الحالة الفلسطينة قفزات هوائية في توقيت خطر
تقدير موقف :
يعيش الفلسطيني حالة من الإرباك على كافة المستويات الشعبية والسياسية، في ظل هجمة غير مسبوقة من الإحتلال الإسرائيلي، على الفلسطيني بكل تفاصيله .
الواقع الفلسطيني ينطبق على السياسة فيه لفظ (الخبط العشواء) في الضفة الغربية على سبيل المثال، ترتيب قيادات على مقاسات تتناسب مع منهجية (البراشوتات) المعهودة.
وفي غزة مراكمة لحصار تقوده دولة الإحتلال وتساهم فيه دول عربية وأطرافا فلسطينية، يتزامن هذا كله مع سلسلة من الخطوات الإسرائيلية، لتقسيم المسجد الأقصى، بالإضافة إلى قهر وجود العربي في النقب ومناطق الداخل، عدا عن لجوء بات شتاته محرقة .
توصيف الواقع يدركه الناس، لكنهم في المقابل يختلفون في توزيع المسؤولية على الاطراف بحسب الولاء والهوى، كما تتهرب نخبهم من طرح الحلول ، لإدراكهم أن المطلوب يقفز عن التخدير (كما هو معهود) إلى عملية جراحية توجب أحيانا الاستئصال .
فتح سلوك عائم يبحث عن رسوخ في مشهد مضطرب
منذ العام 2006 وفوز حركة حماس في الإنتخابات التشريعية، إتخذت حركة فتح جملة من التصورات لإعادة السيطرة على الواقع الفلسطيني تمثلت بالآتي .
أولا : إفشال تجربة حماس في الحكم، لعودة تراها فتح واجبة لقيادة السلطة،والإبقاء على حالة التنفذ في القرار الفلسطيني.
ثانيا : تماهي بعض قياداتها منها (دحلان)، مع مخطط إسرائيلي أمريكي يرى ضروروة القضاء، على حركة حماس، وقوتها كونها عائقا رئيسيا أمام تسويات المنطقة .
ثالثا : السعي لإنهاء حركة حماس بعد الإنقسام، في الضفة الغربية أو إضعافها، ثم العمل على سياسة إحلال، لأطر السلطة وفتح، في المواقع التي تعرف على أنها معاقل حماس التقليدية ( الخليل، رام الله، القدس، نابلس) .
رابعا : غلب رأي لدى فتح (الضفة) وجزء من قيادات الشتات، يقوم على ضرورة إقصاء تيار واسع في فتح غزة (تيار دحلان) عن المشهد، لشعور لدى الرئيس الفلسطيني، أن هناك مؤامرة كبيرة لسيطرة هذا جناح على السلطة وفتح معا .
خامسا : ترتيب واقع فتح، وفق تصورات القيادات النافذة في الحركة، الأمر الذي يعزز إضعاف تيارات مختلفة، مما يتيح سيطرة مستقبلية على مراكز القوى في المؤسسات العامة .
سادسا : إحكام سيطرة فاعلة على مؤسسات منظمة التحرير، في ظل الخشية على إنفراط هذا العقد، لأسباب مختلفة منها عمر (الرئيس ) والقناعة بأن القائم سيعمق حالة من التنافس الكبير داخل فتح، خاصة في ظل تباينات الإجماع على شخصية تخلف الرئيس في حال الطوارئ .
الحالات (ال6 ) التي عملت عليها فتح، أدخلت الواقع الفلسطيني، في حالة خطيرة، كان من أهم نتائجها :
أولا : تراجع حضور فتح المقاوم مما حيد تيار عريض من الشعب الفلسطيني، بعد تشبثها بدور (حزب السلطة) المدافع عن حكم، في مرحلة تحرر .
ثانيا :ترسيخ حالة الإنقسام، وتجذير حالة التباينات بين مكونات الشعب الفلسطيني، بعد ممارسة دور أمني قاسي .
ثالثا : شل الضفة الغربية في مراحل حساسة من الصراع، الأمر الذي ساعد في تشجيع سلوك الإحتلال التفرد في كل ساحة مواجهة .
رابعا : إدخال الاستقطابات والمحاور العربية للساحة الفلسطينية، وجعلهاحكما على السلوك الفلسطيني، و شكل بنيته القيادية .
خامسا : حصر خيارات الشعب الفلسطيني، بالمفاوضات، أو المسار الدوبلوماسي في مواجهة الإحتلال .
هذا الواقع يأخذنا لنقاش، مماثل ع نواقع غزة، وسياسة حماس فيها تحت عنوان :
حماس خيار مقاومة تحت حصار مطبق
منذ ميلاد حركة حماس، إتخذت السياسة الفلسطينية (الحزبية) ، قرارا بمواجهتها ، ومورست في ذلك جملة خطوات منها (الإقصاء،الاستيعاب،التحالف على مضض، قبولها عنوة، مغازلتها عند الحاجة).
شكل التعاطي مع حركة حماس ، له ا أسبابه، وخلفياته، لكنها تتباين بحسب الفصيل الفلسطيني .
ما أردناه في مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي، تسليط الضوء على حماس، بعد الإنتخابات في العام (2006) كمرحلة وجب الوقوف عليها جيدا ضمن تسلسل جاء على النحو الآتي .
أولا : الحكم تحت سقف الفوز في الإنتخابات : هذا الحدث تسبب لحركة حماس بانعطافة كبيرة دون إعداد، ذاتي، وسياسي، الأمر الذي أفقدها القدرة على المناورة ووضعها في مأزق الإجابة على أزمات منها (قبول الحالة الحزبية(الفصائلية) لحكم حماس، القبول الدولي، تدجين البنية التنظيمية ل (حماس) على الحالة الجديدة، إقناع الدولة العميقة بمنهج حماس في الحكم، التفاعل مع بنية السلطة الإداري، قبول الإقليم لحكم لحماس)، مما اضطرها لما يعرف بحسم لم ترده سياسيا، وأرادته أمنيا .
ثانيا : حكم مرتبك وبيئة خطرة : تستطيع حماس تبرير السيطرة على غزة وفق قواعد المؤامرة التي قادها دحلان، لمنعها من الحكم، وغيرها من الأسباب .
لكنها في ذات الوقت لا تستطيع إغفال، نتائج ترتبت على ذلك، منها: حضور الإنقسام، واستنزاف الحركة سياسيا وإقتصاديا، عدا عن الكلفة العالية التي دفعتها حماس في الضفة الغربية، ومآلات الأمور في غزه، في ظل مخطط، يقوم في أساسه على ضرب وجود حماس المسلح في غزة تحديدا .
هذا الواقع إضطر حماس لسلوك تباين، تقييمه بين محب وجده أبداعا وكاره وجده إنتحارا .
ثالثا : إستنزاف حماس في الحالة العربية : الربيع العربي من الأحداث، التي أوقعت حماس في تجذابية (الأمل المنظور والحقيقة المرة ) أمل كان لديها يقوم على فكرة "وطن عربي تحكمه قيادات تعبر عن الأمة" ، لكن سرعان ما إنفجر هذا الواقع سريعا، لصالح فوضى كبيرة، أصابت الملف الفلسطيني لعناته .
هذه الفوضى المتزايدة، عززت الحصار على حماس، وتسارعت بسببها جملة من المخططات الهادفة للتخلص من الإخوان المسلمين، بما فيها نسختهم على الساحة الفلسطينية.
حراك الواقع الصعب جاء، بالتزامن مع دخول الحركة حربا مع إسرائيل العام الماضي، الأمر الذي وجدته بعض أنظمة العرب، فرصة للتخلص من الحركة، عبر تأزيم حماس و نصرها في الملف الإنساني لغزة ، بغطاء فلسطيني .
رابعا : مسارات ما بعد الحرب : تعد هذه المرحلة من أخطر المراحل التي تعيشها الحركة، سواء على صعيد تلبية حاجات الناس، أو ممارسة دورها السياسي، والمقاوم في ظل ملف فلسطيني يشتعل، وغفلة فصائلية عن الأولويات .
واقع حماس هذا، فتح المجال لحراك متضارب، نصفه غربي، وبعضه عربي، يهدف بصيغة ما إدخال حماس في حالة سياسية ظلت ترفضها منذ تأسيسها.
الرفض أو القبول، الدخول أو الإحجام ، خيارات تأخذنا إلى زاوية النتائج على الأرض تحت عنوان ملفات لم تنضجها حماس .
ملفات تراوح حماس أمامها
أولا : المصالحة : لا يقصد هنا المصالحة مع فتح فقط، بل صيغة لتحالف فلسطيني يضم غير حماس في إطار يتحمل العبئ في الساحة الفلسطينية .
ثانيا : حماية واقع وجودها في الضفة الغربية، والذي يعد أحد أهم المخاطر التي تعصف بالحركة في ظل القبضة الأمنية الممارسة (وأشير هنا إلى فجوة الأجيال التي بدأت تصيب الحركة ).
ثالثا : حصار غزة الطاغي وقدرة الحركة على إجياد، صيغ كفيلة بتخفيفه أو رفعه في هذه المرحلة الحساسة .
رابعا : التسليم بسيطرة فتح على المسؤسسات السيادية، دون حراك يؤسس حالة من الإصطفافات التي تتيح تفكيرا في الحالة القائمة .
خامسا : ملف العلاقات مع الدول العربية وعيرها، في ظل الواقع المعاش في الشرق، والتباينات الإقليمية .
مابين واقع حماس وحالة فتح، وضمور الحضور الفلسطيني، غيرهما، بالإضافة إلى نكسة الأمة، من المهم التحرك وفق قواعد 7 .
أولا : بناء مرجعيات ذات بعد وطني تمثيلي حتى لو أدى ذلك لتجاوز مؤسسات ذات بعد تاريخي .
ثانيا : تقديم برنامج سياسي متاكمل يشكل حالة مرجعية للجسم الوطني المشار إليه في البند السابق .
ثالثا: إتاحة المجال أمام أهل غزة، للتعبيرعن أوجاعهم بشكل شعبوي واعي، تجاه من يمارس الحصار وإن كان عربيا .
رابعا : إعادة الإعتبار للحالة الوطنية في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، من خلال جسم ممثل مع ضرورة إخراجها من حالة الإنقسام القائم في الضفة وغزة .
خامسا : تفكيك التعاطي مع أجسام سياسية كأنها وحدة واحدة ، والنظر إلى الحالة الحزبية، على أنها خليط يمكن البناء على بعضه .
سادسا : إطلاق حالة وطنية في الضفة من شخصيات معروفة، لتصحيح مسارات السياسة القائم .
سابعا : المسارعة في إحتضان حالة اللجوء الفلسطيني، ما أمكن، لأن زيادة تبعثر الحالة، سيؤدي إلى فقدان موازين قوى في المنطقة .
تقدير يستفيد منه الفلسطيني، لكن يظل في الإطار التنظيري الميت، لأن الأهم في واقعنا الفلسطيني التحرك لإنضاج تحرك يبنى عليه. هذا يمكن، مشاهدته في التأحيل لإجتماعات المجلس الوطني، والذي تسببت فيه بعض المواقف من هنا وهناك، داخلية وخارجية، أهمها قناعة من أراد ترتيب البيت الفلسطيني سريعا على مقاساته، لا يمكنه ذلك دون توافق بالحد الأدنى
وسوم: العدد 632