رمضان شهر التقوى، فهل نتحقق بها

إبراهيم درويش

الناطق باسم وحدة العمل الوطني لكرد سورية، المشرف على موقع

syriakurds.com

[email protected]

قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) سورة البقرة/الآية 183.إذن الحكمة من الصيام ومن سائر العبادات في الإسلام هي تحقيق التقوى في نفس المسلم، حصول التقوى، وسلوك طريق المتقين، ليكون الإنسان في الآخرة في زمرة المتقين، وما أعده الله لهم.

 ولن نتعرض هنا لفضيلة التقوى مجردة، لأن العلماء قد كتبوا فيها وأجادوا فيما كتبوا، ولن نأتي بأفضل مما قالوا في التقوى. ولكن كلامنا سيكون عن التقوى في جزئية، في شأن كردي عام!

 أيها الأحباب:

 لا يخفى عليكم ما يعانيه الشعب الكردي بخاصة ـ والمسلمون بعامة ـ من مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية، مادية ومعنوية، صحية جسمية ونفسية، سواء في سورية أم في بقية مناطق سكناهم وإقامتهم، داخل كردستان أم خارجها، ولا فرق بين مثقفيهم وجاهليهم، بين الرجل والمرأة، بين المتديّن وغير المتدين، بين المسلم وغيره. فالكل في المعاناة سواء، ولو بدرجات.

 ونزعم أن السبب الرئيسي في كل هذه المعاناة هو الابتعاد عن منهج الله تعالى ودينه الحق، والسير في هذه الحياة على غير هدى، كمن يحتطب في ليل بهيم، لا يكاد يفرّق بين حبل وحيّة، " ومن لم يجعل اللهُ له نوراً فما له من نور"!!

 لقد توزّعت ولاءات الكرد بين تيارات واتجاهات عدة، لا يكاد المرء يجد بينها رابطاً ينتظمها:

1.    فهناك الإسلام التقليدي، الذي اختلط فيه الكثير من الخرافات والخزعبلات والاتكالية والعادات السيئة، بحيث صار المثقف والمتنوّر ينفر منه ويرى فيه سبب تخلف الكرد ومأساتهم. ولا يستطيع كثير من الناس التمييز بين ما هو إسلام حق وما هو من العادات والأمور السيئة التي تسربت إلى الإسلام في عصور التخلف والانحطاط، ولدواع ودوافع كثيرة!! ولا شك أن هؤلاء لو تذوّقوا التقوى لما كانت هذه حالهم.

2.    وهناك " الإسلام المستنير"، الذي يجهل أصحابه ـ أو يتجاهلون ـ الفرق بين الإسلام الحق وما يرونه مناسباً لأذواقهم، فتراهم يلبسون لبوس الإسلام كل ما يروق لهم، وينزعون صفة الإسلام عن كل ما لا ينسجم وأذواقهم، وتراهم يجتهدون في مواضع لا اجتهاد فيها، ويترخّصون فيما لا يحتمل الرخصة، لأنهم لم يتسلّحوا بالمعرفة الصحيحة عن الإسلام ولا بشروط المجتهد. لذلك قد يجد الإنسان في هذا الذي يسمى إسلاماً كل شيء إلا الإسلام.

 ولا شك أن هؤلاء أيضاً قد ساهموا في استفحال البلبلة الفكرية والتشتت في المجتمع الكردي. ولو اتّصفوا بالتقوى لردعتهم عن هذه الطريق.

3.    وهناك قسم ثالث من المسلمين ينهضون من بين الركام، يحاولون نفض غبار السنين عن دين الله تعالى، ينفون عنه غلوّ الغالين وافتراءات المبطلين وجحود الجاحدين، وتقديمه للناس بالصورة التي كان عليها في صدر الدعوة الإسلامية وعصرها الذهبيّ، لأنهم يؤمنون أن الله تعالى يبعث على رأس كل مئة سنة مَن يجدد لهذه الأمة أمر دينها. وهم يسيرون ببطء ولكن بثقة. ونحن على يقين أن التقوى خير زاد لهذا الصنف.

4.    وهناك في المجتمع الكردي العلماني المتطرف، الذي يرى أن الحل لمشكلات المجتمع الكردي هو في الحجر على أصحاب الاتجاه الديني، ومحاصرة الدين في زوايا المسجد، بعيداً عن تأثيراته في المجتمع، ولا يقبل بأنصاف الحلول، وكل شيء عنده قابل للأخذ والرد إلا أن يكون للدين دور في الحياة، في محاولة يائسة فجة للقفز على واقع حال الشعب الكردي وتأثير الدين فيه!! ولأن هذا لصنف قد حُرِم التقوى، فقد تساوى عنده الحق والباطل، النور والظلمة، ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا " وهم يحسبون أنهم يُحسِنون صنعاً ".

5.    وهناك العلماني الأقل تطرفاً، والعلماني الضائع الذي لا يكاد يميز بين ما هو علماني وما هو ديني. كما وهناك (الوصوليّ الانتهازيّ)؛ العلماني مع العلمانيين والمتديّن مع المتديّنين!! وهؤلاء يحتاجون إلى التقوى حاجتهم إلى الهواء والماء.

6.    وهناك اللاديني، أو الملحد، الذي يتمنى لو أن الحياة خالية تماماً من أثر الدين. وهؤلاء يرون في التقوى أفيون الشعوب، فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً.

7.    وأخيراً ستجد في المجتمع الكردي صنفاً لا منتمياً، فهو يتبع كل ناعق، على طريقة (اللي بتجوّز أمي بصحلو عمي). فالذي يدفع له أكثر يخلص له أكثر، بغض النظر عن أي اعتبار آخر!! وحاجة هذا الصنف للتقوى أكثر.

 ومما يزيد في الاضطراب الفكري، الذي ينعكس بدوره على الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي وغيره أن كل فئة تجد المنابر الإعلامية التي تدعو من خلالها لنشر أفكارها ورؤاها!!

 هذا في الجانب الكردي الداخلي.

 أما في جانب الذين يحكمون الشعب الكردي فلا تكاد تجد أيّ أثر للتقوى، وهذا ما ينعكس سلباً على الواقع الكرديّ بخاصة، وعلى واقع هذه الأنظمة والدول بعامة، وعلى منطقة الشرق الأوسط على وجه العموم.

 فالأتراك والفرس والعرب بعامتهم يدينون بدين الإسلام، كما يدين الكرد به، وبالرغم من ذلك فإن الظلم الواقع على الشعب الكردي قد وقع من جانب هؤلاء الذين يدينون بالدين الذي يأمر أتباعه بالتحقق بالتقوى، فكيف يستقيم لهم هذا؟ بل كيف يجتمع المتناقضان في سلوك هؤلاء؟

 إنْ طالبَ الكردُ بحقوقهم الطبيعية قالوا لهم: ليس لكم سوى حق المواطنة، ولكن شرط تخلّيكم عن لغتكم وخصوصيتكم وتاريخكم. وإن رفض الكردُ هذا المنطق الأعوج وفكّروا بأسلوب آخر لاستحصال حقوقهم قالوا لهم: يا إخواننا أين حق الأخوة الإسلامية، ألسنا إخوة مسلمين لكم؟ بأي حق ترفع السيفَ في وجه أخيك المسلم؟ وكأن الأخوة الدينية توجب أو تبيح تسلط فريق على فريق، أو بغي قومية على أخرى. أين التقوى في هذا المنطق؟

 وإن استغاث الكردي وصاح من الوجع الذي تسبَّب له أخوه المسلم ـ العربي أو التركي أو الفارسي ـ وقام لنجدته اليهودي أو النصراني، طبعاً لغاية في نفسيهما، اتُّهِم الكرديّ بأنه أصبح عميلاً لليهود والغرب الصليبي!! هل سألنا أنفسنا: لماذا اضطر الكردي لهذا الموقف؟ وما السبب؟ ومن المتسبب؟ هل بحثنا في أصل المشكلة؟ هل تحققنا بالتقوى التي تعني أول ما تعني إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وردّ الحقوق لأصحابها؟!

 ألا ما أحوجنا إلى التقوى في سلوكنا وأحكامنا وتصرفاتنا. وما أحوجنا إلى التقوى في إصلاح عيوبنا الظاهرة والباطنة. وما أحوج الشعب الكرديّ إلى التقوى للخروج من هذه الفوضى الفكرية الضاربة أطنابها بينهم، فلنتزوّدْ بالتقوى في شهر التقوى، ولنتصفْ بها، لعل الله تعالى يحسّن أحوالنا، ويجعلنا أهلاً لمعيته وتأييده.

وتقبل الله طاعتكم وكل رمضان وأنتم بخير.

وللحديث صلة