ما يترشح بعضهم للعمل النقابي إلا ليقربهم ذلك إلى المسؤولين زلفى طمعا في الامتيازات
ما يترشح بعضهم للعمل النقابي
إلا ليقربهم ذلك إلى المسؤولين زلفى
طمعا في الامتيازات
محمد شركي
من المعلوم أن العمل النقابي يقوم أساسا على التضحية من أجل الآخرين مع نكران الذات ، ويتطلب الجهود المضنية التي تجعل الإنسان يشفق منها على نفسه. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يصر البعض على خوض غمار هذا العمل الشاق والمضني ، ويبذل قصارى جهده ليلج عالمه ؟ والجواب عن هذا السؤال يفرض فرضيتين : الأولى أن الراغب في هذا العمل الشاق صاحب مبادىء وناكر لذاته ،ومؤثر لغيره على نفسه ، وهو بذلك إنسان فاضل ونادربحكم ما يهيمن على بني آدم من أنانية وحب للذات ، والثانية أنه انتهازي ووصولي يتخذ العمل النقابي وسيلة لتحقيق مصالحه الشخصية، ومطية يركبها لبلوغ ما يريد ،وهي الفرضية الأكثر رجحانا باعتبار ما يحدث في الواقع غالبا . وإذا كانت الرغبة في ممارسة العمل النقابي بدافع الطمع في تحقيق المصالح الشخصية والفوز بالامتيازات ،فغالبا ما يكون صاحبها من طينة وضيعة يعاني من عقدة الشعور بالدونية في وسطه ومحيطه فيقبل بنهم وشراهة على العمل النقابي ليغالب تفاهته ويخفف من وطأتها. وقد يكون من النوع الفاشل في عمله ومهمته فيجد نفسه أمام تأنيب الضمير ومراقبة المسؤولين ،ومن ثم يلتمس الخلاص من مطرقة الضمير وسندان المسؤولين في طرق باب العمل النقابي مستغيثا ومستنجدا .وعندما يسأل أمثال هؤلاء ما الذي حملكم على ركوب مركب العمل النقابي المضني يجيبون بكل جواب ممكن إلا الجواب الصحيح الذي يعبر عنه واقع الحال لا واقع المقال . ويخشى أمثال هؤلاء من أن يسقط عن سوءاتهم ورق الجنة الساتر، فيفيضون في سرد الأسباب التي حدت بهم إلى المغامرة في مضمار العمل النقابي، ويحرصون على أن تكون مبادىء وقيما وأخلاقا ومروءة وشهامة وتضحية ... وما إلى ذلك من فضائل المدينة الفاضلة . وحقيقة هؤلاء هو ما يصرح به الحال لا ما يموه به المقال، ذلك أنهم لا يترشحون للعمل النقابي إلا ليقربهم ذلك إلى المسؤولين زلفى طمعا في تحقيق مصالحهم ونيل الحظوة والامتيازات . فكم من مغمور ظل يحلم لسنوات طويلة ب مجرد دخول مكاتب المسؤولين والتي يكون ربما دخلها مذموما مدحورا ليوبخ أو يعاقب فإذا به يلجأ إلى العمل النقابي فيدخلها بعد ذلك دخول الفاتحين ، ويسر غاية السرور باستقبال المسؤولين له ،وكانوا من قبل ينظرون إليه نظرة احتقار وازدراء ، وينتشي حين يحس منهم بما يدل على تملقهم له والتودد إليه ، وهو في الحقيقة عندهم مجرد مصاصة مياه المجاري بها يتخلص من تراكم الأدران. ومعلوم أن المسؤولين لا يكترثون بالعناصر النقابية في حد ذاتها بل لكونها تمثل فئات يخشى بأسها . ويستغل المرتزقة بالعمل النقابي نقطة ضعف المسؤولين في هذا الأمر بالذات لممارسة أنواع منحطة من الابتزاز للحصول على مختلف الامتيازات أدناها الدخول على المسؤولين في كل وقت وحين ودون استئذان لأن المسؤولين وبدافع النفاق مع النقابات غالبا ما يكررون عبارة : " مرحبا في كل وقت وحين " وذلك حتى حين يضعون ثيابهم ، وهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، وهي عبارة تطرب الوصوليين والانتهازيين من النقابيين أشد الطرب ،ويعتبرونها امتيازا كبيرا بل ربما استشعروا نشوة الانتصار على صلف المسؤولين عنجهيتهم عند سماعها وتكرارها.ومعلوم أن لعبة المسؤولين مع النقابات تقوم أساسا على مقايضة المصالح وتبادلها . وخلال ما يسمى الحوار بين الطرفين تنشط أسواق المقايضة ،ويقوم المشتغلون بالعمل النقابي بدور السماسرة ، علما بأن السمسرة لها مقابل ، والسماسرة في الغالب لا ماء في وجوههم ولا هم يخجلون، فينتهزون الفرص لتمرير مطالبهم الشخصية، ويكون تحقيقها هو أجر السمسرة . ولا تنقل جلسات الحوار بين المسؤولين والمشتغلين بالعمل النقابي نقلا أمينا ، وربما تم التكتم عليها جملة وتفصيلا لأنها تشمل أحاديث السمسرة المخزية في الكواليس . وقد لا يتورع بعض المشتغلين بالعمل النقابي من الاستخفاف من القواعد المراهنة عليهم والسخرية بها فيتندرون بها في حضرة هؤلاء المسؤولين، ويتحدثون عنها وكأنها قطعان ماشية ،وذلك لطمأنتهم بأنهم يملكون زمامها، ويسوقونها سوقا ، وأنه لا يخشى بأسها مع وجود المروضين الذين يتقاضون أجر الترويض . ويختلف حال المشتغلين بالعمل النقابي حين يختلون بقواعدهم حيث يهيمن الإيقاع الحماسي على خطابهم ، وتبلغ عنتريتهم أوجها ، والواقع أنهم يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، وأنهم يقولون ما لا يفعلون . وتعرف بعض العناصر بكونها لقيطة من حيث انتماؤها الإيديولوجي، فهي تنتقل من توجه إلى آخر ،وتغير جلودها كما تفعل الثعابين ،وذلك رهانا على الانتماء إلى التوجه المفضي إلى أكبر قدر من الامتيازات . وأخيرا أستثني من هذا الوصف الذميم كل صاحب ضمير حي يمارس العمل النقابي ، ولسانه على قدر ذراعه كما يقال بحيث لا يسجل عنه تهاون في عمل أو مهمة ، ولا يتخذ العمل النقابي ذريعة للتملص من الواجب ، ولا يرتزق به ولا يتزلف به ، ولا يطعن في مروءته وشجاعته وفضيلته ، ولا يأتي مخارم المروءة مما تأتيه العناصر الوضيعة من الوصوليين والانتهازيين وساء أولئك رفيقا .