الأحزاب المغربية كعادتها تلمع صورتها وتغازل الناخبين كلما قرب وقت الاستحقاقات الانتخابية
من أمثال العرب السائرة قولهم : " مواعيد عرقوب " ، وحكاية عرقوب أنه أتاه أخ له يسأله فقال له: إذا أطلعت هذه النخلة فلك طلعها ، فلما أطلعت أتاه للعدة فقال له : دعها حتى تصير بلحا ، فلما أبلحت قال : دعها حتى تصير زهوا ، فلما زهت قال : دعها حتى تصير رطبا ، فلما أرطبت قال : دعها حتى تصير تمرا ، فمل أتمرت عمد إليها عرقوب في الليل فجذها ، ولم يعط أخاه شيئا ، فصار يضرب مثلا في الخلف .هذا هو حال الأحزاب المغربية، وكلها دون استثناء عرقوبية المواعيد كلما حل وقت الاستحقاقات الانتخابية تعد الناخبين وعود طويلة عريضة مغرية مسيلة للعاب ،فيطلع نخلها، ويبلح ،ويزهر، ويرطب، ويتمر ولا يذوق منه الناخبون إلا حشفا مع سوء كيلة كما يقول المثل العربي . والمؤسف أن لعبة المواعيد العرقوبية تتكرر كلما حلت مواعيد الاستحقاقات الانتخابية، والصواب أن تسميها الاسخفافات الانتخابية، وذلك لاستخفاف الأحزاب بالناخبين . ومن غباء الأحزاب السياسية ـ وهي التي يظن أصحابها بأنفسهم الشطارة والذكاءـ أن المغاربة جربوا يمينها ويسارها والملفق بين ذلك تلفيقا، والجامع بين ما لا يجتمع في ما يتسمى به بعضها من أسماء أو ما يرفعه من شعارات دعائية، فيغري المتدين بادعاء تبنيه التدين، كما يغري المتنكر للدين بادعاء تبنيه التملص منه ، وكل يظن الشطارة والذكاء بنفسه ، ويظن الغباء بالناخبين، ويستخف بهم، ويسخر منهم إذا خلا أصحابه إلى شياطينهم.وبالرغم من علم الناخبين علم اليقين بمواعيد الأحزاب السياسية العرقوبية، فإنهم مع شديد الأسف يسايرونها في الاستخفاف بهم ويقبلون ويرضون بانطلاء الحيل عليهم فيقبلون مع ذلك على التصويت على عناصر يعرفون عجرها وبجرها، وربما كان ذلك يسليهم وقد ألفوا وعودها الكاذبة ومواعيدها العرقوبية . وتحرص الأحزاب السياسية المغربية على تلميع صورها لدى الناخبين ، وأسلوبها في ذلك تجريم وتجريح بعضها البعض ، وامتطاء أو اعتلاء ظهور بعضها البعض من أجل الظهور ، وكل حزب يدعي النظافة والنزاهة والاستقامة ....وكل وصف حميد ،ويرمي غيره بالغش والتدليس والخيانة وغير ذلك من الأوصاف المشينة . وقد تعمد بعض الأحزاب إلى المشترك المقدس أو الفاضل بين جميع المغاربة لتدعيه لنفسها وحدها وتستأثر به لترتزق به في حملاتها الانتخابية من قبيل الجهاد والنضال من أجل الاستقلال أو من قبيل التضحية من أجل الحريات أو من قبيل مناهضة استبداد ما يسمى بفترة سنوات الرصاص أو من قبيل الوصاية على الدين ... أو غير ذلك مما لا يقبل المزايدة أو الوصاية أو الاحتكار . والمؤسف جدا أن بعض الأحزاب تركب ظهور المخلصين من مناضليها الذين ضحوا بأنفسهم وذاقوا الأمرين من أجل مبادئهم وقد صاروا إلى الله عز وجل لتخوض بذلك الحملات الانتخابية وتخدع الناخبين من خلال العزف على وتر سمعة هؤلاء المناضلين الذين لا وجود لأمثالهم اليوم في الأحزاب السياسية ، وهكذا يخدم التاعس الناعس كما يقال في المثل الشعبي . وهكذا تغيب العصامية في الأحزاب السياسية وتهيمن العظامية ،فلا يقول حزب من الأحزاب : ها أنا ذا بل لا يزيد قوله عن : كان أبي أو كان الزعيم رحمة الله عليه .ولا تخلو فترة حكم حزب من الأحزاب من فضائح مدوية لا زالت ذاكرة الشعب تحتفظ بها إلا أن الحديث عن هذه الفضائح تغيبه الأحزاب عندما يتعلق الأمر بسجلها المخزي في حين تبدىء وتعيد في سجلات غيرها من أجل كسب رهان الانتخابات . وفترة الحملات الانتخابية هي فترة كشف الأحزاب عن سوءات بعضها البعض . وإذا ما جمع ما يكشف من سوءاتها مجتمعة كانت النتيجة صورة بشعة شنيعة القبح تجعل كل الأحزاب وبدون استثناء مجرد جراء كلبة كما يقول المثل الشعبي ، لا فرق بينها ولا طائل من الخيار بينها .ومن سوء حظ المغرب الحبيب أن داء الأمية والجهل لا زال متفشيا ومستشريا فيه ، وهو ما تستغله الأحزاب السياسية للتهافت على الانتخابات ما دامت لعبة الانتخابات تقوم على أساس حيازة كثرة الأصوات ، ومن المفروغ منه أن أصوات الأمية والجهل لا زالت هي الغالبة في هذا البلد المسكين على حساب الأصوات الواعية، وهو ما يجعل فوز أحزاب ترتزق بأصوات الأمية والجهل أمرا لا مناص منه . ومن المؤسف أن تبخس الأمية والجهل أصوات ناخبيها، فلا تزيد قيمة الصوت عن ثمن بخس دراهم معدودات أو حتى مجرد وعود كاذبة . ومن المؤسف أن تروج أخبار الوعود بأضاحي العيد أو اللوازم المدرسية خلال الحملات الانتخابية التي تخوضها بعض الأحزاب السياسية . ومن المؤسف أن تستغل أعمال توصف بالخيرية من قبيل موائد رمضان وحملات الختان ... وغير ذلك كمواد دعائية إشهارية لتلميع صور بعض الأحزاب السياسية. ومن المؤسف العبث بالشباب العاطل وتجنيده في الحملات الانتخابية عن طريق وعود سرابية ومواعيد عرقوبية . ومن المؤسف أن يبدل بعض عناصر الأحزاب السياسية جلودهم الحزبية كما تفعل الثعابين فينتقلون من حزب إلى آخر كما تنتقل المومس من حضن إلى آخر . ومن المحزن أن ينتهي حراك المغاربة في ربيعهم السلمي إلى ما آلت إليه حراكات غيرهم من الشعوب العربية حيث عادت أحزاب الفساد التي أطاحت بها ثورات الربيع العربي من جديد على إثر ثورات مضادة لها أخذت أشكالا مختلفة تراوحت ما بين انقلاب عسكري مكشوف ، وصراع طائفي ممقوت أوحروب أهلية مدمرة ، وما بين مقامرات انتخابية مكشوفة قلب الموازين بين عشية وضحاها فغدا الفائز بالأمس القريب متقهقرا بفعل فاعل . ولقد أغرت نتائج الثورات المضادة في العالم العربي أحزاب الفساد التي رفعت شعارات بإسقاطها خلال ثورات الربيع الدامية وغير الدامية بالعودة من جديد وتقديم نفسها بديلا عما أفرزته تلك الثورات، بل صارت تتبجح بأنها صاحبة العصا السحرية لتحويل المعدن الخسيس إلى ذهب إبريز، وأنها الصالحة المصلحة وكأنها لم تكن وكر فساد بالأمس القريب و هو فساد قدح شرارة ثورات الربيع العربي .ولا شك أن أصحاب الضمائر الحية و الوعي سيشعرون مع شديد الأسف بالغبن وهم يرون الضمائر تباع في سوق الانتخابات بثمن بخس بل وبمواعيد عرقوب أيضا، وستعود بذلك حتما دار لقمان إلى ما كانت عليه في انتظار أن يذهب الله عز وجل بالأمية والجهل وقلة الوعي في هذا الوطن الحبيب ،وبذلك يقطع الطريق عن انتهازية الأحزاب السياسية ووصوليتها وتبيد بدورها ، وتختفي دار لقمان إلى الأبد، ويتبوأ المغرب الحبيب ، وشعبه الكريم المكانة اللائقة بهما بين أقطار العالم وشعوبه وأممه. وخير ما نختم به قول الله عز وجل : (( ولا تكن للخائنين خصيما )) فمن خاصم أو دافع عمن يخون الوطن بالوعود الكاذبة والمواعيد العرقوبية من خلال تمكينه من صوته فهو شريك له في الخيانة لا محالة ، وهو معطل لقاطرة النهضة الحقيقية.
وسوم: العدد 630