بصراحة، ردة فعل تونسية ساذجة
قد أتفهم وأقدر إعلان رئيس الجمهورية التونسية حالة الطوارئ في تونس لمدة ثلاثين يوماً، ودعوة الحكومة لجيش الاحتياط لتعزيز الوجود العسكري والأمني في المناطق الحساسة، والمواقع الأكثر عرضة لاعتداءات إرهابية، وتكثيف الحملات والمداهمات لملاحقة العناصر المشبوهة والخلايا النائمة في إطار احترام القانون، عقب الاعتداء الذي استهدف يوم الجمعة 26 حزيران 2015 فندقاً في سوسة على الساحل الشرقي التونسي وتبناه تنظيم "الدولة الاسلامية"، أسفر عن مقتل 38 شخصاً معظمهم بريطانيون، وبعضهم ألمان وبلجيكيون وفرنسيون.
ولكن ما لا تستطع معدتي هضمه إعلان رئيس الوزراء الحبيب الصيد، إغلاق 80 مسجداً مبنياً من دون تراخيص، "وتبث السموم وتحض على الإرهاب"، على حد زعمه. وإعلانه أنه "سيوجّه إنذاراً لكل حزب أو جمعية لا تحترم المبادئ الأساسية للدستور التونسي الجديد وإذا لزم الأمر ستُحلّ".
فيما دعا الرئيس السبسي رئيس حكومته إلى "مراجعة" الترخيص القانوني لحزب لم يسمّه، قال إنه "يرفع العلم الأسود"، وذهبت الحكومة أبعد من ذلك حيث قررت "إعادة النظر في القانون المنظم للجمعيات خصوصاً في ما يتعلق بالتمويل وإخضاعه للرقابة القانونية للدولة"، وفق ما أعلن الحبيب الصيد الذي قال، إن "تمويل الإرهاب يأتي أحياناً من جمعيات تساند هذه الآفة".
هذه التصريحات المتتالية من الرئيس السبسي ورئيس حكومته الصيد تنم عن سذاجة وسطحية مع التعامل مع مثل هذا الحادث الكبير الذي ضرب استقرار وأمن تونس، وقد عرفنا من أحداث سابقة وقعت في بلدان عربية أخرى أن التعامل مع مثل هذه الأحداث لا يكون بردات الفعل الحمقاء والساذجة والسطحية وقد دفعت مثل تلك البلدان الثمن غالياً نتيجة تصرفاتها تلك.
المساجد لم تكن يوماً بؤراً أو ملاذاً لمثل هذه الجماعات الإرهابية، بل كان إغلاقها وملاحقة مريديها والتضييق على الناس في عباداتهم هي الدافع إلى مثل هذا التطرف، فشعوبنا متدينة بالفطرة وتغضب لكل ما يمس معتقداتها ودور عباداتها.
والأحزاب التي يغمز لها الوزير الأول هي أحزاب شرعية قامت وفق قانون للأحزاب، ورفع راية للحزب تدل عليه ليس سبة أو مستنكراً، فكل الأحزاب في العالم الديمقراطي تتخذ لنفسها علماً أو شعاراً يميزها عن غيرها من الأحزاب.
وإذا ما سار السبسي ورئيس وزرائه على هذا المنهج وهذه السياسة الخرقاء بالنسبة إلى إغلاق المساجد، ومراجعة قانون الأحزاب والجمعيات وإعادة النظر في منحها تراخيص العمل، فإن تونس ستشهد في قابل الأيام ردة إلى الوراء إلى عهد نظام بن علي الذي جعل من تونس كلها سجناً كبيراً ومركزاً أمنياً، يعبث بحياة الناس ويقيد عليهم حرياتهم ويحصي عليهم أنفاسهم ويتدخل في مفردات حياتهم ومعاشهم.
نرجو من القيادة السياسية في تونس أن تحسن التصرف ولا تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وتتعامل بكل عقلانية ووعي مع مثل هذا الحدث الإرهابي الذي هو من مخلفات العهد البائد ومكائده، وأن تضع يدها مع كل الأحزاب التي شاركتها في اللعبة الديمقراطية، وأن تشجع الدعاة والشيوخ لنشر الفضيلة والحب والتسامح، وأن تطلق العنان للمساجد لتأخذ دورها الدعوي كما كانت عليه تونس في تاريخها الغابر، حيث كانت القيروان والزيتونة منارتان كان لهما الفضل في ازدهار الحضارة في تونس والعالم الإسلامي والعربي، وسنكون كلنا إلى جانب تونس في محنتها ضد كل أشكال الإرهاب والتطرف.
وسوم: العدد 623