فرنسا يقلقها فرح الجزائريين
معمر حبار
حين يتعلّق الأمر بالجزائر، تتنفض فرنسا لأدنى الأسباب، وتحسب لها ألف حساب، وتعلن الطوارئ، والنفير العام.
قام فتية في ضواحي فرنسا، يحملون العلم الجزائري، ويهتفون بالجزائر، ويرددون شعارات رياضية، بمناسبة تأهل الفريق الوطني الجزائري للدور الثاني.
قامت قيامة فرنسا .. هذا يطالب بعدم رفع أيّ علم أجنبي، ويقصد بالطبع العلم الجزائري. وتلك تطالب بمنع نقل أيّ مباراة تضم الفريق الجزائري، عبر الشاشة العملاقة. وآخرون يطالبون بسحب الجنسية الفرنسية من كل أجنبي، يرفع علما غير العلم الفرنسي، ويقصدون كالعادة رفع العلم الجزائري. ولعلّ آخر الأعمال المشينة، حرق العلم الجزائري، بعد مباراة ألمانيا.
إذا أردت أن تفهم الموضوع، ضع الأرجل جانبا، فالأسطر لاتعالج هذه النقطة، ثم إن ماقامت به فرنسا، أعمق بكثير من هدف يسجّل ، أو تمريرة تمرّر. فالسلوك الفرنسي تجاه الجزائر، بدأ منذ عهد المروحة، ولا يبدو أنه ينتهي بتأهل أو انسحاب.
النقطة الثانية التي تستحق الوقوف، قبل الانطلاق في الموضوع، تتمثل في .. أن الذين احتفلوا بالفريق الوطني الجزائري من الناحية القانونية، هم الجيل الثال والرابع من الجزائريين الذين يحملون الجنسية الفرنسية. فقد ولدوا في فرنسا وبين أزقتها، ولم يعرفوا وطنا غيرها، ودرسوا فيها ولم يتعلموا على أستاذ غير الأستاذ الفرنسي، وتربوا على خيراتها وثقافتها، ونظامها الديني العلماني.
إذن السؤال المطروح .. مادخل الجزائر في الموضوع، وكأنها هي التي حرّتضهم؟ !. وكان على فرنسا، أن تلوم أجهزتها الإدارية والتعليمية والثقافية والدينية، عن إعلان فرح هؤلاء الشباب الفرنسي الجنسية، بالفرح بالفريق الوطني الجزائري، رغم أنهم لايعرفون الجزائر، وربما لم يزوروها قط.
بقيت ملاحظة، مفادها، لابد للجزائري الغيور على وطنه أن يطرحها، وهي.. احتفل بوطنك، وبكل مايفرح وطنك، داخل الوطن وخارجه، وأعلن عن الفرح، واكتب عنه. لكن احترم قوانين الدول التي ولدت فيها، والتي تقيم بين ظهرانيها. فالضيف يحترم تقاليد صاحب البيت، أو يمتنع بأدب، إن كان في الالتزام مايسىء ويضر. فالحرق، والتدمير، والتحطيم، والسطو، والاعتداء، مذموم داخل الوطن وخارجه، وسواء صاحبه أصيب بمصيبة، أو أعلن عن فرحه.
بقيت نقطة أخيرة، وهي صلب الموضوع، ولأجلها ، كانت هذه الأسطر والآهات، وتتمثل في .. بنيت عظمة فرنسا، واقتصادها القوي، على سواعد الجزائريين، وعرقهم بل دماءهم، منذ أن تعاملت مع الجزائري على أنه من الأهالي والطبقة غير المصنفة، التي تمنح لها قطعة الخبز، كصدقة يتصدق بها الفرنسي، مقابل عرق الجزائري طوال الليل والنهار.
لذلك تجد فرنسا، تفرح كثيرا بالجزائرين .. حين يبنون لها العمارات، ويشيّدون لها المصانع، ويعبّدون لها الطرقات، وينظفون لها المجاري، ويحملون عنها الأثقال، ويداوون مرضاها، ويتفنون في صناعة السيارات بأنواعها وأشكالها، ويقدّمون لها خيرة أبناءها وشبابها، ليموتوا لأجلها في الحرب العالمية الأولى والثانية، ويمنحون لها الأرجل، التي بفضلهم، رفت فرنسا الكؤوس فوق رؤوس الأمم، وأمست في المرتبة الأولى، وهي التي لم تكن تحلم بالمرتبة الدنيا.
لكنها تغضب، وتغضب بشدة، ويقلقها الجزائري.. حين يعبّر عن فرحه، والوقوف لنشيد بلاده، والهتاف بموطن الأجداد. مع العلم هذا الجزائري، يحمل الجنسية الفرنسية، مولدا ونشأة. فتحرق فرنسا العلم الجزائري، نكاية في فرحه، ويتهم بالعنصرية، حين يستعمل رأسه، وينهزم الفريق الفرنسي، وكأنه كتب على الجزائري ، أن لايشارك بني جلدته أفراحهم، ولو لأجل جلدة منفوخة.