المشروع الوطني وإمكانية وجوده

الشعار حصيلة، والشعار راية مرفوعة من عقود وعقود.. وطالما جرى التغنّي به، والطموح لتجسيده، وتوجيه الانتقادات للآخر الذي لا يقدر على الإمساك به، أو التفريط بأسسه.. وهو الذي يبدو كالقدسي، وبيت القصيد في النجاح، وفي تحقيق الأهداف الاستراتيجية لوطن وأمة ...

بين الطموح والمفردات فجوات واسعة. وبين الإيمان والعمل على الفعل مسافات ليست هيّنة، وفي الحالة السورية الراهنة، وما وصلت إليه يبدو حلم الأحلام، ودونه وقائعاً، وقوى، وبعثرات، ورخاوات، ومرونة، وحسابات ومراهنات خلبية..

ـ الأكيد أن معظم القوى الوطنية الحقيقية مؤمنة بأهمية القرار المستقل، وبضرورة بلورة، وممارسة مشروع وطني يمثل جوهر الغايات، وسبيل البناء المستقبلي للدولة الديمقراطية التي يصنعها أبناؤها بإرادتهم، ووعيهم، وتضحياتهم . لكن صعوبات كبيرة تحول دون ذلك، أو تؤدي إلى نوع من التهاون، ونوع من بلع العديد من المظاهر المعارضة له..وفي مقدمها الشعور بثقل المرحلة والعجز عن تحمّل أعبائها دون وجود دعم خارجي بمستوى ترجيح ميزان القوى لصالح الثورة .

ـ إن الانتقال إلى العمل المسلح : الضرورة المفروضة، ترافقاً مع حالات النزوح، ونتائج القتل والتدمير، وإصرار النظام على رفض الاستجابة لمطالب الشعب، وإمعانه في سياسة القتل والتصفية فرض واقعاً جديداً لا يمكن لقوى الثورة، وشتى أنواع المعارضة النهوض به وحيدة، حتى لو فرضنا أنها كانت موحّدة، ولا تعاني الأمراض، والأزمات، والهزال، وفعل عقود التصحّر، واليباس..وحتى لو كانت تمتلك مشروعاً مبلوراً تتوافق عليه .

ـ هذا الخلل شجّع سياسة الرهان على الخارج باعتباره الجهة الوحيدة القادرة على تقديم اللازم، وذهب البعض بتلك الرهانات مديات بعيدة، وما يعتمل فيها من مظاهر وعلاقات تتسم بنوع من الانصياع، والتبعية والرخاوة في التمسك بالقرار الوطني . لكن الأهم من ذلك كله أن شدّة الرهان المحقون بالوعود من "أصدقاء سورية"، وبقرب نهاية الطاغية ونظامه، وبناء تصورات افتراضية عن مستوى الدعم الذي يصل حدّ التدخل المباشر : على غرار الحالة الليبية، مثلاً، أدّى إلى عدة نتائج خطيرة ارتدّت سلبا على قوى الثورة والمعارضة بمظاهر شتى من الهزال، والتناحر، والتشتت، والابتعاد عن الواقع ومعطياته، ومن أبرز تلك التجليات:

1 ـ ضعف الاهتمام ببناء العامل الذاتي، إن كان على صعيد وحدة عمل المعارضة، وتوحيد جهود القوى العسكرية وغيرها في إطار جمعي واحد .

2 ـ الابتعاد عن الميدان والأرض.. واستبدال ذلك بأمل حلول قادمة، ومحمولة من الغير .

3 ـ ضمور الخط الوطني درجة التلاشي، وصولاً لتدويل الحالة السورية، وارتهان مواقف عديد القوى لحل سياسي لم يتجسّد، دون التفكير بإمكانية البحث عن بدائل، وتجسيدها، خاصة في بناء ميزان قوى يمكنه أن يفرض الحل السياسي المنشود، أو يسهم بدور مهم في حماية أهداف الثورة ومصالح الوطن، وعدم وضع مصير البلاد بأيدي اللاعبين الدوليين ومشاريعهم .

                                                   ****

لقد أدركت عديد القوى السياسية، بوقت مبكر، أو بالتتالي، ومن خلال صفعات الواقع وحقيقة أن الدول الصديقة لها مشاريعها الخاصة الأقوى من كل شيء آخر، وأن الإدارة الأمريكية، ولحسابات متشابكة ليست هي صاحبة التصريحات والإعلان بالدعم، والملجأ والملاذ، وأنه لا بدّ من الالتفات إلى الرئيس . الجوهر : بناء العامل الذاتي والانطلاق منه إلى شتى العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة .

لكن عوامل واقعية كانت تجعل ذلك الإدراك بعيداً عن التحقيق، وفي مقدمها تراجع السياسي على حساب العسكري، وشعور معظم القوى أنها ضعيفة، ولا تملك من الأرض الكثير، بل إنها تزداد تهميشاً، ناهيك عن قوة التداخلات الخارجية وفعلها في الجميع، والأرض، ونمو الاتجاهات الدينية التي تعتبر الأمر خاصاً بها، وحالة جهادية، وربّانية لا تستلزم السياسة، ولا بناء العلاقات مع الدول، غلا فيما تحتاجه من سلاح ووسائل دعم تعتقد أنها تمنح لها على تلك القاعدة.. ثم الفجوة الكبير التي تتسع بين أمنيات الحل السياسي، ومروحة الاختلاف في حيثياته وطبيعته، خاصة لجهة مصير رأس النظام وكبار رموزه، والنظام بالنتيجة، وبين وقائع الميدان واستمرار القتل، والدمار، وكل الآثار الناجمة عن المأساة السورية.. وآخر تجلياتها الخطيرة في الهجرة الواسعة لمئات آلاف السوريين إلى الخارج بكل الوسائل المتاحة، والخطرة..

ـ اليوم، وبواقع أن الدول الكبرى أسفرت عن حقيقة مشاريعها، ورفضت وترفض ـ حتى الآن ـ وضع ثقلها لفرض حل سياسي قابل للحياة، والبلاد أصبحت شبه محتلة من قوى خارجية متعددة، خاصة إيران والروس مؤخراً، على جانب نمو التطرف، ووجود كيانات تتمدد كأمر واقع وتهدد بتقسيم مريع، فإن وقفة مراجعة شاملة تبدو ضرورية، وبمستوى الامتحان الجدّي لمدى وطنية قوى المعارضة وقدرتها على الحياة. وقفة مراجعة تستخلص الدروس والنتائج ، وتعمل على بناء العامل الذاتي ضمن مشروع وطني واقعي قابل للحياة، وقادر على اقتحام التحديات والدخول كطرف رئيس في المعادلة السورية، يرفض الإملاءات الخارجية المضرّة بالمصالح العليا للثورة والبلد، والتي يرمي كثيرها على تجويف الثورة، وطمي تضحيات الشعب، وتأهيل النظام القاتل لزمن آخر تحت رايات محاربة الإرهاب، وعدم وجود قوى وطنية" معتدلة" وقادرة على أن تكون البديل.. الذي يريدون ..

ـ إن صياغة، وبلورة، وممارسة المشروع الوطني ضرورة أولى اليوم قابلة لتحقق عند اجتماع غرادة عدد من قوى المعارضة والجيش الحر، المتوافقين بوضوح على الأهداف الرئيسة للثورة.. في وحدة البلاد غير القابلة للتقسيم، ووحدة الشعب، وفي إسقاط النظام كلياً بمرتكزاته ورموزه وآثاره لبناء البديل المدني الديمقراطي الذي يحقق المساواة الكاملة بين جميع المواطنين على اساس المواطنة وليس أي شيء آخر، ورفض الاحتكار، والاستئثار، والاستئصال من أية جهة كانت .

ـ وما من شكّ أن توافق قوى سياسية ومقاتلة على أسس وبنيان هذا المشروع سيكون النقلة المطلوبة المهيّأة لبناء ميزان قوى سوري جدير بمواجهة التحدّيات الخطيرة التي تفرض على الوطن، وإلزام الأطراف الدولية على التعامل معه من موقع الندّية واحترام مصالح الشعب السوري ومستقبله وإرادته ، وانتزاع حقوقه الطبيعية، بل وإجبار المجتمع الدولي على وضع ثقله لإنهاء المأساة السورية بما يخدم ويحقق الأهداف التي قامت الثورة لأجلها، ويصون بلادنا من المخاطر المحدقة بها، ويطهّرها من كافة أشكال الاحتلال، والتطرف والإرهاب .

المشروع الوطني وإمكانية وجوده
الشعار حصيلة، والشعار راية مرفوعة من عقود وعقود.. وطالما جرى التغنّي به، والطموح لتجسيده، وتوجيه الانتقادات للآخر الذي لا يقدر على الإمساك به، أو التفريط بأسسه.. وهو الذي يبدو كالقدسي، وبيت القصيد في النجاح، وفي تحقيق الأهداف الاستراتيجية لوطن وأمة ...
بين الطموح والمفردات فجوات واسعة. وبين الإيمان والعمل على الفعل مسافات ليست هيّنة، وفي الحالة السورية الراهنة، وما وصلت إليه يبدو حلم الأحلام، ودونه وقائعاً، وقوى، وبعثرات، ورخاوات، ومرونة، وحسابات ومراهنات خلبية..
ـ الأكيد أن معظم القوى الوطنية الحقيقية مؤمنة بأهمية القرار المستقل، وبضرورة بلورة، وممارسة مشروع وطني يمثل جوهر الغايات، وسبيل البناء المستقبلي للدولة الديمقراطية التي يصنعها أبناؤها بإرادتهم، ووعيهم، وتضحياتهم . لكن صعوبات كبيرة تحول دون ذلك، أو تؤدي إلى نوع من التهاون، ونوع من بلع العديد من المظاهر المعارضة له..وفي مقدمها الشعور بثقل المرحلة والعجز عن تحمّل أعبائها دون وجود دعم خارجي بمستوى ترجيح ميزان القوى لصالح الثورة .
ـ إن الانتقال إلى العمل المسلح : الضرورة المفروضة، ترافقاً مع حالات النزوح، ونتائج القتل والتدمير، وإصرار النظام على رفض الاستجابة لمطالب الشعب، وإمعانه في سياسة القتل والتصفية فرض واقعاً جديداً لا يمكن لقوى الثورة، وشتى أنواع المعارضة النهوض به وحيدة، حتى لو فرضنا أنها كانت موحّدة، ولا تعاني الأمراض، والأزمات، والهزال، وفعل عقود التصحّر، واليباس..وحتى لو كانت تمتلك مشروعاً مبلوراً تتوافق عليه .
ـ هذا الخلل شجّع سياسة الرهان على الخارج باعتباره الجهة الوحيدة القادرة على تقديم اللازم، وذهب البعض بتلك الرهانات مديات بعيدة، وما يعتمل فيها من مظاهر وعلاقات تتسم بنوع من الانصياع، والتبعية والرخاوة في التمسك بالقرار الوطني . لكن الأهم من ذلك كله أن شدّة الرهان المحقون بالوعود من "أصدقاء سورية"، وبقرب نهاية الطاغية ونظامه، وبناء تصورات افتراضية عن مستوى الدعم الذي يصل حدّ التدخل المباشر : على غرار الحالة الليبية، مثلاً، أدّى إلى عدة نتائج خطيرة ارتدّت سلبا على قوى الثورة والمعارضة بمظاهر شتى من الهزال، والتناحر، والتشتت، والابتعاد عن الواقع ومعطياته، ومن أبرز تلك التجليات:
1 ـ ضعف الاهتمام ببناء العامل الذاتي، إن كان على صعيد وحدة عمل المعارضة، وتوحيد جهود القوى العسكرية وغيرها في إطار جمعي واحد .
2 ـ الابتعاد عن الميدان والأرض.. واستبدال ذلك بأمل حلول قادمة، ومحمولة من الغير .
3 ـ ضمور الخط الوطني درجة التلاشي، وصولاً لتدويل الحالة السورية، وارتهان مواقف عديد القوى لحل سياسي لم يتجسّد، دون التفكير بإمكانية البحث عن بدائل، وتجسيدها، خاصة في بناء ميزان قوى يمكنه أن يفرض الحل السياسي المنشود، أو يسهم بدور مهم في حماية أهداف الثورة ومصالح الوطن، وعدم وضع مصير البلاد بأيدي اللاعبين الدوليين ومشاريعهم .
                                                   ****
لقد أدركت عديد القوى السياسية، بوقت مبكر، أو بالتتالي، ومن خلال صفعات الواقع وحقيقة أن الدول الصديقة لها مشاريعها الخاصة الأقوى من كل شيء آخر، وأن الإدارة الأمريكية، ولحسابات متشابكة ليست هي صاحبة التصريحات والإعلان بالدعم، والملجأ والملاذ، وأنه لا بدّ من الالتفات إلى الرئيس . الجوهر : بناء العامل الذاتي والانطلاق منه إلى شتى العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة .
لكن عوامل واقعية كانت تجعل ذلك الإدراك بعيداً عن التحقيق، وفي مقدمها تراجع السياسي على حساب العسكري، وشعور معظم القوى أنها ضعيفة، ولا تملك من الأرض الكثير، بل إنها تزداد تهميشاً، ناهيك عن قوة التداخلات الخارجية وفعلها في الجميع، والأرض، ونمو الاتجاهات الدينية التي تعتبر الأمر خاصاً بها، وحالة جهادية، وربّانية لا تستلزم السياسة، ولا بناء العلاقات مع الدول، غلا فيما تحتاجه من سلاح ووسائل دعم تعتقد أنها تمنح لها على تلك القاعدة.. ثم الفجوة الكبير التي تتسع بين أمنيات الحل السياسي، ومروحة الاختلاف في حيثياته وطبيعته، خاصة لجهة مصير رأس النظام وكبار رموزه، والنظام بالنتيجة، وبين وقائع الميدان واستمرار القتل، والدمار، وكل الآثار الناجمة عن المأساة السورية.. وآخر تجلياتها الخطيرة في الهجرة الواسعة لمئات آلاف السوريين إلى الخارج بكل الوسائل المتاحة، والخطرة..
ـ اليوم، وبواقع أن الدول الكبرى أسفرت عن حقيقة مشاريعها، ورفضت وترفض ـ حتى الآن ـ وضع ثقلها لفرض حل سياسي قابل للحياة، والبلاد أصبحت شبه محتلة من قوى خارجية متعددة، خاصة إيران والروس مؤخراً، على جانب نمو التطرف، ووجود كيانات تتمدد كأمر واقع وتهدد بتقسيم مريع، فإن وقفة مراجعة شاملة تبدو ضرورية، وبمستوى الامتحان الجدّي لمدى وطنية قوى المعارضة وقدرتها على الحياة. وقفة مراجعة تستخلص الدروس والنتائج ، وتعمل على بناء العامل الذاتي ضمن مشروع وطني واقعي قابل للحياة، وقادر على اقتحام التحديات والدخول كطرف رئيس في المعادلة السورية، يرفض الإملاءات الخارجية المضرّة بالمصالح العليا للثورة والبلد، والتي يرمي كثيرها على تجويف الثورة، وطمي تضحيات الشعب، وتأهيل النظام القاتل لزمن آخر تحت رايات محاربة الإرهاب، وعدم وجود قوى وطنية" معتدلة" وقادرة على أن تكون البديل.. الذي يريدون ..
ـ إن صياغة، وبلورة، وممارسة المشروع الوطني ضرورة أولى اليوم قابلة لتحقق عند اجتماع غرادة عدد من قوى المعارضة والجيش الحر، المتوافقين بوضوح على الأهداف الرئيسة للثورة.. في وحدة البلاد غير القابلة للتقسيم، ووحدة الشعب، وفي إسقاط النظام كلياً بمرتكزاته ورموزه وآثاره لبناء البديل المدني الديمقراطي الذي يحقق المساواة الكاملة بين جميع المواطنين على اساس المواطنة وليس أي شيء آخر، ورفض الاحتكار، والاستئثار، والاستئصال من أية جهة كانت .
ـ وما من شكّ أن توافق قوى سياسية ومقاتلة على أسس وبنيان هذا المشروع سيكون النقلة المطلوبة المهيّأة لبناء ميزان قوى سوري جدير بمواجهة التحدّيات الخطيرة التي تفرض على الوطن، وإلزام الأطراف الدولية على التعامل معه من موقع الندّية واحترام مصالح الشعب السوري ومستقبله وإرادته ، وانتزاع حقوقه الطبيعية، بل وإجبار المجتمع الدولي على وضع ثقله لإنهاء المأساة السورية بما يخدم ويحقق الأهداف التي قامت الثورة لأجلها، ويصون بلادنا من المخاطر المحدقة بها، ويطهّرها من كافة أشكال الاحتلال، والتطرف والإرهاب .
عقاب يحيى

وسوم: 634