مخلفات ربيعية: هل ضل الجميع سبيله

مخلفات ربيعية:

هل ضل الجميع سبيله

فادي الحسيني 

بلاد العرب....ما أن يتوقف صراع في بقعة، وإذ بصراع جديد يشب في بقعة أخرى، وما أن تهدأ ولو مؤقتاً نيران في بلد، وإذ بحريق كبير يشتعل في بلد آخر، وبدا وكأنه نظام إقليمي جديد، تتشكل ملامحه بمعطيات جديدة مختلفة عن سابق المعطيات، ويتحرك الفاعلين فيه، بشخصيات جديدة وآليات ومفرزات عديدة. كان بروز دور الفاعلين غير الدوليين أهم معطيات هذا التغير، وتدحرج دورها ليصبح مارق للحدود وعابر للبلاد، غير آبه بأحكام الواقع، الذي حكم المنطقة لعقود طويلة.

كان للفاعلين غير الدوليين- وتحديداً الحركات الإسلامية- دوراً محدوداً قبيل ثورات العرب أو ما سمي بالربيع العربي. وقبل التطرق لدور الحركات أو الفاعلين غير الدوليين، يجب الإشارة إلى أن تسمية حركات الإسلام السياسي أو حركات الإسلام المعتدل هي مصطلحات وصفية تعطي صبغة معينة بعيداَ عن المضمون. فالإسلام دين شامل جامع لا يصح إلصاق صفة السياسة أو صفة الإعتدال به، ودون غيرها من الصفات. وما هذه التسميات والمصطلحات إلا إبتكارات "خلاّقة" للتفريق بين مجموعات وأخرى.

 فعلى سبيل المثال، إرتأت قوى الغرب فرض وصف "الإسلام المعتدل" لتبرير التعامل مع جماعات دون غيرها في المنطقة، ويمكن للقارئ أن يسرح بذهنه ليشكل حدود المقصد من كلمة التعامل- إبتداءاَ من التعاطي والإتصال وصولاَ للتحالف والتجنيد وتوجيهها لخدمة أهداف بعينها. من جهة أخرى، لم تر الكثير من هذه الحركات أي لغط من وصفها بالمعتدلة أو السياسية إن كان هذا يعطيها مساحة أوسع من العمل في المجتمعات، ويفرقها عن جماعات أخرى تنتهج سلوكاً عدوانياً أو عنيفاً ودموي. وعليه، فإن كان لنا وضع توصيف أدق لهذه الحركات، يمكنا وصفها بالحركات ذات التوجهات الإسلامية فقط دون إلصاق أي صفات أخرى، فجميعها ينشد هدف واحد- عودة الحكم الإسلامي (كدولة أو حكم)، والفارق يكون فقط في العامل الزمني الذي يؤثر على المنهج، فمن يرى من هذه الحركات أن التغيير يجب أن يكون تدريجياً وبطيئاً، تكون سياساته غالباً سلمية، ومن يرى من هذه الحركات أن التغيير يجب أن يتم بشكل فوري، تتسم سياسته وأفعاله بالعنف وفرض التغيير بالقوة.

وفي عودة إلى دور الحركات أو الفاعلين غير الدوليين، نجد أن حماس وحزب الله إضافة إلى القاعدة كانوا الأبرز ظهوراً قبيل أحداث ما يسمى بالربيع العربي. ولكن، ثورات العرب أبرزت دوراً واضحاً لا يختلف عليه إثنان لهذه الحركات، بل بدا دورها طاغياً على دور الكثير من دول المنطقة، وفرض سياسات بعينها على عواصم كبرى دول العالم. وفي الوقت الذي إستغرقت مفاهيم (كالعولمة) عقوداً لتخترق الحدود السياسية التقليدية، ألغت هذه الحركات في وقت قياسي حدود رُسمت في بدايات القرن الماضي (إتفاقية سايكس بيكو). تمدد الفاعلين غير الدوليين في بلاد العرب بشكل عرضي، وتولد عنها فاعلين أصغر لا يقل دورهم خطورة عن دور الفاعلين الأم.

هذه الحركات إنتشرت بأسماء مختلفة (كالقاعدة وجبهة النصرة- داعش أو تنظيم الدولة- حركة الحوثيين- والمجاهدين وغيرها) في شبهة الجزيرة العربية والعراق والشام، وصولاً إلى شمال أفريقيا، ولا يبدو أن تمدد هذه الحركات سيتوقف عند أي حد معلوم، فأثبتت هذه الحركات أن لديها قوة تنظيمية ولوجيستية لا ترتبط بالعنصر البشري، فتعداد عناصر هذه التنظيمات المحدود لا يعكس إطلاقاً حجم "الإنجازات" التي حققتها في وقت قياسي. العنصر الأهم في هذه المعادلة هو التحالفات والإرتباطات الإقليمية والدولية لهذه الحركات، حيث توفر لها عنصري الدعم المادي واللوجيستي (العسكري)، وإن كان في الكثير من الأحيان بعيداً عن الأضواء.

فرضت هذه الحركات أجندات محددة على دول المنطقة والعالم، وتكاد لا تخلو أية مؤتمرات أو قمم من الإشارة لهذه الحركات وكيفية التعامل مع الأزمات التي خلفتها. ويمكن لنا القول أن أنشطة هذه الحركات في سوريا والعراق شكلت مثالاً واضحاً لتشابك الأهداف والعلاقات، والتخبط الدولي والإقليمي الذي خلفته.

فبعض دول المنطقة آثرت دعم بعض هذه الحركات، أو على الأقل غض الطرف عنها وعن نشاطاتها وتحركات عناصرها، بغية إضعاف قوى وحركات أخرى (كحزب العمال الكردستاني وحزب الله) أو إلحاق الأذى بنظام الأسد بشكل عام. من جهة ثانية، القوى الغربية التي ترى في حزب الله حركة إرهابية لم تعترض على تحركات ونشاطات حزب الله في سوريا في سبيل إضعاف جميع الأطراف المتناحرة، وإضافة العنصر المذهبي على الصراع. أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد إستغلت وجود هذه الحركات لتسوق لحلفائها في المنطقة أهمية دورها "كمورد" للسلاح والعتاد، و"كمتشار" يزودها بالخبرة والمعلومات، و"الحامي" من خلال الضربات الجوية- وأشارت العديد من التقارير إلى القفزة النوعية في عائدات صادرات السلاح الأمريكية في السنوات الأخيرة. روسيا التي تعلم أن أحد أهداف الولايات المتحدة الأمريكية من الإتفاق النووي الإيراني هو زيادة الضغط عليها وإلحاق الضرر بإقتصادها (حيث أن الإتفاق سيؤدي حتماً لدخول منافس كبير في سوق البترول وبالتالي إنخفاض في أسعار النفط) لم يكن لها خيار سوى مباركة هذا الإتفاق أملاً في تأمين مصالحها في المنطقة وخاصة مع علمها بأهمية شبكة حلفاء إيران والحركات التي تدين لها بالولاء في المنطقة.   

هؤلاء الفاعلين- غير الدوليين- أصبحوا واقعاً وجزءاً من هذه المنطقة، ورغم الإعتراضات المتكررة من دول المنطقة على وجود هذه الحركات، ورفض جميع الأنظمة لفرضية أن المنطقة تتجه إلى سياكس بيكو جديد، إلا أن مجريات الأمور تشير إلى عكس ذلك. فمنذ بدء الضربات الجوية الأمريكية على تنظيم الدولة "داعش"، تمدد التنظيم لمساحات أوسع بكثير عما كان عليه قبل بدء هذه الضربات، وأصبحنا نرى مقاتليه أكثر تدريباً وتسليحاً، وباتت فعاليتهم الإعلامية واضحة تماماً، على الرغم من مزاعم الرقابة الدقيقة على الإنترنت والأقمار الصناعية. نجاح وتمدد تنظيم الدول حفز آخرين إما لمبايعتهم أو الحذو حذوهم، وبات خطر هذه الحركات يدق أبواب عواصم المنطقة بعد أن فقدت مناعتها في أعقاب ما يسمى بالربيع العربي.

ورغم التشكيك الدائم في ظروف نشأة معظم هذه التنظيمات، وأهدافها الحقيقية (غير المعلنة)، والتحليلات الكثيرة التي أظهرت ملامحاً مريبة في أفعال هذه الحركات، إلاّ أن المنطقة تراها تنزلق لا إرادياً صوب نهاية يبدو أن آخرين قد رسموها، وبطبيعة الحال كان تشويه صورة الإسلام بشكل عام أهم إنجازات هذه الحركات، ناهيك عن الإساءة إلى وإضعاف دور مقاومة إسرائيل، التي بدأت تدخل ديناميكيات هذه المنطقة عبر بوابة هذه الحركات. فبعد أن ضمنت إسرائيل مناعتها عن أية آثار لصعود أولئك الفاعلين، بدأت تشبك علاقات على مستويين، الأول مع العديد من أنظمة المنطقة (التي تشابكت مصالحها معاً ولو من الناحية النظرية)، والثاني مع بعض هذه الحركات لخدمة مصالح إستراتيجية تزيد من حالة الشقاق في المنطقة وإضعاف القوى التقليدية العربية إضافة لإبعاد الأنظار عن إسرائيل وجرائمها.

وفي الختام يمكننا القول بأن اللقطات تكررت وتشابهت، في اليمن وفي ليبيا، في العراق وفي سوريا، دمرت بيوت، بل أحياء، لا بل بلدات، مسلحون مقنعون، وبعضهم ملتحون، يمتطون مركبات، يطلقون نيران كثيفة وصليات، صوب هدف غير موجود، ولكنها بكل تأكيد ستخترق جسد عربي آخر غير معروف، مخلفين أرقام جديدة من القتلى، من الثكلى، من اليتامى ومن لاجئين جدد، يبكون حاضرهم، يتحسرون على يومٍ جفف العرب فيه أنهار مجدهم، يوم وأدوا فيه عزتهم ونحروا فيه وحدتهم. ففي ليلة سوداء طالت حلكتها وضل في ظلمتها جميعنا السبيل، بدا وكأننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقتٍ مضى إلى عمر مختار جديد، ليكون مثلاً أعلى لجيل عربي محبط حزين، لم ير سوى نكسات بعد نكبات وفرقة ينشدها عدونا البعيد... نحتاج لصلاح دين جديد، يوحد المتفرقين ويجمع المتشرذمين ويعيد مجد تليد، يوقف نزيف كرامة، ويضع حد لإهدار مقومات أمة، كانت ذات يوم أرقى منارة علم، وأعذب ينبوع حضارة عرفتها البشرية على مر السنين.    

 


From: [email protected]

To: [email protected]

Subject: مقال جديد للنشر

Date: Tue, 12 May 2015 05:31:46 -0300

  

الإخوة الزملاء،،،

 

أتمنى أن تصلكم رسالتي بأفضل حال.  أرفق لكم مشاركة جديدة  ومقال حول الحكومة الإسرائيلية الجديدة

يرجى إخطاري عند النشر مع الشكر.

فادي الحسيني

 Fadi Elhusseini 

Doctoral Candidate| University of Sunderland, Britain

Associate Research Fellow (ESRC)| IMESC, Canada Maple leaf

 

 Mobile: +(97) 0599 72 55 71 | +(20) 100 019 65 80 | + (20) 120 622 66 46

 E-mail: [email protected] | [email protected] | [email protected] 

Connect with me via 

Twitter: @FElhusseini

https://www.facebook.com/fadiFHLhusseini 

http://felhusseini.wordpress.com/

حتى وإن أراد، هل يستطيع أن يصنع نتنياهو سلاماً مع الفلسطينيين؟

فادي الحسيني| 10 مايو 2015

ساعة ونصف فقط فصلت بين نتنياهو وكابوس سياسي لم يسبق له أن عاشه من قبل. نعم، كانت فرحته، وثقته بتشكيل إئتلاف في وقت قصير على المحك، وتشابهت توقعاته بتشكيل إئتلاف حكومي سريع مع تلك التوقعات التي لم تر نصراً له في الإنتخابات عشية يوم 17 مارس 2015. ورغم إتصال الكثير من رؤساء الدول والحكومات بنتنياهو ليباركوا له هذا النصر، إلاّ أن ذات العواصم لم تخفِ إحباطها وتخوفها على مستقبل عملية السلام بعد هذا النصر. إستطاع نتنياهو من تشكيل حكومته بشق الأنفس، وعلى الرغم من أن المنطقة العربية باتت تتجرع حروباً وإقتتالاً، ظل الإعتقاد السائد لدى جميع الساسة العرب والغرب على حد سواء بأن القضية الفلسطينية وحل الصراع العربي الإسرائيلي هو مفتاح حل جميع مشاكل المنطقة. ولكن، حتى وإن أراد، هل يستطيع أن يصنع نتنياهو سلاماً مع الفلسطينيين؟

التسعون دقيقة الأخيرة التي جلبت حكومة نتنياهو الرابعة وقبل إنتهاء المهلة القانونية التي منحها الرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين تلخص جوهر القضية. الكاتب بين كاسبيت رأى أن ما حدث هو محاولة إغتيال سياسي صريحة مدبرة من وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، فللأخير قائمة طويلة من الأسباب التي تجعله يفكر في الإطاحة بل الإنتقام من نتنياهو. إنتظر ليبرمان ليترك بضع ساعات قبل إنتهاء المدة القانونية الممنوحة لنتنياهو لكي يعلن إستقالته من منصبه وعدم رغبته في الإنضمام إلى إئتلاف نتنياهو الجديد، وذلك لكي يمنع نتنياهو من البحث عن أحلاف جديدة، وبالتحديد مع زعيم المعسكر اليهودي إسحق هيرتزوغ.

ومن هنا أصبح قدر نتنياهو السياسي متوقفاً على قرار زعيم حزب البيت اليهودي نافتالي بينيت، الذي أنقذ بدوره نتنياهو وقبل الإنضمام إلى الإئتلاف في آخر ساعة ونصف من وقت المهلة المذكورة. ومنه، حظيت هذه الحكومة الوليدة الجديدة على أغلبية صغيرة (61 صوت) في الكنسيت، وأصبحت تخضع للكثير من الضغوط والإبتزازات والتحديات. ليبرمان هو أحد أهم هذه التحديات، حيث أعلن صراحة أن هدفه الرئيس أصبح إسقاط حكم نتنياهو ووأد أية فرصة لنجاحها.

فليبرمان يرى أن نتنياهو غير قادر على فعل شيء، بل إنتقد الكثير من سياساته، مثل عدم وفائه بوعوده بإلغاء الإصلاحات التي تتعلق بالمتشددين (ألترا أورثوذكس)، وقراره زيادة عدد الحقائب الوزارية، ومحاولته إرغام جميع شركاء الإئتلاف التوقيع على شرط ضمان حكم نتنياهو الحصري على وسائل الاعلام الاسرائيلية، إضافة لمحاولة إستقطاب إسحق هيرتزوغ الذي كان بكل تأكيد سيحل محل ليبرمان كوزير للخارجية. ولكن قد يكون السبب الأهم وراء تشدد ليبرمان حيال نتنياهو هو إتهامه للأخير بتدبير تحقيقات الشرطة التي فتحت ضد كبار مسؤولي حزبه قبيل الانتخابات.

وبعيداً عن أسباب هذا الحنق الكبير الذي يحمله ليبرمان حيال نتنياهو، نجح نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية قومية دينية تتألف من أحزاب الليكود، يهدوت هتوراة، شاس، كولانو، والبيت اليهودي. وحتى يأتي ذلك الوقت الذي يستطيع الليكود من توسيع هذا الإئتلاف من أجل الحصول على المزيد من المقاعد لتؤهله التخلص من البيت اليهودي، تبقى هذه الحكومة مسيطر عليها من الأحزاب الدينية والمتشددة.

هذا الإئتلاف خلق جواً من الأرق وسط الكثير من الأوساط السياسية في العالم أجمع، إلى حد أن وصف بعض المراقبين الغربيين ما حدث  بجحيم دبلوماسي وكابوس سياسي قد يضع إسرائيل على طريق التصادم مع الولايات المتحدة الأمريكية والكثير من حلفائها. الإنتقادات لم تكن فقط من خارج إسرائيل، بل وصلت الإنتقادات شوارع إسرائيل، فوصف هيرتزوغ ما حدث بالفشل الوطني.

الكاتب ألون بن مائير رأى أن فوز الليكود بحد ذاته هزيمة لإسرائيل، مقللاً في الوقت نفسه من أية فرصة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في ظل حكم نتنياهو، ورشح أن تلقى محاولات الفلسطينيين في اللأمم المتحدة والمنابر الأممية قبولاً أمريكياً ودولياً أكثر من أي وقت مضى. هذه الإستنتاجات تقاطعت تماماً مع تصريحات دولية عديدة، وإنسجمت مع الإحباط الأمريكي من إسرائيل بسبب حجم الوقت والأموال الذان إستثمرتهما في عملية السلام دون جدوى. في ذات السياق، لم يخف الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر غضبه من نتنياهو، وشن هجوماً حاداً على الأخيرمعتبراً أنه سبب فشل جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري.

نتنياهو يدرك تماماً هذا الأرق الدولي، لكن ما يهمه هو بقائه في سدة الحكم، ولهذا لم تكن مستغربة أن غير موقفه حيال الدولة الفلسطينية أو حل الدولتين خلال أقل من يومين، أي قبل وبعد الإنتخابات، فقبل الإنتخابات رفض فكرة إقامة دولة فلسطينية من أجل جمع المزيد من تأييد المتشددين الإسرائيليين، أما بعد الإنتخابات والإطمئنان على نتائجها، بات تهدئه الغرب وتقليل هواجسهم أمراً هاماً يستدعي التصريح بأنه مع حل الدولتين.

هذه الإزدواجية لم تلق صدً كبير، فلسطينياً أو حتى دولياً، وهي إن عكست شيئاً تكون قد عكست فداحة مستوى الثقة التي يتمتع بها نتنياهو مع شركاء السلام المفترضين (الفلسطينيين)، والراعين المفترضين للسلام (الأمريكيين)، وغيرهم من القوى العالمية الأخرى كالإتحاد الأوروبي وروسيا.

الجميع بات يعلم أن البحث عن السلام في ظل حكومة بهذه الشكل، وبرئيس لهذه الحكومة بهذه الصفات، أمراً غاية في التعقيد، فحتى في ظروف أفضل، كان قرار السلام أمراً معقداً للغاية في إسرائيل. فعندما كان إسحق رابين رئيساً للحكومة الإسرائيلية، وكان الشارع الإسرائيلي أكثر إستعداداً لاتفاق السلام، قُتل رابين بأيدٍ إسرائيلية لأنه تجرأ من الإقتراب من الخطوط الحمراء، وعلى رأسها مدينة القدس. ومنه، فأي زعيم سياسي إسرائيلي سيفكر ملياً في العواقب الخطيرة قبل اتخاذ قرار يتعلق بقضايا الوضع النهائي كالقدس والحدود واللاجئين.

وحتى إن تغيرت الصفات الشخصية نتنياهو وتملكته الشجاعة الكافية ليفكر في جلب جميع شركاء إئتلافه نحو السلام، سيجد سداً منيعاً متمثلاً في الكثير من المتشددين داخل إسرائيل، وعلى رأسهم ليبرمان الذي سيجد مبتغاه وسينقض على هذه الفرصة المواتية لاسقاط حكومة نتنياهو ليظهر بمظهر البطل القومي.

في ظل هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تبدو فرص السلام في أحلك أوقاتها. قد يُقنع نتنياهو إئتلافه الحكومة بضرورة الإقدام على تحركات تكتيكية من أجل إرضاء الحلفاء والأصدقاء الدوليين، أو من أجل وقف نزيف الثقة بين إسرائيل والمجتمع الدولي، ولكن الأمر المؤكد هنا هو أن هذا التكتيك قد يضمن إستمرار أحاديث السلام أو إحياء المفاوضات لأجل غير معلوم ودون تقديم شيئاً قد يؤدي في نهاية المطاف لإسقاط هذا الإئتلاف الهش.

فادي الحسيني، باحث مشارك بمعهد دراسات الشرق الأوسط، ومتخصص في شؤون الشرق الأوسط.