في ذكرى 11 سبتمبر الـــ 14 .. الإرهاب صنع إرهابا ..
يوم 11 أيلول / سبتمبر 2001 كان يومًا مشهودًا في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، فالدقائق التي اختطفت فيها الطائرات المدنية واصطدمت ببرجي مركز التجارة العالمي وجزء من مبنى وزارة الدفاع والأيام الأولى للحدث كلها أوقات ووقائع لا تنسى. منفذو العملية انقسموا إلى أربعة فرق ضمت كل منها شخصا تلقى دروسا في معاهد الملاحة الجوية الأمريكية، وتم تنفيذ الهجوم عن طريق اختطاف طائرات نقل مدني تجارية، ومن ثم توجيهها لتصطدم بأهداف محددة.تمت أول هجمة في حوالي الساعة 8:46 صباحا بتوقيت نيويورك، حيث اصطدمت إحدى الطائرات المخطوفة بالبرج الشمالي من مركز التجارة العالمي. وبعدها بدقائق، في حوالي الساعة 9:03، اصطدمت طائرة أخرى بالبرج الجنوبي. وبعد ما يزيد عن نصف الساعة، اصطدمت طائرة ثالثة بمبنى البنتاغون.
بعد ساعات من أحداث 11 سبتمبر، وجهت الولايات المتحدة أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن.
هذا و أن القوات الأمريكية ادعت أنها عثرت فيما بعد على شريط في بيت مهدم جراء القصف في جلال آباد في نوفمبر 2001 يظهر بن لادن وهو يتحدث إلى خالد بن عودة بن محمد الحربي عن التخطيط للعملية، وقد قوبل هذا الشريط بموجة من الشكوك حول مدى صحته. ولكن بن لادن في عام 2004 وفي تسجيل مصور تم بثه قبيل الانتخابات الأمريكية في 29 أكتوبر 2004 ، أعلن مسؤولية تنظيم القاعدة عن الهجوم. هذه الهجمات الشنيعة أحدثت تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية ، وأعلنت أمريكا و حلفائها الحرب على الإرهاب وأدت هذه التغييرات لحرب على أفغانستان وسقوط نظام حكم طالبان، ثم الحرب على العراق، وإسقاط نظام صدام حسين بحجة محاربة الإرهاب.
الإرهاب نشأ قبل ضربات 11 سبتمبر ، و قد بدأت أمريكا في صناعته عندما احتلت قوات الاتحاد السوفيتي السابق أفغانستان في العام 1979 حيث الحرب الباردة في أشدها فقامت الولايات المتحدة بتجنيد التيارات الإسلامية من الدول العربية والإسلامية مثل السعودية ومصر والجزائر تحت مسمى الجهاد ضد الشيوعية وأرسلت الآلاف من المقاتلين إلى أفغانستان وأمدتهم بالسلاح وبعد ذلك ظهرت حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان وعادت أمريكا لمحاربة أصدقائها بعد عشرات السنين واحتلال أفغانستان باسم " الحرب على الإرهاب". وكانت أبرز الهجمات في العام 1998 تم استهداف سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي عاصمة كينيا ودار السلام عاصمة تنزانيا والتي تسببت بمقتل أكثر 200 وجرح أكثر من 4000 شخص.وتم اتهام زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري وسيف العادل وأنس الليبي وعبد الله أحمد عبد الله من قبل مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي لتورطهم في تفجيرات السفارة الأمريكية. وقد توعد المكتب بتقديم مكافأة بقيمة 25 مليون دولار مقابل حصوله على معلومات استخبارية تؤدي مباشرة إلى القبض على الظواهري، ومكافأة بقيمة 5 ملايين دولار مقابل معلومات عن أي من الرجال الثلاثة الآخرين. وأحيا الرئيس الأميريكي باراك أوباما الذكرى الـ15 ضحايا هجمات 1998، متوعداً بمنع حدوث مثل هذه العمليات في المستقبل.
كما لا ننسى عمليات تكسير للعظام بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا تحت مسمى " الحرب على الإرهاب " وبين تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية بمسماها وهو الجهاد في سبيل الله ومحاربة الشيطان الأكبر أمريكا.
الغزو الأمريكي لأفغانستان بدأ في السابع من أكتوبر 2001 من الجيش الأمريكي (عملية الحرية المستديمة) والجيش البريطاني (عملية هرك) شنت كرد فعل على هجمات 11 سبتمبر.والهدف لهذا للغزو كان البحث عن أسامة بن لادن وآخرون من أعضاء القاعدة وتقديمهم للمحاكمة ،وتدمير تنظيم القاعدة وإقصاء نظام طالبان الذي يدعم ويعطي الملاذ الآمن للقاعدة. و أعلنت الولايات المتحدة وقتها أنها لن تميز بين المنظمات الإرهابية والدول أو الحكومات التي تؤويها. لكن بعد ذلك حدث ما لم يكن في الحسبان .... تفجيرات هزت العالم مثلما حدث من استهداف محطة مترو مدريد في 2004 و تعرف أيضا بتفجيرات 11 مارس 2004 في محطة قطارات " أتوشا رينفي " في مدريد إسبانيا. وكانت سلسلة من التفجيرات الإرهابية المتناسقة التي استهدفت شبكة قطارات نقل الركاب في مدريد في صباح 11 مارس 2004 قبل ثلاثة أيام من الانتخابات العامة الإسبانية مسببة في مقتل 191 شخصا وجرح 1755 أخرين. كما حدثت تفجيرات لندن في 7 يوليو 2005 وهي سلسلة عمليات انتحارية متزامنة حدثت في لندن في صباح يوم الخميس 7 يوليو/ تموز 2005، أسفرت عن مصرع 50 شخصا وإصابة ما يقرب من 700 آخرين .
وظل الوضع مترديا بين الأنظمة الغربية والتنظيمات الإرهابية مستمر وحدثت الكثير من الهجمات والخسائر في الطرفين، مع انتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان في من خلال معتقل غوانتانامو الذي تم نقل كثير من السجناء له بعد غزو أفغانستان في عام 2001 وبعد اعتقال المئات من الأشخاص وتعذيبهم، كما كان برنامج نقل السجناء حول العالم الذي ترعاه أمريكا سببًا في الكثير من المشاكل وأثر على سمعتها عالميا ، كما حدثت عمليات تجسس على المواطنين من قبل أجهزة الاستخبارات الأمريكية وخطف بعضهم ونقلهم من دول إسلامية وعربية لأمريكا. في مايو 2010 قررت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التخلي عن مصطلح " الحرب على الإرهاب " والتركيز على ما يوصف بـ" الإرهاب الداخلي"، وذلك في استراتيجية جديدة للأمن القومي. ونصت الوثيقة على أن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب على " الإسلام" و لكنها في حرب على الإرهاب ، فجاء مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم كأكبر المكاسب التي حققتها أمريكا وإدارة أوباما في حربها على الإرهاب . وحدثت العملية فجر الاثنين 2 مايو 2011 في أبوت آباد الواقعة على بعد 120 كم عن إسلام أباد بباكستان في عملية اقتحام أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية ونفذها الجيش الأمريكي واستغرقت 40 دقيقة. ومع قيام ثورات الربيع العربية وسقوط الأنظمة في تونس ومصر وليبيا واليمن، كانت الإدارة الأمريكية مرتبكة في بداية تأييدها للثورات العربية، لكنها تداركت نفسها وأيدت النظم الثورية من أجل الحفاظ على مصالحها .وانتهجت السياسة الأمريكية أسلوبًا جديدًا في تأييدها لنظم الإسلام السياسي المعتدل وساعدتها في الوصول للحكم في مصر وتونس وليبيا من أجل الوقوف في وجه الهلال الشيعي بقيادة إيران وسوريا. لا أن أمريكا فشلت في السيطرة على المتطرفين حيث حصل الهجوم على السفارة الأمريكية في بنغازي يوم 12سبتمبر2012. ولقي أربعة أميركيين مصرعهم منهم السفير كريس ستيفينز واثنان من قوات المارينز كانوا متواجدين في القنصلية أثناء الحادث الذي شنته مجموعة تسمي نفسها أنصار الشريعة احتجاجًا على فيلم عرض في الولايات المتحدة واعتبر مسيئا للرسول محمد صلى الله عليه و سلم .
كما تعرضت السفارتين الأمريكيتين في مصر وتونس لمظاهرات وتم رفع العلم الأسود لتنظيم داعش، وبذلك خسرت الولايات المتحدة رهانها على التيار الإسلامي لرعايتها للمتشددين.ورغم ذلك لم تتخل الولايات المتحدة عن تيار الإسلام السياسي نظام الإخوان المسلمين عندما قامت مظاهرات حاشدة في 30 يونيو وتم عزل الرئيس محمد مرسي لكن النظام الديمقراطي بقيادة أوباما لم يتخلى عن دعمه للإخوان وأوقف المعونات العسكرية عن مصر، رغم أن تيار الإسلام السياسي يوجد بين وبين الغرب عداء تاريخي بحكم الدين .تطورت المخاوف و أصدرت الولايات المتحدة تحذيرا عالميا في الثاني من أغسطس 2013 بشأن السفر وحذرت الموطنين الأمريكيين من استمرار احتمال وقوع هجمات إرهابية لاسيما في مناطق الشرق الأوسط وشمال افريقيا. و قررت الولايات المتحدة اغلاق سفاراتها في شمال افريقيا والشرق الأوسط خوفاً من شن هجمات إرهابية وذلك في عواصم عربية أخرى. أما في خصوص سوريا ، فان الولايات المتحدة الأمريكية هي من زرعت بذرة الإرهاب في هذا البلد حيث قامت بدعم المسلحين الإسلاميين من أجل إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، لكنها تراجعت في الأشهر الأخيرة مع ظهور جبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية وخوفها من سقوط الأسلحة الكيماوية في يد هذه التنظيمات وسيطرتها على سوريا بعد سقوط الأسد وتهديد أمن إسرائيل.وتظل السياسة الخارجية الأمريكية تتعامل بازدواجية في حربها على الإرهاب حيث تحارب التنظيمات في بعض الدول وتساندها في دول أخرى من أجل إسقاط نظم بعينها مثلما فعلت في ليبيا وتفعل الآن في سوريا.
قبل أربعة عشر عامًا كان حادثة 11 سبتمبر كل ما فيه هو طائرتان تم استئجارهما بمستوى عالٍ من السرية، لتفجير برجي تجارة في قلب العاصمة الأمريكية لكسر أنف الإدارة الأمريكية، وكان كل ما أراد تنظيم "القاعدة" أن يقوله من خلال الحادث، الذي أعلن عن تبنيه للعملية، إنه هنا حاضر وقادر على ضرب "الشيطان الأعظم" في قلب عاصمته.
اليوم يمر الحادث في ذكراه 14، ومناطق الصراع تبدلت، ودلالات الحادث تغيرت فـتنظيم "القاعدة" الذي طالما استخدم "11 سبتمبر"، ليؤكد سيادته على "الجهاد" الدولي، بات اليوم يلجأ إليها فقط من أجل التذكير بها ليعزي نفسه ويذكر غيره بملك كان معه وراح.
المحللون أكدوا أن تنظيم "داعش" الإرهابي هو الذي ورث " القاعدة "، مشيرين إلى أن الوريث تفوق على وارثه، واعتبروا "داعش" الأكثر قوة باعتباره حقق حلم "الخلافة" الذي طالما راود خيال الجهاديين.
وأشار المحللون إلى أن شعور "القاعدة" بتراجع نفوذها مقابل الصعود السريع في نفوذ "داعش"، هو ما دفع بزعيم "القاعدة" أيمن الظواهري، بالظهور عبر مقطع تسجيلي، أعلن فيه عن عدم اعترافه بما يسمى خلافة "داعش"، مشددًا على عدم جدارة أبو بكر البغدادي، زعيم " الدولة الداعشية " بالخلافة، و وصف ما يقوم به تنظيم "داعش" باستيلاء بدون مشورة المسلمين و ما يقوم به من جرائم شنيعة و تصرفات تسيئ الى الدين الاسلامي الحنيف ، دين الرحمة و التسامح و انه مخالف للشرع و للسنة النبوية الشريفة .
اليوم هاهي الولايات المتحدة الأمريكية تحيي الذكرى ال 14 عشر لضحايا هجوم برجي التجارة العالمي الذي راح ضحيته أكثر من 3000 آلاف مواطن أمريكي دفعوا ثمن حياتهم على يد أشخاص ساعدتهم أمريكا في يوم من الأيام من أجل إسقاط نظم بعينها ..
والنتيجة هاهي فلسطين تنتهي و ليبيا تضيع و اليمن يدمر و العراق يمزق و سوريا يهجر شعبها و كل البلاد العربية تعيش في خوف من مستقبل غامض و لا حياة لمن تنادي.
وسوم: العدد 633