الذين كانوا دائماً وأبداً حريصين على وحدة الأمة الإسلامية، فحين قامت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني ـ رحمه الله تعالى ـ فرحت الأمة، وفرح علماؤها، واعتبروها إنجازاً لصالح الصحوة الإسلامية، وارْتَضَوْها مشروعاً إسلامياً رائداً في العصر الحديث، وتحرَّكت وفود العلماء والدعاة لزيارة طهران، وتقديم تهنئة الأمة بنجاح ثورتها، دون أن يخدِش هذه الفرحة أنها كانت على أيدي الشيعة، أو أنها انطلقت من إيران.

ولَكَم كنا نتمنى أن تبقى ثورة إسلامية ـ بحق ـ لصالح الإسلام وصالح المسلمين، وليست لصالح طائفة معينة، أو مذهب معين، يُعامِل الطوائف الأخرى بأحقاد التاريخ، ومرارات الصراعات المذهبية  القديمة، وجهالات المبتدعين المنحرفين.

بل لَكَم كنا نتمنَّى أن تكون ثورة إسلامية سياسية، تقود الصحوة الإسلامية، وتعزِّز مكانة الدعوة الإسلامية، وتستقطب الحركات الإسلامية، وتمدُّيدها للمعذبين المسلمين في الأرض من أي مذهب كان، أو من أي طائفة كانوا، وأن تضع إيران ثقلها لتحرير فلسطين والمسجد الأقصى، ولا تكتفي بالخطب والتصريحات والوعود... إن شعبنا المسلم يئنُّ في كل مكان من وطأة الظلم والاضطهاد والعدوان، وهو أحوج ما يكون إلى دولة قوية في حجم إيران لتردَّ عنه الظلم والاستعمار والعدوان.

ولَشدّ ما كانت المفاجأة أن هذه الثورة قد انحرفت عن مسارها وأضحت رهينة العقلية الطائفية، والتعصب المذهبي، والاستغلال السياسي، والطموح الأمبراطوري.

كنا سعداء لو صدَّرت إيران ثورتها ضد الظلم والقهر والاستعمار والاحتلال الصليبي والصهيوني الذي تعاني منه أمتنا الإسلامية والعالم كله...

لكنَّ الذي حدث هو العكس تماماً، فإذا هي تُصدِّر ثورة شيعية، تستغل في سبيل ذلك ما تملك إيران من أموال، وطاقات، وجامعات، وقنوات فضائية، وهيئات ديبلوماسية، ودعاة مفرغين مدربين، لتنشر مذهبها بين أهل السنة، بل لتنشر ما أفرزه عصر التخلف من بِدع وضلالات وجهالات، ومناظر مؤلمة، وخرافات مقزِّزة، وأفكار منحرفة، واعتقادات باطلة، تأباها عقيدة التوحيد، وترفضها ثقافة الصحوة الإسلامية، وتستغلها دوائر الاستكبار العالمي.

وما أثار ألمنا أكثر أن رجال هذه الثورة قبلوا في سبيل تحقيق حلم الأمبراطورية أن يتحالفوا مع الأنظمة العلمانية الديكتاتورية في المنطقة، بل  مع الدول الكبرى لتوسيع حدود حلمهم وطموحاتهم، وما فعلوه في أفغانستان وفي العراق، وفي غيرهما، غير خاف على أحد، وهو شاهد على أن الغاية عندهم تبرر الواسطة، مهما كانت هذه الواسطة ظالمة أو طاغية أو معتدية!!.

ورابطة علماء سورية المستقلة، إذ تعلم علم اليقين أن ثمة جهوداً غربية وصهيونية لزرع الفتنة بين أكبر فصيلين إسلاميين في العالم؛ وهم السنة والشيعة. وبالتالي كنا نحرص على أن نغلق منافذ الفتنة، وأن نأخذ على أيدي المتعصبين والمتطرفين والمتشددين، ولقد نَشَرْنا في موقع الرابطة بحثاً هاماً للعلامة الشيخ محمد أبي زهرة ـ رحمه الله تعالى ـ يؤصِّل لعلاقة صحيحة واعية مستنيرة بين أهل السنة والشيعة، ولم يسبِق للموقع ـ بحمد الله ـ أن انزلق في كل ما نَشَر إلى الإسهام في تأجيج الفتنة، ونحن نرقُب بوعي وبصيرة؛ تحرك دعاة الشيعة في مدن سورية وقراها، ونتلقى الأخبار الموثقة، ونسمع شكوى العلماء في كل مكان من وطننا الحبيب من تبني إيران لنشر الحسينيات، والمدارس، والجامعات، والمزارات واستقطاب البعثات، ودفع الأموال، وتقديم الإغراءات.

كنا نسمع هذا... ونصبر ونصابر... ونعتبر أن الفتنة والخلاف أشد خطراً لكنَّ السيل قد طفح، والخطر أضحى داهماً، والهجمة أضحت شرسة.

والذين يخططون لتصدير الثورة الشيعية، ونشر المد الشيعي في المناطق السنية من العالم الإسلامي، قد تجاوز كل الخطوط الحمراء، وأوغلوا في الهجمة إلى أن وجَّهوا سهام حقدهم إلى شيخ أهل السنة، ورمز الصحوة الإسلامية العملاقة، وفقيه الأمة، ورئيس اتحاد علمائها بالاجماع، حين وجهوا له من السباب والاتهامات والشتائم والأكاذيب المفضوحة ما يخجل الإنسان السوي من أن يوجهها إلى إنسان عادي، فضلاً أن تُنسب لرمز كالقرضاوي، فهذا يُعتَبر في نهاية الحماقة والعدوان، وقلة الأدب والحياء، والوقاحة.

كان يمكن أن يهون الأمر أو يُتَقبلَّ لو أن ثمة انتقاداً علمياً مهذباً مدعماً بالأدلة وُجه للشيخ، حينئذ يكون الأمر مقبولاً، لأن الشيخ ليس معصوماً. كما يعتقد القوم بعصمة أئمتهم وملاليهم، فالعصمة لأنبياء الله ورسله فقط.

وكان يمكن أن يهون الأمر أو يُتقبَّل لو أن واحداً من جهلة القوم أو متشدديهم وجَّه مثل هذا الهراء أو مثل هذه الحملة الكاذبة الفاجرة حينئذ يكون الأمر كذلك مقبولاً، لأن مثل هؤلاء لا يؤبه لكلامهم. لكن أن يصدر عن وكالة شبه رسمية، بل عن إعلام إيراني مؤمَّم، ثم يُسعِّر نارَ الفتنة كبارُ شيوخهم وأئمتهم، ويؤزّون الحملة الظالمة على الشيخ، فهذا يعني أن توجهاً رسمياً ومذهبياً، يستهدف تشكيك الأمة في قادة صحوتها، ورموزها، وعلمائها العاملين، وبخاصة من أهل السنة والجماعة، وإلا فما معنى أن يشارك في النقد اللاعلمي واللاموضوعي كالشيخ محمد حسين فضل الله والشيخ التسخيري وغيرهما.

إن ما صدر من تصريحات على لسان الدَعِيُّ حسن زادة محرر الشؤون الدولية في وكالة أنباء مهر ـ شبه الرسمية ـ أقل من أن يُرد عليه، أو يشار إليه.

وإن رابطة علماء سورية المستقلة التي تتشرَّف بعضوية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وتتشرَّف كذلك برئاسة العلامة القرضاوي لهذا الاتحاد، لتهيب بمرشد الثورة الإيرانية والمسؤولين العقلاء فيها أن ينتبهوا لخطورة مثل هذه التصريحات، وهذه المواقف، فالشيخ القرضاوي هو مرشد الأمة، ومرشد علمائها، ومرشد أهل السنة والجماعة، فلابد للشيخ الخامنئي أن يكبح جماح الفتنة وأن يصدر تصريحاً باسمه، يعتذر للشيخ، ويستنكر مثل هذه التصريحات البذيئة، والاتهامات الرخيصة، والأكاذيب المفضوحة في حق الشيخ، وتنصح الرابطة أن يُدعَى الشيخ إلى حوار  علمي حول ما نُسِب إليه من تصريحات، وما تكوَّن لديه من قناعات.

حذارِ... حذارِ... من أن نُستدرج إلى فتنة خطط لها أعداؤنا باتقان، وهيأوا أسبابها، ورصدوا لها كل ما في جعبتهم من خبرة ومكر وكيد وعلم.    

الأمانة العامة لرابطة

علماء سورية المستقلة

  27/9/1429هـ 

  27 /9/2008م.