رسالة إلى لؤي حسين

نادر جبلي

عزيزي لؤي حسين… 

ثمة أشياء كثيرة قد لا تعجبنا في الثورة والثوار، ولا تحاكي ما نحب ونرغب فيهم، وما رسمناه في مخيلتنا عنهم، لكن، وبغض النظر عن كل ما أصاب الثورة من انحرافات، وما ارتكبه الثوار من أخطاء، لا يسعنا إلا احترامهم وتقدير ما يفعلونه والشعور تجاههم بالامتنان والعرفان بالجميل، وهذا أضعف الإيمان، لأنهم وحدهم، بشجاعتهم الأسطورية، ودمائهم الذكية، من سيزيح عن كاهلنا آفة الظلم والاستبداد، ويفتح لنا الطريق نحو الحرية والمستقبل.. 

وحدهم ولا أحد معهم، ولا أحد غيرهم، لأن الثابت لكل ذي نظر، بعد نيف وأربع سنوات من عمر الثورة، أن القوة وحدها هي من يجبر نظاما على هذا المستوى من الجرمية والوحشية وانعدام الوطنية على الرحيل أو القبول بحل سياسي، وما حديثكم وحديث أمثالكم عن حل سياسي لا يسعفه ميزان قوى مؤثر، إلا لغو وتضليل.. ليس لأن أحدا منا يحب العسكر والسلاح ورؤية الدماء، ولكن لأنها الحقيقة التي تفرضها طبيعة هذا النظام الدموي الذي لم يتوقف لحظة واحدة عن قتل البشر وتدمير الوطن، ولم يبد استعداده لحظة واحده لإجراء أي إصلاح أو تقديم أي تنازل ذو قيمة رغم كل الفرص التي أتيحت.. 

أما عن الثوار فهؤلاء هم شبابنا وأهل بلدنا.. وهم ليسوا من جنس الملائكة، وليسوا من خريجي هارفرد والسوربون، وهم من تبقى لنا بعد أن عصف النظام بجيلين أو ثلاثة من طليعتهم، وهؤلاء هم من تربى في ظل نظام الأسد، ولا شك أنهم يحملون الكثير من تشوهات تلك التربية، وإذا كانت هذه التشوهات قد أصابتنا، نحن النخب، بمقتل، وأقعدتنا عن الفعل والتأثير، فما بالك بشباب بسطاء مثل هؤلاء؟

أما عن سرقة الثورة وأسلمة الثورة، فهذا، للأسف، يحصل إلى حد كبير، لكن من الملوم في ذلك؟ هؤلاء الشباب أم نحن السياسيين، أم من يقدم الدعم من دول الخليج، أم المجتمع الدولي العازف المتردد المتفرج الذي توقف عند حدود القلق؟ ثم ماذا فعلنا نحن لمنع هذه النتائج؟ وماذا قدمنا للثوار لمنع انحرافهم؟ وماذا فعلنا لملء الفراغ في المناطق المحررة؟ وهل كانت نشاطاتنا السياسية إلا سلسلة من الأخطاء والولدنات وقلة العقل؟

ثم من قال أن الثورات لا تنحرف ولا تخطيء ولا ترتكب الحماقات، خاصة إذا كانت بدون رأس كثورتنا، وحيث كان من المفترض أن نكون نحن هذا الرأس، فإذا بنا لا نرقى إلى مستوى مؤخرة...

شخصيا، وبدون مزاودات، لا أرى في الثائرين إلا أبطالا مخلّصين، رغم أن المخرجات الأولية للثورة، بعد إزاحة النظام، قد لا تكون مرضية، وسيحتاج الأمر إلى مراحل نضالية أخرى لتغيير الصورة وبناء الدولة المنشودة، لكن إزاحة النظام التي ستتحقق حتما على أيديهم، هي الخطوة الأولى التي لا بد منها، والتي لا يمكن فعل شيء بدونها... لذلك لا أملك تجاه هؤلاء الشباب إلا كل التقدير والحب والعرفان بالجميل، وسأكون مدينا لهم وحدهم، دون سواهم، بالحرية التي سأنعم بها يوما ما مع كل أبناء وطني.