النظام السوري وحساب الكلفة

عبد الله القحطاني

بينه وبين شعبه ، وبينه وبين الآخرين !

عبد الله القحطاني

 النظام السوري الحالي ( نسمّي حكم الأسرة الأسدية نظاماً .. تجوّزاً !) يحسب الكلفة بالقنطارحيناً ، وبالذرّة حيناً .. في تعامله مع شعبه ، وفي تعامله مع الآخرين ، من جيرانه ، ومن غيرهم !

·        فهو ينهب مال سورية بالقناطير، ويقتل من شعبها بشراً بالألوف ، ويحبس من مواطنيه بعشرات الألوف.. دون أن يشعر أنه ملزم بدفع أيّ ثمن ، لقاء كل مايفعله ، من تلك الأثمان ، التي يدفعها الحكّام المجرمون بحقّ شعوبهم وأوطانهم ؛ مثل المقاضاة ، أو العزل ، أو التمرّد الشعبي ، أو التحرّك العسكري ضدّه ، أو نحو ذلك! وسبب اطمئنانه ، إلى عدم دفع الكلفة ، يكمن في واقع الشعب السوري ، وواقع القوى الراهنة ، التي تتصدّى لمعارضته ، ونظرتها إلى طبيعة الصراع ، وفلسفتها في كيفية التعامل مع هذا النظام ! ولا نعتقد أن لطبيعة النظام الدموية ، صلة بالموضوع ! لأن ثمّة أنظمة تعادله ، في الخبث والدموية والإجرام ..أسقطتها شعوبها ، بكيفيّات معيّنة، وأساليب معيّنة ، في التحرّك الإيجابي الفعّال ! والأمثلة كثيرة ، تتوالى منذ عشرين سنة ، تقريباً ! ومن أبرزها : سقوط تشاوشسكو طاغية رومانيا .. وما تلاه من أنظمة القمع والظلم والاستبداد ! وبالطبع ، لم يكن تشاوشسكو يحسب حساب الكلفة ، قبل سقوط الاتّحاد السوفييتي ، وتغيّر المناخ الدولي ، من حوله ! بل ظلّ ، حتّى قبيل سقوطه بأيّام قليلة ، لا يحسب حساب الكلفة ، حتّى سقط ، فدفع الثمن كاملاً ، دفعة واحدة ! ولو حسب الكلفة في وقت استقراره ، لدفع منها أقساطاً ، وأطال مدّة بقائه في السلطة ، سنوات أخرى !

·        تعامل النظام السوري ، مع جيرانه الصهاينة .. يختلف كثيراً ! فهو المتوقّع منه ، أن يطالبهم بالكلفة ، ثمناً لاحتلالهم الجولان ، الذي سلّمهم إيّاه أبوه ، بلا ثمن ! إلاّ أنه لم يفعل ، ولن يفعل ؛ لأنه غير مؤهّل للفعل ! وهذا ما يجعل الجولان عزيزاً ، لدى الصهاينة ، حبيباً إلى قلوبهم ! ويمانع أكثرهم في الانسحاب منه ؛ لأنه جنّة من جنان الله في أرضه ، وهبَهم إيّاها حافظ أسد ، حين كان وزيراً للدفاع ، يلا أيّة كلفة ، سوى تسليمه مقاليد سورية ، رئيساً لها ، ليورّثها لابنه ، من بعده ! ولو حسب ابن الأسد ، أن إحجامه عن استرداد الجولان ، سيكلّفه كرسيّه ،على أيدي شعب سورية ، لما دمّر الجيش السوري ، والشعب السوري ، والاقتصاد السوري ، وكل ما يساعد سورية على تحرير جولانها ، من أيدي أعدائها !

·        تعامل النظام السوري ، مع الحركات الشعبية ، العربية والإسلامية .. يقوم على مبدأ التوظيف المجّاني ، لهذه الحركات ، التي تتوافد على عاصمة بلاده ، لتصفّق له ، وتكيل له المدح والإطراء بالقناطير، وتبارك ممانعته للمشروع الصهيوني الأمريكي! فهو يتاجر بهذه الحركات ، وسمعتها ، وتصفيقها ، وهتافها .. ليلمّع صورته ، أمام شعبه ، والشعوب العربية والإسلامية ، ويظهِر لها أنه البطل الممانع الوحيد ، في زمن الهزيمة والخذلان .. دون أن يعِدّ شيئاً ، أيّ شيء ، لمقاومة العدوّ المحتلّ أرض بلاده ؛ بله أن يعِدّ شيئاً لمقاومة الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين ! وحتى الوفود التي تزوره لتصفّق له ، حين يَطلب منه أحد أفرادها ، بعضَ التخفيف عن المواطنين السوريين ، الذين يذبحون في سجونه .. يَعده بعض الوعود الخادعة ، ويظهِر له اهتمامه بطلبه ، وأنه سوف يدرس هذا الطلب ، بعناية .. ثم لاشيء وراء ذلك ! ويستمرّ التصفيق والهتاف له ، ويستمرّ توظيفه لهذا الهتاف ، وهذا التصفيق ، ويستمرّ ذبحه لأبناء شعبه ، تحت زوابع الهتاف والتصفيق ، التي تَهبّ عليه ، من أنحاء العالم العربي والإسلامي ! وأصحاب هذه الزوابع ، يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، وأن تصفيقهم له ، يجعل لهم حظوة لديه ، فلا يخيّب لهم رجاء ! ولو أنهم عرفوا جيداً ، معنى الحساب السياسي ، لعرفوا أن حساب الكلفة ، هو وحده الذي يجعل النظام الأسدي ، يستجيب لأيّ طلب يطلبونه منه ! وحسْبهم ، في هذه الحال ، أن يهمسوا في أذنه ، أنهم لن يوظفوا حناجرهم وأكفّهم له ، مجّاناً ، ولن يزوروه في عاصمته ، أبداً ، إلاّ إذا استجاب لطلباتهم الإنسانية المشروعة .. بل إنهم سيقفون منه موقف المعارض ، ويفضحون إجرامه بحقّ مواطنيه ، في سائر وسائل إعلامهم في بلدانهم ! ولو فعلوا هذا ، لوجدوا منه استجابة حقيقية ، أو لكشفوا زيفه وخداعه ، وحفظوا لأنفسهم بعض كرامتهم ، التي يعبث بها دون طائل !   

·        أمّا حساب الكلفة ، في تعامل نظام الأسد ، مع لبنان والعراق ، فصار دقيقاً ، بعد أن كان يصدّر لهذين البلدين ، المشكلات والكوارث ، بالقناطير! وسبب التزامه الدقّة ، في تعامله مع الجارين ، هو الضغط الدولي ، الذي بات يراقب كل خطوة يخطوها ، وكل قطعة سلاح يهرّبها ، وكل زمرة تخريبية يسرّبها ، عبر حدود أيّ من البلدين !

·        أمّا حساب الكلفة ، في تعامل النظام الأسدي ، مع جيرانه الآخرين ، من عرب وغيرهم ..  فهو دقيق ، من سنوات عدّة :

-       فمنذ أن حشدت تركيا جيشها ، على الحدود السورية .. سلّمها الرئيس الأب ، معارضَها التركي ، عبدالله أوج ألان ، وتنازل لها عن لواء اسكندرون ، وأغلق مراكز التدريب لحزب العمال التركي ، في سورية ولبنان .. وصار يحسب لكل خطوة ، تجاه تركيا ، حسابات في منتهى الدقّة والحذر!

-       ومنذ أن اكتِشفت بعض عصاباته التخريبية ، التي سرّبها للتخريب في بعض الدول العربية ، واعتقِل عناصرها .. صار يحسب تعامله بدقّة ، في هذا الميدان !

-       أمّا الدول الكبرى ، مثل أمريكا ، وغيرها .. فهو يتعامل معها ، تعامل المتسوّل الهزيل ، الذي يتظاهر بأنه تاجر! فيعرض بعض البضائع ، التي يعلم أن الدول الكبرى تهتمّ بها ، مثل : تقديم الملفّات الأمنية لأجهزة المخابرات ، عن مواطنيه السوريين ، الذين يتّهمهم بالإرهاب .. وتقديم أسماء أشخاص ، ممّن تجنّدهم أجهرة الاستخبارات السورية ، نفسها ، للتخريب في بعض المناطق .. تقديم هذه الأسماء للأمريكان ، على أنها عناصر تخريبية ، تنوي قتل الجنود الأمريكان ، ونسف بعض المنشآت الأمريكية .. ليقبض ، مقابل ذلك كله ، رضى أمريكا عنه ، وتعزيزها لموقعه ، في بلاده ، وفي المنطقة العربية .. ورفع سيف المحكمة الدولية ، الخاصّة بقتل الحريري ، عن رقاب أبناء الأسد الميامين !

-       وهكذا تتّضح ، بجلاء ، عبثية الجهود المبذولة ، من أيّة جهة كانت ، للحصول على شيء من النظام الأسدي ، أيّ شيء .. دون أن تتضمّن هذه الجهود ، إرادة جادّة ، في دفع آل أسد ، إلى حساب كلفة حقيقية باهظة .. عن عربدتهم ، وإصرارهم على غيّهم ، وعبثهم بمصائر الآخرين !