الجدي الإيراني
أمّه نَطحت أقواماً، وأرضَعت آخرين!
راجي مندو
ذبح أحدهم جدياً ، وصنع من لحمه وليمة ، دعا إليها بعض القوم . وكان أحدهم يسرع في نهش اللحم .. حتى عجب منه صاحب الوليمة ، فقال له مداعباً : أراك تسرع في نهش لحم الجدي ، كأن أمّه نطحتـك !
فقال الرحل ، على الفور: وأنا ، أراك تشفق عليه ، كأن أمّه أرضعتـك !
هذه الطرفة ، معروفة متداولة ، لكن نقلها إلى دائرة الصراع المستعر، اليوم ، بين فارس وشيعتها وأنصارها ، من جهة .. وبين خصومها والمتوجّسين خيفة من خططها ونيّاتها وأهدافها ، من جهة أخرى .. نقلها إلى دائرة الصراع هذه ، يجعل لها أبعاداً أخرى ، بحاجة إلى تأمّل عميق !
إذا كانت أمّ الجدي الإيراني ، قد نطحت ـ وماتزال ـ أناساً كثيرين ، بأساليب شتّى من النطح ، لم تعد تخفى على أحد.. فهم ناقمون عليها ، أو متربّصون بها ، أو متوجّسون منها، أو خائفون على أوطانهم وشعوبهم منها .. لذا ، فهم يكثرون من الحديث عن أخطارها وشرورها ..
إذا كان ذلك كذلك .. فهل الذين يشفقون على جَديها ، قد رضعوا منها ، وصاروا ينكِرون على كل من يتصدّى لها .. ويلومونه ، ويعنّفونه !؟
وإذا كان هؤلاء المشفقون ، قد رضعوا من العنز الإيرانية ، أمّ الجدي الحبيب .. فماذا رضعوا ، بالضبط ، وللرضاعة أشكال وألوان .. واحدة منها رضاعة الحليب !؟
هل رضعوا مبادئ وقيماً وأخلاقاً .. مثلاً !؟
أم رضعوا أموالاً وهدايا وإكراميّات !؟
أم رضعوا شعارات وعنتريّات إعلامية !؟
أم رضعوا أوهاماً ذهبية ، وأحلاماً وردية ، عن وحدة أهل القبلة والملّة ، وعن النضال والتحرير والممانعة .. وإلقاء الصهاينة في البحر !؟
أم رضعوا وعوداً ، ببعض ما ذكِر أعلاه !؟
لسنا ندري ، بالضبط ! لكنا نعلم ، يقيناً ، أنْ ليس ثمّة عاقل ، يتّخذ موقفاً جاداً ، يدافع عنه ، سلباً كان الموقف أو إيجاباً .. دون أن يكون له سبب وجيه ، يدعم به موقفه !
وإذا كان موقف المنطوحين ، واضحاً معلناً ، يعبّرون عنه بكل صراحة ..
فالمأمول ، أن يكون موقف الراضعين ، مسوّغاً عقلاً ، ليفهمه الناس ، ويلتمسوا لهم أعذاراً ، على أساسه ! إلاّ إذا كانوا قد رضعوا ، فيما رضعوا ، مبدأ (التـقيّة) ، مع حليب العنز!
وما نحسب عاقلاً ، اليوم ، يسوّغ لنا موقفه ، في الدفاع عن الجدي الإيراني ، بوحدة أهل الملّة وأهل القبلة.. بعد كل ماظهر من (حرص !) إيران الرائع البديع .. على الملّة والقبلة ، في كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي ! وقد بات واضحاً ، أن ساسة فارس ، لايرون لهذه الوحدة قيمة ، أيّة قيمة ، ولو بما يعادل شعرة واحدة ، من شعر الجدي المأكول !
كما لا نحسب عاقلاً ، يحدّثنا ، اليوم ، عن الفتنة النائمة ، وعن لعْنِ من يوقظها .. بعد أن أثار الفرس الفتنَ ، في كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي !
كما لانظنّ ذا بصيرة ، ينصحنا بعدم فتح جبهة مع إيران ؛ بعد أن فتحت إيران الجبهات كلها ، على مصاريعها ! وباتت تتحدّى المسلمين ، في العالم كله ، بأن يقفوا في وجه اجتياحها للعالم الإسلامي ، شعوباً وأوطاناً ! فهذه الذريعة لم تعد تنطلي على أحد ، غير أصحابها ، إذا كانوا مقتنعين بها حقاً ! أمّا إذا لم يكونوا مقتنعين .. فلابدّ من البحث عن أسباب أخرى ، لاصلة لها بالاقتناع ومشتقّاته ، ونظائره ، ومرادفاته !