باكستان...في طريق المجهول

د. ياسر سعد

[email protected]

بانتخاب آصف زرداري -المعروف بالسيد عشرة في المائة والذي كان اسمه لفترة طويلة رمزا للفساد- رئيسا لباكستان عبر تصويت برلماني, تكون البلاد قد دخلت مرحلة مجهولة من تاريخها, مفتوحة على احتمالات واسعة تتراوح بين الاضطرابات العاصفة وحتى تفكيك البلاد.

زرداري أمضى في السجن 11 عاما حتى 2004 بعد إسقاط قسم من التهم الموجهة إليه فيما تم إلغاء جميع التهم ضده بعد ما عفا عنه الرئيس السابق برويز مشرف عام 2007 ضمن صفقة سياسية مع زوجته بوتو قبل عودتها لباكستان واغتيالها. زرداري والذي يعاني من سمعة شعبية سيئة, ما كان ليفوز بالرئاسة لو لم تغتال زوجته أو لو كانت انتخاباتها تجري بالاقتراع الشعبي المباشر.

وبحسب احد أشهر كتاب الرأي في باكستان شفقة محمود فإن "زرداري له سمعة مثيرة للجدل، وقد اتهمه القضاء من جملة ما اتهمه به بالفساد واختلاس الأموال وحتى القتل", وبالتالي فهو " ليس نظيفا ولا بريئا بنظر العديد من الباكستانيين وترشيحه للمنصب الأعلى في السلطة ليس لمصلحة البلاد". كما قال شاهين سهباي رئيس تحرير مجموعة "جانك" الصحفية الكبرى في مقال كتبه في صحيفة ذي نيوز: "المصداقية الشخصية للسيد زرداري أصبحت قضية خطيرة". كما أن تردد زرداري في إعادة القضاة لمناصبهم بعد أن عزلهم مشرف إنما هو –برأي البعض- بسبب مخاوف من احتمال أن يجددوا قضايا فساد ضده, الأمر الذي لم يساعده على بناء الثقة الشعبية به وبسلوكياته.

الرئيس الجديد لباكستان, الدولة الإسلامية النووية الوحيدة, ليس له سند شعبي ولا يمتلك كاريزما قيادية, ولا تدعمه المؤسسة العسكرية وإنما يستند إلى الإرث السياسي لعائلة زوجته وعلى نهايتها الدموية. زرداري يقود باكستان في وقت حرج, فالبلاد تواجه صراعا داخليا دمويا وتخوض مجبرة بشكل أو بآخر حربا دولية على "الإرهاب" كان من نتائجها دخول دوامة العنف إليها, كما تعاني من أوضاع اقتصادية متردية, أما الائتلاف الحكومي الذي يقوده حزب الشعب فهو ضعيف ومرتهن لمزاج أحزاب صغيرة لها مصالح متضاربة.

 زرداري سعى قبل انتخابه للحصول على الدعم الغربي بإعلانه بأنه "سيقف إلى جانب الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب", متعهدا بالعمل من أجل القضاء على حركة طالبان الباكستانية وضمان عدم استخدام أراضي بلاده منطلقا لشن هجمات "إرهابية" على الدول المجاورة وعلى قوات الناتو في أفغانستان. تصريحات زرداري تزامنت مع غارات أمريكية متتالية على منطقة القبائل الباكستانية أدت لمقتل وإصابة عشرات المدنيين, مثيرة ردود فعل شعبية غاضبة. 

دخول زرداري معركة مع طالبان باكستان قد يؤدي به إلى القتل والتصفية في مواجهة حركة قادرة على حشد العشرات من المستعدين للموت في سبيل قضيتهم. أما في حال فشله في قيادة البلاد وتأزم الأوضاع فيها وارتفاع الأصوات الدولية المطالبة بوضع السلاح النووي الباكستاني تحت إشراف دولي, مما قد يدفع بالعسكريين إلى انقلاب جديد مصحوبا برغبة شعبية لإنقاذ البلاد من المجهول. بكل الأحوال فإن انتخاب الرجل أثبت أن الديمقراطية الباكستانية لم تبلغ بعد سن الرشد.