الحزب المستحيل 15

الحزب المستحيل ..

وفقه الاصطياد (15)

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يُمثل الفصل الثاني من الباب الثاني في البرنامج المقترح لحزب الإخوان المسلمين العقدة التي أصابت بعض النخب بالذعر ، حيث  قرر البرنامج أن يكون رئيس الدولة مسلماً ، كما قرر أن المرأة وفقاً للشريعة لا يحق لها الولاية العامة . وقد أشاع  هذا الذعر فرصة ممتازة لفقهاء الاصطياد ، للحديث عن الدولة الدينية  المتوهمة التي سيقيمها الإخوان ، وإقصاء غير المسلمين   عن المشاركة في الحكم ، وتنحية المرأة عن العمل العام ، إلى غير ذلك من أفكار الفزع الأكبر من الإخوان ، بل من الإسلام أساساً .. وسمعنا دروساً في المواطنة والتمييز والقبول بالآخر وقمع المرأة ... إلخ .

ومن يقرأ البرنامج بعناية سوف يجده يتحدث عن ضرورة التوافق الاجتماعي  لقيام نظام سياسي ديمقراطي يعمق مبدأ الشورى .

وكما سبقت الإشارة فإن البرنامج ينطلق من النظام القائم ( رئاسي برلماني ) ، وهو فيما أتصور لا يصلح لبلادنا ، لأنه يحصن الرئيس ضد المساءلة والرقابة ، ولقد تمنيت أن يكون النظام ( دستوريا برلمانيا ) يكون الرئيس رمزاً دستورياً لمدة محدودة ، أما الحكم فيكون بيد رئيس الوزراء المنتخب الذي تسهل محاكمته ومراقبته واعتقد أن النظام الدستوري البرلماني كفيل بحل عقدة إسلام الرئيس وولاية المرأة دون ضجيج أو عجيج ، ولا يعطى فرصة لفقهاء الاصطياد كي يضربوا في صلب الشريعة الإسلامية ، فالانتخابات ستكون الفيصل في اختيار القيادة . والكفاءة هي التي ستتقدم دون غيرها .. وإذا آمنا أن تقرير سياسة الدولة في شتى المجالات  عن طريق   مؤسسات قومية ؛ كل في تخصصه ( تمثل الولاية العامة في حقيقة الأمر ) ؛ فإن  قراراتها ملزمة لأية سلطة ، وتكون الكفاءة التنفيذية عندئذ هي الهدف المطلوب ، وهذه الكفاءة لا يختلف عليها أحد .

إن إسلامية الدولة أمر واقع ، فالأغلبية الساحقة ( 95% ) تدين بالإسلام عقيدة ، والأقلية غير المسلمة ( 5% ) تدين بالإسلام ثقافة وحضارة .. فمصر بلد مسلم لا ريب في ذلك ، ولا غضاضة في أن يكون رئيسه مسلماً ، وهذا عرف شائع في الديمقراطيات الغربية وغيرها ( وقد فصلت الكلام في هذه المسألة في مكان آخر ) .

تبقى في هذا المجال نقطة مهمة وهى التوافق الاجتماعي .. كيف ؟ إن النظام السائد لا يتيح فرصة من أي نوع للتوافق الاجتماعي ، الذي يحكمه عقد اجتماعي تتمخض عنه لقاءات تجمع القوى المؤثرة في المجتمع ، وتراعى المصالح المختلفة للأمة والشعب وتنصاع لها .

كيف تستطيع الأمة ، وبالتالي حزب الإخوان المقترح ، تحقيق التوافق الاجتماعي ، وقانون الطوارئ يجرم اجتماع أكثر من خمسة أفراد دون إذن النظام ؟ ولا يستطيع أي حزب من الأحزاب الرسمية المسموح بها أن ينصب خيمة ، ليعقد اجتماعاً يضم أنصاره لمناقشة شأن وطني أو قومي أو حزبي ؟

إن التوافق الاجتماعي في مثل هذه الظروف مستحيل ، وهو ما يجعل الحزب المقترح للإخوان مستحيلاً أيضاً ، ولكن حديث الحزب عن الديمقراطية والشورى يحتاج إلى توضيح . فالشورى قضية محسومة  في القرآن الكريم ، وذكرت أكثر من مرة ، وإذا كان اختلاف الفقهاء حول إلزاميتها واختياريتها قد يثير بعض اللبس ، فإن الأمة الآن أحوج  ما تكون إليها ، فشئون الحكم والحضارة ليست بالبساطة التي كانت عليها في العصور السابقة ، وهى تحتاج إلى خبراء ومتخصصين يتداولون في أبعادها المتشعبة والمتشابكة ، وهو ما يجعل الشورى أمراً ملزماً وواجباً قوميا وفرضاً دينياً ، لأنه لا تكتمل خدمة الأمة إلا به وإذا كانت الديمقراطية بالمفهوم الأوروبي قيمة ، فأعتقد أنها يجب أن تكون في المفهوم الإسلامي آلية ، والفارق كبير ، إذ إن القيمة هناك متغيرة ، ولدينا- نحن المسلمين – ثابتة ، ويبقى منها الآلية التي تتناسب مع تعبير الأمة عن إرادتها عبر ما يعرف بالتصويت أو الانتخابات أو الاختيارات .

الشورى إذاً مصطلح أوسع من الديمقراطية ، وإن كان يتضمنها بوصفها آلية ، لأن المسلم يلتزم بقيم الإسلام وثوابته ، فليس من المعقول أن يتم التصويت على تحليل الخمر أو الميسر أو الإباحية أو غير ذلك مما هو قطعي التحريم أو قطعي التحليل ..

وعلى أية حال فقد أحسن البرنامج حين قدم التوافق الاجتماعي على التنافس السياسي ، وحين تحدث عن ضمانات الحرية وعن المنظمات الأهلية ودورها في البناء الديمقراطي وحماية التوافق القومي . بيد أن البرنامج ما زال ينطلق من النظام السياسي القائم بالنسبة للسلطة التشريعية ، ويقر وجود مجلسي الشعب والشورى .. وأتصور أنهما بالوضع الحالي يُمثلان عبئاً على التشريع ، وضغطاً على ميزانية الدولة ، والأولى العودة إلى نظام مجلس واحد يُسمى مجلس النواب ، مع تخفيض أعداده إلى نائب واحد عن كل كتلة سكنية تضم عدداً من السكان ، وليكن ربع مليون أو نصف مليون مواطن ، مع التركيز على المحليات بوصفها أكثر أهمية من مجلس النواب في معالجة الشئون اليومية والمشروعات المتعلقة بالوحدات السكانية ..

وارتباط مجلس النواب بالمحليات له أهمية أساسية في صناعة الديمقراطية وازدهارها ، ويُمثل صمام الأمان ضد الفساد والبيروقراطية .. وقد أشار البرنامج إلى انتخاب المحافظ مباشرة ، ومنح أعضاء المحليات المنتخبين حق الرقابة والمساءلة والاستجواب وسحب الثقة ، وهو أمر طيب بلاشك ، وخاصة إذا عدنا إلى نظام البلديات الذي يجعل الانتخاب أساس عضوية مجالس البلديات ورئاستها . وقيام نظلم البلديات سيدفع بتنمية المجتمع إلى الأمام إذا تم في ظل انتخابات شفافة تقوم على قاعدة التوافق الاجتماعي .

يتعلق بما سبق الحديث عن حرية تداول البيانات والمعلومات والمساءلة والمحاسبة وقد تحدث البرنامج عن إصدار قوانين لتحقيق ذلك  ، وتصوري أن استقلال الجهاز المركزي للإحصاء والجهاز المركزي للمحاسبات والمجالس النيابية والمحلية أو البلديات ، فضلاً عن استقلال السلطة القضائية ، سيحمى المجتمع من الغيبوبة والغموض والتعمية ، وسيكون سيفاً مسلطاً على رقبة الفساد والمفسدين ، وسيمنع البيروقراطية من ممارسة أسلوبها الموروث في تعقيد الحياة وتخلف المجتمع .

إن إقامة النظام السياسي على أساس الحرية والكرامة والعدل ، ضرورة في برنامج أي حزب سياسي فضلاً عن الحزب المقترح للإخوان المسلمين ، الذي اجتهد في التعبير عن هذه الغاية .

أحوال صحفية :

1 - صحفي حكومي فج يتحدث عن أهالي الدويقة المقبورين تحت الصخور ، ويتعجب لأنهم يقدمون رشاوى للمسئولين كي يقيموا في موقع الموت الذي يتربص بهم . نسي المذكور أن يقول لحكومته : لماذا تقاعست عن أداء واجبك تجاه هؤلاء الشهداء ، وسمحت لموظفيك بقبول الرشوة ؟

2 – الدفاع الصحفي عن المتهم بقتل الغانية اللبنانية على صفحات النظام البوليسي الفاشي ، لا يكف عن ترديد أن المتهم بريء حتى ثبت إدانته ، ويقدم كل يوم تحليلات وتعليقات تفيد أن المتهم بريء.. ولكنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك أبدا يوم حوكم الإخوان المسلمون أمام المحاكم العسكرية ، بل لم يكفوا عن إدانة المتهمين وتهيئة الأذهان لإدانتهم .. مبروك للعوالم والغوازي ورجال القروض في أزهى عصور البطش !