فقه الاصطياد والحزب المستحيل 16
فقه الاصطياد ..
والحزب المستحيل (16)
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
من المؤكد أن فكرة الانطلاق من النظام
الحالي لبناء نظام ديمقراطي ، هي فكرة خيالية بامتياز ، ذلك أن الميراث الذي احتفظت
به البلاد من ستين عاماً هو ميراث فاسد ، أو هو الفساد بعينه ، فقد أصّل للاستبداد
الشامل االذى لا يقتصر على النخبة الحاكمة أو النخبة الثقافية التي تخدمها وتسوّغ
ممارساتها المذلّة للشعب ، ولكنه يمتد إلى الجهاز الإداري والتنفيذي برمته ، حيث
صار هذا الجهاز لا يبالى بالإنسان المصري ، ولا يضع له في حسبانه أية قيمة حتى صار
أرخص مخلوق على ظهر الأرض ، وأدى إلى أن يصبح الشعب المصري نموذجاً فريداً في
استسلامه وخنوعه وتصفيقه لجلاديه ، مع كل ما يعانيه في شتى مناحي الحياة اليومية
بدءًا من رغيف الخبز حتى الدروس الخصوصية ..
ومن ثم ، فإن إقامة نظام رئاسي كما
يحلم البرنامج المقترح الذي وضعه الحزب المستحيل للإخوان المسلمين ، يُمثل ضرباً من
الخيال الذي لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع ، لأن النظام الحالي لن يتخلى أبداً عما
استحوذ عليه في ستين عاماً من سلطات مطلقة ، تجعله هو التشريع والقانون والدستور
والاتهام والدفاع والقضاء والعقاب والثواب جميعاً .
في الفصل الثالث من الباب الثاني حديث
طيب يحمل أحلاماً جميلة عن الأمن القومي والسياسة الخارجية ، وتشخيص جيد للتحديات
الداخلية والخارجية ، وطبيعة المبادئ والأسس المأمولة للتعامل السياسي مع دول
العالم .
بيد أن معالجة سياسة الأمن القومي
تحتاج إلى نقاش يدفع أفراد الشعب جميعا أو أغلبيتهم إلى الإسهام في هذه السياسة
ودعمها من خلال مبادرات تلقائية وعفوية ، إلى جانب التخطيط الذي يُفترض أن يضطلع به
مجلس الأمن القومي .
إن تقوية الجبهة الداخلية والخارجية لا
يتأتى بمجرد إرساء مبدأ المواطنة والإصلاحات السياسة وغيرها . مبدأ المواطنة مصطلح
بعيد عن ذهن الشعب المصري في ظل نظام مستبد فاشل .
إن الإصرار على التوافق الاجتماعي
أولاً ، هو أساس الحركة إلى الأمام وبدونه ، فكل شيء ، حرث في البحر . والنظام
القائم لا يمكن أن يصنع مواطنة صحيحة أو يسعى إلى تحقيق إصلاح فعّال ، بدون توافق
اجتماعي حقيقي يؤكد على كرامة الإنسان المصري وحريته وقيمته ، وهى مسألة مفقودة
تماماً في الواقع الراهن والنظام السائد .
لقد سبقت الإشارة إلى ضرورة التوافق
الاجتماعي والعقد الاجتماعي ، وهو ما يؤكد هذه الضرورة ، لأن ذلك مركز الانطلاق
والتفاهم حول قضايا الإصلاح وخطط المستقبل كافة .
عندما يكون هناك توافق اجتماعي يؤدى
إلى عقد اجتماعي ينفتح المجال للرضا الشعبي العام ، والقبول بالتنافس السلمي في
العمل العام ، مما يدعم الأمن القومي ويعضد الجبهة الداخلية ، ويُمهّد للمواطنة
الحقيقية التي يشعر معها المواطن أنه ينتمي لبلده وشعبه وقومه ، ولا ينتمي لذاته
وحدها لدرجة أن يبيع الوطن ويبيع نفسه ، بل يُضحّى بها ، فوق قارب صغير يغرق في لجة
أمواج البحر المتوسط الهادرة !
التوافق هو الطريق الفعال لحماية منابع
النيل من الأيدي العابثة بوصف المنابع مصدر الحياة الأول للشعب في الوادي شمالاً
وجنوباً ، الذي تسبق أهميته كل القضايا .. وتترتب عليها خطط المستقبل من توزيع
للسكان والعمران داخل أرض مصر الواسعة ، وسيناء في مقدمتها .
ولأمر ما فإن برنامج الحزب المقترح ،
لم يؤكد على بناء القوة العسكرية بما فيه الكفاية ، وبما يتلاءم مع المتغيرات
الدولية وموازين القوى الإقليمية والدولية .. صحيح أنه أشار إلى دعم القوات المسلحة
المصرية على مستوى البشر والسلاح بما يضمن قيام جيش وطني قوى قادر على الردع
والحماية .
وأتصور أن الجيش الوطني القوى قائم
فعلا ، ولكن موازين القوى من حولنا تتغير بسرعة ملحوظة ، والعدوّ الصهيوني الغاصب
يُطوّر قواته بدرجة غير مسبوقة ، صار فيها مصنفا باعتباره خامس القوى والجيوش في
العالم التي تهدد المنطقة بأكملها بحكم ما يملكه من سلاح متقدم ( تقليدي وغير
تقليدي ) ، وتزوده الولايات المتحدة بأحدث صواريخ اختراق التحصينات الخرسانية
القوية ، واعتراض الصواريخ أرض - أرض قصيرة المدى ، وطائرات إف 35 التي تعد أحدث
طائرات مقاتلة في العالم كله .
إن بناء القوة المتوازية هو الضمان
الحقيقي لوقف التغوّل الصهيونى الإرهابي في المنطقة ، وللآن فإن اتفاقيات الصلح
والهدنة والتهدئة مع الغزاة النازيين اليهود لم توقف التغوّل الصهيونى ، ولم تغير
سياسة الغزاة الدموية العدوانية ، مع أن العرب يعلنون في الصباح والمساء ، وعقب
الإفطار والغداء والعشاء ، أنهم مع سياسة " السلام الاستراتيجي " !
تبقى نقطتان في الفصل الثالث من الباب
الثاني السياسة الخارجية ، وهما اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والغزاة اليهود ،
والموقف من سياسة الأمم المتحدة .
يحيل برنامج الحزب المقترح للإخوان
اتفاقية كامب ديفيد إلى الشعب ليرى إذا كان مصراً عليها أو رافضاً لها ، بحكم أنها
اتفاقية غير متوازنة وتم التوقيع عليها في ظروف غير ملائمة . أي إنها اتفاقية إذعان
!
وفى الحقيقة ، فإن كامب ديفيد ، سقطت
عمليا منذ توقيعها عندما قام مناحم بيجن بضرب مفاعل العراق عام 1980م عقب اجتماعه
بالسادات في الإسماعيلية ، فضلاً عن اجتياح اليهود الغزاة لأرض لبنان والوصول إلى
بيروت وقتل زعماء المقاومة الفلسطينية في تونس ، والقتل شبه اليومي للشعب الفلسطيني
في الضفة والقطاع ، وغير ذلك من ممارسات دموية وحشية أثبتت أن اليهود الغزاة لا
يهتمون بالاتفاقيات أو المعاهدات بل يعدونها مجرد قصاصات ورق لا قيمة لها . ومن ثمّ
فلا أظن أن هناك حاجة للإشارة إليها في البرنامج ، وتكفى الإشارة إلى ضرورة تحرير
فلسطين وعودة أهلها إليها وتخليص القدس من الغزاة .
وبالنسبة إلى الأمم المتحدة والموقف
منها ، فكنت أتمنى أن يكون الأمر كاشفاً لتأثيرها على الأمة الإسلامية وخاصة العرب
، منذ تأسيسها حتى الآن . حيث لم يستفد العرب والمسلمون منها شيئاً اللهم إلا كونها
منبراً للبكاء وحائطاً للدموع في المصائب التي يلحقها بنا العالم الصليبي
الاستعماري وقاعدته اليهودية العدوانية في فلسطين . وجاءت قراراتها ظالمة للعرب في
القضايا التي تخصهم كافة ، ولم تنفذ قراراً واحداً لصالحهم منذ نشوئها حتى الآن ..
وفى منظمات الأمم المتحدة النوعية (
ثقافية ، اقتصادية ، زراعية ، تجارية ـ طاقة ذرية ) كان الانحياز ضدنا ومع عدوّنا
واضحاً ، مع أن بعض أبنائنا تولوا مناصب قيادية في هذه المنظمات النوعية بل في
قيادة الأمم المتحدة نفسها (!)
وتمنيت لو أن البرنامج دعا إلى مراجعة
الموقف من الأمم المتحدة من جانب مصر والعرب والمسلمين ، ودراسة جدوى الاستمرار في
هذه المنظمة الدولية ، والعائد الذي يمكن أن تستفيد به الأمة في ظل تحكم العالم
الاستعماري الصليبي المتوحش في مقدرات المنظمة وقراراتها وأدائها .
بوصفي مواطناً أو فرداً عادياً لا حقوق
له في دولة بوليسية فاشية بمعنى أدق – فإني أستشعر أن الأمم المتحدة ، ومن قبلها
عصبة الأمم ، ما هي إلا تنظيم عصابى يقوده المستعمرون الأقوياء للهيمنة على العالم
وفى مقدمته المسلمون والعرب ، وإذلالهم وهب خيراتهم ، بقانون صنعوه على أعينهم ،
وبصم عليه مندوبو الدول كلها ..
وهو ما يؤكد على ضرورة المراجعة
والتفكير في إقامة نظام بديل يتجاوز مجرد الدعوة إلى الإصلاح أو زيادة العضوية في
هذا المجلس أو ذاك من مجالس الأمم المتحدة ..