سوريا... والأمن القومي التّركي

د. سامر عبد الهادي علي

عملت الكثير من الجهات الإقليمية والدولية، وبضخّ ٍإعلاميٍّ كبير، منذ أن تحولت الثورة السوريّة إلى ثورة مسلّحة، على تصوير المشهد السّوري بأنّه يتجه إلى التّقسيم، وقد روّجت الكثير من مراكز البحوث والدّراسات الإقليمية والدّولية لهذه القضية، ساعدها على ذلك إعلام عالمي، وحتى عربي، لبثِّ هذه الأفكار وتسويقها لدى الرأي العام.

إنّ الكثير يعلم يقيناً أنّ هذه القضية لا يمكن لها أن ترى النّور، على أرض الواقع، لما لذلك من تداعيات إقليمية ودولية كبيرة جدّاً، ربما تؤدّي إلى تغيير المشهد الدّولي برمّته، حيث إنّ تقسيم سورية يعني بالضرورة لاحقاً تقسيم تركيا والعراق وإيران، وصولاً إلى منطقة البلقان، وحتى الجمهوريات الإسلامية على حدود روسيا.

   لذلك فإنّ هذا التهويل السياسي والإعلامي الغير مبرر لفكرة تقسيم سورية، ما هو إلا لتسويق أفكار سياسية من قبل القوى الدّولية، بهدف تمرير مصالحها القومية على حساب حرية وكرامة ودماء الشعب السوري وشعوب المنطقة عامة.

   وإذا ما أخذنا تركيا مثالاً على رفضها لما يُسمّى "تقسيم سورية"، لأدركنا أنّ هذه القضية بعيدة المنال، ففي أوّل تطوّر عسكري وسياسي على حدودها الجنوبية مع سورية، بما قام به الأكراد من عمليات احتلال وتهجير لبلدات وقرى عربية وتركمانية، بهدف تغيير التركيب الدّيمغرافي للمنطقة الحدودية مع تركيا، و"تنظيفها" ممن هم من غير الأكراد، بهدف إنشاء كيان كردي مستقل، وربّما دولة كرديّة، نجد تركيا تقف وبقوّة في وجه هذه التحركات الكرديّة، معتبرةً ما جرى ويجري سيؤدي إلى زعزعة الأمن القومي التركي، وقد جاءت التصريحات التركية من أعلى الهرم السياسي في البلاد، عندما صرّح الرئيس التّركي رجب طيب أردوغان بأنّ "تركيا لن تسمح بقيام دولة على حدودها مهما كلفها ذلك من ثمن"، وكذلك ما قام به من توجيه أوامره للجيش التّركي للتأهّب والاستعداد، وحشد القوات التّركيّة على الحدود مع سورية، تمهيداً لعملية عسكرية مرتقبة داخل الأراضي السوريّة، الهدف منها بطبيعة الحال القضاء على فكرة الأكراد في إنشاء كيان مستقل لهم.

   إنّ الرفض التّركي لفكرة قيام دولة كردية على حدودها الجنوبية مع سورية يعني بالتّأكيد رفضها لفكرة قيام دولة علوية أيضاً، فيما لو فكّر النظام السّوري باللجوء إلى هذا الخيار، رغم أنّه يعلم جيّداً أنّ هذه الفكرة غير قابلة للتنفيذ مهما تحدّث الإعلام عن ذلك، وروّج له.

إنّ تركيا تعلم جيّداً أنّ أيّ تغيير في الحدود السياسية لسورية، أو إنشاء كيان ما فيها، يعني تقسيم تركيا مستقبلاً، لذلك فإنّ تركيا تدفع أيّ ثمن –كما قال رئيسها- مقابل منع قيام ذلك، سواءً في الوقت الرّاهن، أو حتى في المستقبل، خاصّةً وأنّ إثارة مسألة الأمن القومي التّركي تؤدّي إلى تلاحم جميع أبناء الشعب التّركي حيال أمنهم القومي، وفي مقدّمتهم المعارضة التّركية نفسها.

إنّ تطوّرات الأحداث المتسارعة على الحدود السوريّة التّركيّة ستُظهر مدى واقعيّة هذا الطّرح، ومدى التّشدّد التّركي حيال أمنها القومي، وهو ما يدعونا جميعاً، كسوريين، للتفاؤل بأنّ سورية ستبقى دولة موحّدة، بعيداً عن أي سيناريوهات مطروحة إعلاميّاً، لا واقع لها على الأرض، وفضلا عن ذلك فإن معظم السوريين لن يقبلوا بالتقسيم.