ديكتاتوريون حتى النخاع
نافز علوان
نحن، كعرب، نفهم الأمور من مؤخراتها. نفهم أن الديموقراطية هي حرية التخريب والهدم والسب والخروج إلى الشوارع عراة حتى من أبسط مبادئنا وأخلاقياتنا، هكذا نرى الحرية وهذا هو مفهوم الحرية لدينا. أما أن نحافظ على المنجزات ونبقي على ما هو نافع ونحترم من كان يعمل في صمت حتى ولو كان من يعمل في هذا الصمت كان يعمل إبان عهد سفاح أو ظالم يجب أن نشجبه ويجب أن يموت لماذا؟ لأنه كان أحد رموز العهد البائد. ولكنه بنى وعمر وقدم خدمات جليلة. لا يهم. المهم هو الموت لرموز عهد الطغيان. والديموقراطية لدينا هي إلغاء الآخر وليس احتواء الآخر. مفهوم الحوار لدينا أن تنتصر جهة على أخرى وليس تقريب وجهات النظر والخروج بفكرة أكبر وأعظم مما يقدم المتحاورين. ديكتاتوريون حتى في ديموقراطيتنا والغالبية لدينا ممثلة في من يخرجون إلى الشوارع حتى وإذا كانت اعداد هؤلاء المتجمهرين في الشوارع لا تشكل واحد في المائة من التعداد السكاني للبلاد ولكن لأنهم خرجوا ولأنهم في الشوارع فلا بد وأنهم على حق ولا بد وأنهم الأغلبية وهم في حقيقة الأمر وكما ذكرنا لا يمثلون أكثر من هذا الواحد بالمائة الذي ذكرنا والمصيبة إذا قمنا باستفتاء قامت الغوغاء المسيطرة على الشوارع بجمهرتها في تلك الشوارع، قامت بالسيطرة على هذا الاستفتاء لأننا كما ذكرن لكم عدنا إلى مرحلة وعهد من يخالفنا فهو عدونا اللدود ولا بد من موته وإقصائه فتخرج نتائج استفتاءاتنا الشعبية مزيفة ولا تمثل بأي شكل من الأشكال رغبة الشعب وفجأة وإذا بنا في عهد قمعي جديد تحت مسمى حرية زائف وتحت سيطرة عصابة جديدة ولكن باسم الديموقراطية هذه المرة.
وطبعاً نحن العرب متخصصين في الهدم، الهدم السريع. نبني ونعمر ثم لسرعان ما تجتاحنا غوغائية تهدم ما بنيناه. ولكن الذي بنى كان طاغية سفاح. وما ذنب المباني والمنشئات حتى ولو كان بانيها سفاح أو طاغية أو ظالم؟ وهكذا تحت شعار إزالة آثار العهد البائد نعود أدراجنا عشرات السنين ولكي نبني من جديد يلزمنا ثروات جديدة ولصوص جدد وإذا بنا نعيد أخطاء الماضي وإذا بنا نطيح بطاغية وسفاح جديد.
دعونا لا ننسى أن من نطيح بهم اليوم كان أيضاً ثواراً بالأمس ووقفنا معهم وهتفنا لهم حتى تفتقت حناجرنا اليوم عن هذه الهتافات التي تطالب بإطاحتهم اليوم وما أشبه اليوم بالبارحة وكم نخاف أن غداً سيكرر المشهد ونحن نحسب أننا في مشهد جديد.
ما الذي نصنعه بأنفسنا اليوم بالله عليكم؟ هذا هو اليمن قام القات بتغييب عقل هذا الشعب لعشرات السنين وهاهو يقاتل ويذبح نفسه اليوم وهو مُخَزّن. الشعب اليمني يموت ولا تزال مضغة القات في فمه، أي ثورة هذه وأي ثوار هؤلاء؟ والإخوة في مصر يحكمهم ضابط عسكري قام بالتوقيع والمصادقة على كل ترقياته العسكرية من يرقد اليوم سجيناً، حسبما يدعون، في أحد المستشفيات العسكرية يؤدي له التحية العسكرية كل من يدخل إلى غرفته ويخاطبوه بلقب سيادة الرئيس بمن فيهم الضابط العسكري الذي يحكم مصر اليوم. يحارب هذا الرئيس العسكري لجمهورية مصر طواحين الهواء بسيف من ورق، قام بطلعة جوية ودمر مبنيين أو ثلاثة قالوا إن قتلة المصريين المسيحيين كانوا متواجدين في تلك المباني الثلاث ولا جثث لهم شاهدنا ولا حتى من هم على الأرض أكدوا للعام هذا الأمر. ضربة واحدة ثم عادت النسور المصرية إلى أعشاشها ولم نراها مستمرة في قصف بؤر دولة داعش والتي هي على مشارف السلوم على الحدود الليبية ينتظرونهم أن يدخلوا الحدود المصرية لحربهم بدلاً من سحقهم داخل الأراضي الليبية كما تفعل المملكة العربية السعودية حتى وإن كانت المملكة قد تأخرت في هذا الأمر وكان أمر القضاء على الخطر الحوثي أسهل بكثير قبل ثلاث سنوات مضت إلا أنهم والشهادة لله فعلوا ما عجزت مصر عن فعله فيمن يهددون حدودهم ولولا )هزلية( شخصية وزير الخارجية السعودي الجديد رابح صقر عفواً أقصد عادل الجبير ورعبه من الإيرانيين لسابق محاولة اغتياله وهو سفير لدى واشنطن وشدة التقليل من الشأن الإيراني الذي كان يبثه في آذان أصحاب القرار في المملكة العربية السعودية ولو كان وزير الخارجية السعودي رابح صقر عفواً أقصد عادل الجبير يصلح وزيراً للخارجية لقام المغفور له الملك عبدالله بن عبد العزيز بترقيته إلى ذلك المنصب ومعروف أن رابح صقر عفواً أقصد عادل الجبير كان من أشد المقربين للملك عبدالله رحمه الله ورغم ذلك لم يكن يراه كفئاً لذلك المنصب الحساس، المهم، بسبب عدم صلاحية رابح صقر عفواً مرة أخرى فالشبه بين رابح صقر وعادل الجبير شديد جداً، بسبب عدم صلاحية عادل الجبير أن يكون وزيراً للخارجية لأسباب عديدة منها ضعف شخصيته وانعدام القابلية الدولية لديه فهو ليس مقبول دولياً على الإطلاق ليس بالمتحدث البارع وعلاقاته الدولية محدودة جداً ثم أن المركز الذي يعتليه اليوم هو كبير وواسع جداً عليه وخصوصاً أنه يخلف من؟ يخلف أكثر وزير خارجية في العالم شهرة وصيتاً فأين الثرا من الثريا في اعتلائه ذلك المنصب وهذا هو سبب عزوف بقية الدول العربية والعالمية من المشاركة الفعلية في القضاء على ما يدور في اليمن ولو كان سعود الفيصل في منصبه لوجدتهم عرباً وغرباً يصطفون بجيوشهم على الحدود اليمنية ولإنتهت مشكلة اليمن في أسبوع واحد.
نخاف أن نعترف أن شعوبنا العربية لا تصلح فيها الديموقراطية لأننا فقط معجبون بإسم الديموقراطية هذا، ولأننا في الحقيقة ديكتاتوريون حتى النخاع عند تسلمنا زمام الأمور.