أخيراً.. يا .. ديمستورا ؟؟..
عقاب يحيى
عندما يطالب المبعوث الدولي : ديمستورا الأسد بالرحيل.. فهذا يعني الكثير..وعندما يصرّح بأن لا دور للأسد في مستقبل سورية..فإنه يكون قد تبلغ رسالة الحقيقة، ووصل، وأوصلوه إلى النتيجة الطبيعية : الحقيقة الثابتة التي كان يجب التمسّك بها من سنوات لو ارادوا فعلاً فرض حل سياسي يوقف هذه المقتلة، وهذا الدمار المعمم.. وقبل أن يولد التطرّف من ارحامهم جميعاً، ويغذّونه بمواقفهم وسياساتهم المائعة، النهجية .
ديمستورا حتى الأمس كان مصرّاً على بقاء الأسد والتفاوض معه، واعتباره، ونظامه اساساً لية مفاوضات، وجميع أفكاره، ومشاريعه، وتصريحاته انطلقت من تلك الحكاية..بل أكثر من ذلك كان يريد إقامة مخبر تجريبي صغير، متنقل، فيما أسماه الهدن المتدرجة، والمنفصلة، وعدم إتيانه بذكر لجنيف واحد واثنين، كمرجعية، لدرجة أن الكثيرين طالبوه بجمع أوراقه والذهاب إلى متحف صغير للإقامة فيه .. وكتابة مذكرات هامشية .
تصريحاته الجديدة تعني أن الكأس فاض، وأن "المجتمع الدولي" باض أخيراً.. حقيقة الحقائق.. أن مجرما من هذا العيار يستحيل أن يكون جزءاً من الحل، لأنه المصيبة والوباء، والمسؤول الأول، والأساس عن كل الذي جرى ويجري.. وأن رحيله بوابة طبيعية لإمكانية التوصّل لحل سياسي حقيقي يرسي مرحلة انتقالية تشتلع الاستبداد وكبار رموزه، وتدشّن مهمات الانتقال للنظام التعددي، وتضع مرتكزات المصالحة والتسامح، وفتح صفحة جديدة في مسار متكامل يستجيب لجوهر التغيير الشامل، واجتثاث بنية الاستبداد وأثره.. ويرسي قيام مؤسسات تعددية، ووطنية تستجيب لعملية الانتقال الشامل، وفي مقدمها بناء جيش وطني، وحل الأجهزة الأمنية وبناء جهاز أمني مختص بحماية أمن الوطن والمواطن .
ـ من ثلاثة أعوام تقريباً نصّت وثائق القاهرة ـ تموز 2012 ـ للمعارضة على هذا المضمون ـ الشرط ـ وجرى أكبر توافق على وثيقة العهد من قبل طيف واسع من المعارضة وفعاليات الثورة.. ثم تملّص البعض، وتنصل بحجة تغيير ميزان القوى.. وقصة الدجاجة والبيضة، والعربة والحصان.. وألف تفسير، وتبرير..كي تؤرشف تلك القرارات الهامة.. ونعود من جديد إلى حكاية التوافقات، ومضمون الحل السياسي، ومرتكزاته.. والتفاوض والحوار والصلح.. وأفكار كثيرة مشلوحة في خزانات الفهلوية .. بينما كان النظام المجرم يحطم كل الخطوط الحمراء والصفراء.. ويمضي في فعله الإبادي المنظم، والطائفي الهادف إلى إيقاع الثورة في أتون مطحنة الحرب الأهلية.. واستقدام المليشيات الطائفية، والاحتلال الإيراني.. وتغول التطرف وعنوانه داعش.. وكل ما جرى من خلط للأوراق والتخوم والمفاهيم ..وينسف أي مقومات لحل سياسي بحدّه الأدنى .
***
لا يمكن في تاريخ الشعوب والأمم أن يكافأ قاتل بالبقاء على رأس الحكم، وألا يحاكم ويلقى الجزاء الطبيعي الذي يستحق.. تلك قضية مبدئية، وجوهرية تتجاوز كل الحكايا عن موازين القوى، والعقلانية، والممكن.. لأن اي حل، اي مصالحة، اي انتقال للتعددية لا يستقيم ولن يجد الحياة بوجود العلة والسرطان ..وأهل القرار في المجتمع الدولي يعرفون تلك الحقيقة ومعها كل التفاصيل، لكنهم لم يقوموا بواجبهم تجاه الشعب السوري وحقوقه، وكان لذلك أسباب تعود إلى مصالحهم ومخططاتهم بإنهاك البلد، وتدمير بناه التحتية، وإغراقه بالصراع المذهبي والإثني .
نعم معظم السوريين مع الحل السياسي.. لكنه ليس الحل الأقوال، والشعارات..إنه التتويج لتضحياتهم ومطالبهم بالحرية والنظام الديمقراطي، وتكنيس نظام الفئوية والقتل لإقامة البديل الطبيعي.. وحين يجدون أن المجتمع الدولي عازم على لعب دوره المأمول سيجتمعون ويجمعون حينها للبدء بمسار جديد يغادرون فيه القتال، والصراع، وبدء عمليات الإعمار، وبناء الدولة الجديدة .
ـ اليوم تغيّرت موازين القوى على الأرض، والنظام ينهار ويهرب، ويترك جنوده ومليشياته لموت زؤام، وبدلاً من ان يعترف بالحقيقة، وبأنه لا يمكن هزيمة شعب يملك إرادته، وأن مصيره محتوم.. وبدلاً من أن يعمل" أصحاب القرار" في الطائفة والنظام على توفير مزيد التضحيات والدمار والأحقاد بالخلاص منه ومن كبار رموز القتلة .. تحضر إيران بجيوشها ومرتزقتها، وتستجلب له مزيد الحاقدين من شتات الدنيا كي تُبقي النار السورية مستعرة، وتؤخر قليلا سقوطه.. المغمّس بمزيد الدماء والخراب.. ومحاولات إشعال نار الحرب الطائفية بوقود يبّسها حقد تاريخي مصنّع، ومشاريع قومية مذهبية .. بات واضحاً للجميع أنها معادية للعرب وصبواتهم، ومصيرهم، ومستقبلهم .
سيسقط القاتل.. لا محال.. لكننا نأمل أن يكون ذلك بخسائر اقل، وزمن أقصر.. ولن يكون له موقع سوى المكان الطبيعي الذي يليق بكبار المجرمين في التاريخ.. هو ومن معه من كبار القتلة، السفاحين .. وسيواجه المشروع الإيراني اختناقاته لأنه تجاوز حدوده، ولأنه أراد التمدمد على حساب قضايا الأمة العربية، وبلدانها، وهويتها.