هل نجحت إسرائيل في تحطيم الوعي الفلسطيني؟
تحسين أبو عاصي
– غزة فلسطين –
لم يعبر شعبنا الفلسطيني عن عمق وعيه في كثير من الميادين ، يظهر ذلك من خلال آليات الأداء اليومي المبرمج والعفوي على حد سواء ، سواء كان ذلك على صعيد المؤسسات المدنية والشعبية و الرسمية ، أو على صعيد العمل الجماهيري وأداء المثقفين والسياسيين ، والعسكريين والمستقلين ، ولعلنا نلمس شواهد ذلك ظاهرة في كل مكان ، وقد باتت مؤشرات تنذر بالخطر الداهم ، الذي يهدد الهوية الفلسطينية شعبا ووطنا ، ووجودا ووعيا ، وأصبح الوعي الفلسطيني على شفى جُرف ينهار بنا جميعا في أُتون جهنم ، ويضعنا في نفق مظلم لا تبدوا له نهاية .
لقد أثر الانقسام على الساحة الفلسطينية تأثيرا كبيرا ليس فقط على القضية الفلسطينية بل على الوعي الفلسطيني ، ووقف الشعب الفلسطيني موقف المتفرج ، وعجزت شرائح المثقفين والمستقلين عن الحراك ، في الوقت الذي تصفق فيه تلك الفئات وتهلل للكفة الراجحة ؛ لتعطي مؤشرا آخرا على طبيعة الوعي الفلسطيني ، وحتى لا يفهمني جاهلا خطأً ؛ فأنا لا أقصد هنا النيل من تلك الشرائح ، كما لا أقصد النيل من الشعب الفلسطيني ، ولكنني أقصد دعوة الغيورين من أبناء هذا الوطن إلى المراجعة والتقييم ، والاتفاق على برنامج يخلق حالة من الوعي يحفظ شرف النضال ، حالة تدفع الجماهير إلى ضرب الظالم بيد من حديد ، من خلال الفعل الضاغط المؤثر ، لعلنا بذلك نخرق مقدار ثقب إبرة في النفق المظلم ؛ لننظر من خلاله إلى أفق السماء ، كما حدث مع الشعب الفرنسي إبان الثورة الفرنسية عندما ثار ضد قيادته الثورية ، لخروقات اعتبرها طاعنة في كرامته وخروجا على وعيه ؛ فأعدم حرقا في النار بعض أركان قيادته وهم في سياراتهم ، بعد عودتهم من مفاوضات مضنية .
منذ قدوم السلطة إلى أرض الوطن ، وأسبوعيا في كل يوم اثنين ، يشارك القليل من الناس في الاعتصام مقابل مقر الصليب الأحمر تضامنا مع الأسرى ، وفي اعتصامات كثيرة لم يتعدّ عدد المعتصمين أصابع اليد ، فلماذا غاب الوعي الفلسطيني عن شكل من أشكال الاحتجاج ؟ .
أين موقف الوعي الفلسطيني الشعبي من الصراع بين فتح وحماس ؟ حتى دخل هذا الصراع في كل بيت فأصبح الأخ يعادي أخاه ، بدلا من قبول الآخر وغرس الوعي المقاوم .
وأين موقف الوعي الفلسطيني من النضال الفعلي والحقيقي ضد آلة البطش الصهيونية ؟ . الإجابة لا تحتاج إلى أخصائيين عسكريين .
بعض الصواريخ التي يتم إطلاقها ترتد على الآمنين ، وتصيب وتقتل منهم ، فماذا نقدم من أجل بناء الوعي الفلسطيني غير كلمات : اصبر.... ادفع ضريبة الوطن .... من أجل الكرامة .... في سبيل الله .... حتى إن كثيرا من الناس سئموا من كل هذه الكلمات والمصطلحات ، ومن لم يصدق فليتفضل ولينزل من برجه العاجي إلى الشارع ؛ ليجس نبض المواطن ولا يكتفي بما تُرفع إليه من تقارير .
فمن أراد صمود المواطن وصبره ؛ فعليه أن يعزز مقومات الصمود في الوعي الفلسطيني ، ومن أراد هبة جماهيرية أو انتفاضة شعبية ؛ فعليه أن يوجد الوعي الشعبي بكل مقوماته التي تؤهله من أجل هدفه ، خاصة أن المؤشرات الكثيرة تثبت وبقوة معاناة المواطن التي وصلت إلى درجة الكارثة ، وبدون التلاعب في العبارات أو تضخيم الأمور كما يظن بعض السطحيين من فوق أبراجهم العاجية .
وهل انتصرت الثورة الفيتنامية والصينية وثورة موزمبيق والجزائر وإيران وثورات جميع حركات التحرر في العالم بدون حالة صلبة من الوعي ؟
إن هلامية الوعي الفلسطيني لا تؤهل إلى النصر ، ولا إلى التحرير واسترجاع الحقوق المغتصبة ، بل تؤهل على ما يبدو إلى الاقتتال الداخلي والفلتان الأمني والنزاعات العشائرية ، والسلبية المفرطة في كل شيء ، حتى أصبحت قضية فلسطين في الوعي الفلسطيني هي ملف الصراع بين فتح وحماس فقط ، اذهبوا وابحثوا عن حقيقة الوعي الفلسطيني في كل بيت ومتجر وشارع .
الوعي الفلسطيني الذي يقصي الآخر ويشطبه ويحاول استئصاله ، لا يمكن أن يكون مؤهلا لخوض معركة الحرية والكرامة .
الوعي الفلسطيني المشحون بحقد الأخ على أخيه وبثقافة قتله وتدميره ، لا يمكن أن يقود شعبا ووطنا إلا إلى الهاوية والدمار ، فهل هزمت إسرائيل الفلسطينيين في أعماق الوعي والذات والعقل ؟.
ولعل شواهد ما يحدث في غزة والضفة تشهد على ذلك ، فلقد سمعنا تصريحات كثيرة من قادة بارزين ، عن ردود فعل لما يجري هنا وهناك ( في غزة والضفة ) وسمعنا اخطر من ذلك ، من الدعوة للعودة إلى غزة ولو على ظهر دبابة ، وإعادة قطاع غزة بأي وسيلة وبأي ثمن ، فأين الوعي الفلسطيني الذي يحافظ على كرامة المناضل ؟ .
بعد زيارة ة شارون الاستفزازية للمسجد الأقصى كانت انتفاضة الأقصى المباركة ، ولكن المهم فيما يتعلق بالوعي الفلسطيني ، أن زيارات كثيرة حدثت من وزراء ومسئولين وقادة صهاينة للمسجد الأقصى ، فلماذا تعامل معها الوعي الفلسطيني وكأن حدثا لم يكن ، باستثناء بعض التعليقات الصحفية والتي كانت على استحياء .
في مرحلة قريبة من مراحل وعينا الفلسطيني ، وقعت اشتباكات مسلحة بين التنظيمات الفلسطينية ؛ من أجل تبني شهيد ، كل يدعي أنه تابع له ، أليس ذلك مهزلة تدلل على الوعي المتدني بل الغائب أصلا ؟ .
كثير من الجرحى يفتقرون إلى العلاج ، ونحن نجيد فن التبرير والتعليل بامتياز .
جنازة الشهيد أصبحت في الوعي الفلسطيني أمرا عاديا ، وقد كانت من قبل حدثا مؤثرا يشحننا بالإرادة وبالطاقة القتالية ، ويسير بها ألوف من المشيعين .
ولو خرج الشهداء من قبورهم للعنوا قادتهم ، ولأسفوا على ما آلت إليه الأمور ولآثروا الموت على حياة ضاعت فيها كرامة الإنسان .
وأصبحنا شعبنا بأكمله أسيرا على أرض وطنه ، بما تقدمه لنا الدول المانحة من أموال ، مقابل تدمير الذات الفلسطينية .
ومنظماتنا الفلسطينية تتعدد ولاءاتها ومشاربها ، وأصبحت هما كبيرا على الفلسطيني المغلوب على أمره لأنها فقدت الكثير من الوعي الذي يؤهلها لاحترام الإنسان الفلسطيني ، وعجزن كل من حركتي فتح وحماس عن الإيفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها لتثبت من جديد ضيق في الأفق وتخبط في التفكير .
وفي مجالات الحياة المدنية الأخرى ، حدث عن ذلك إن شئت ولا حرج عليك ، فمعاول هدم الإبداع في شتّى المجالات أكثر من أن تُعد وتُحصى ، والتعليم والصحة في حاجة إلى إعادة الرؤية والتقييم ...... والعلاقات بين الناس يسودها عنصر التوجس وعدم الثقة .... والفجوة واسعة بين الرئيس والمرؤوس .... فأين الوعي الفلسطيني ؟ .
إن أخشى ما نخشاه هو أن تنجح إسرائيل في تحطيم الوعي الفلسطيني والذات الفلسطينية تحطيما كاملا ، لذلك ينبغي على كل فلسطيني وعربي ومسلم وثوري في العالم ، أن يبني ولو مدماكا واحدا، وأن يضيء الطريق ولو بشمعة واحدة ، فذلك خير لنا من أن نلعن الظلام ألف مرة ، يأتي ذلك من خلال ضرورة الدفع من أجل الاتفاق على برنامج موضوعي يشكل خطة إنقاذ ما تبقى .
إسرائيل تدفع بنا إلى الاستسلام من خلال تحطيم الذات الفلسطينية ، وضرب الوعي الفلسطيني من اجل أن نقبل بما تريد .
فهل نحن أمام حالة من الوعي الفلسطيني ، نجحت إسرائيل في تشكيله ؛ لتمرير مخططاتها وتحقيق اهدافها ؟