قصة طفل دمشقي مشرد عمره 4 سنوات يجد رعاية من ضحية أخرى يبلغ 12 عاما
يبحث عن والديه في أحياء اللاذقية
اللاذقية - "القدس العربي" من سليم العمر: ليس غريباً أن تجد طفلاً مشرداً في سوريا يطعم طفلاً آخر لا يعرفه ولا يعلم حتى اسمه. هذا المشهد قد يؤثر ببعض المواطنين الغربيين في بلدان مشبعة بكل أنواع الرفاهية، لكنه لن يجد من يفكر مجرد تفكير في مجتمع أضنته الحرب، وجعلت في كل بيت قصة تبكي من يفتح بابها.
علي طفل عمره أربع سنوات من دمشق لا يعلم كيف وصل إلى اللاذقية، أمضى أكثر من أسبوعين في حدائق المدينة يأكل من حاويات القمامة ما يظن أنه طعام. اكتشف قصة علي طفل آخر اسمه عامر لا يتجاوز عمره الـ 12 عاماً، هو طفل مشرد أيضاً، تركه أباه مع خمسة إخوة وأمهم دون طعام أو مال.
ترك عامر دراسته ليعمل ويساعد والدته وباقي إخوته، ولكنه لم يجد عملا سوى (القراضة) حيث يجمع أدوات بلاستيكية من الحاويات ويبيعها بشكل يومي، وفي أثناء تنقله بين حاويات القمامة وجد علي يبكي. سأله عامر عن اسمه وسبب بكائه، فأجابه أن اسمه علي، وهو من العاصمة دمشق، أضاع أهله، ولم يعلم كيف وصل إلى اللاذقية. وارتفع صوته بالبكاء وهو يشكو حاله بأنه جائع، ولا مال عنده ولا طعام، فما كان من عامر إلا أن اشترى له سندويشة فلافل صغيرة، علّها أن تخفف من جوعه.
لم يعد عامر إلى أمه وإخوته لمدة أربعة أيام، ولم يذهب للعمل أيضاً، لأنه قضى تلك الأيام بصحبة الصغير علي، كانا يبحثان عن الطعام طيلة الأيام الأربعة بعد أن نفد ما لدى عامر من نقود، لكن الأخير لم يتردد في نهاية المطاف في أن يصطحب معه علي إلى منزله المتواضع في حي الرمل الجنوبي أحد أبرز الأحياء المعارضة في اللاذقية، التي لم تلاق أي اهتمام في زمان بشار الأسد ما قبل الثورة، فكيف سيكون حالها الآن في ظل الثورة؟.
أخذ عامر الطفل الصغير علي إلى منزله، ولم تستطع أم عامر ان تترك علي الصغير ينام في الحدائق والشوارع بحثا عن طعامه؛ لكنها احتارت في أمره، وما الذي يمكن أن تفعله به وهي التي تناضل لتبحث عن بضعة لقيمات تسد بها رمق أطفالها الستة.
سيدة مجتمع راقية تدعى (هـ. ي) من اللاذقية قالت في حديث مع «القدس العربي» إنها كانت قد تعرفت مسبقاً على الطفل الكبير عامر، وراحت تهتم به وبوالدته وإخوته وتقدم لهم مساعدات بسيطة، وفي إحدى المرات زارت السيدة (هـ.ي) منزل أم عامر واستغربت وجود الطفل الصغير بين باقي الأطفال، وبعد أن علمت بقصة الطفل المشرد، لم تستطع هي الأخرى أن تترك علي وشأنه، لكن كل ما استطاعت الحصول عليه من معلومات هو أن اسمه علي، وله شقيقان صغيران قتلا بتفجير في دمشق، ولم تعلم كيف وصل الى اللاذقية.
قررت السيدة (هـ.ي) مساعدة علي، وتقديم كل ما يلزمه إلى حين العثور على أهله، وهو حتى الآن برفقة السيدة المذكورة، وتطلب ممن يعلم أي شيء عن والدي الطفل علي التواصل معها بهدف إعادته إلى أهله وبيته، حتى يلقى تعليماً جيداً وحياة مقبولة.
ليس مستغرباً أن يساعد عامر الطفل المشرد الذي يعتاش على بيع ( القراضة) طفلاً آخر وجده يبكي عند إحدى سلات القمامة رغم الحرب في سوريا، ببساطة إنها المشاعر الإنسانية التي ذهبت أدراج الرياح عند بعض الكبار لكنها لم تتزعزع في نفوس الأطفال الصغار.
لكن المستغرب أن يكون هناك عشرات الحالات التي تتشابه مع قصة الطفل الصغير علي. هذه القصة في مدينة اللاذقية التي تقع تحت قبضة بشار الأسد الذي تحدث في خطابه الأخير عن الدفاع عن الوطن، لكن لا بأس أن يتشرد عشرات بل مئات الأطفال في شتى أنحاء سوريا لأجل كرسيه.
"القدس العربي" 27/7/2015
وسوم: العدد 627