قراءة ناقدة في التنازلات والتحالفات والتدخلات والمفاجآت التي أعقبت انتخابات الرابع من شتنبر المغربية

مرة أخرى أؤكد ما قلته في مقالات سابقة بخصوص تأثير المناخ العام الدولي والإقليمي على انتخابات الرابع من شتنبر في المغرب . فالجو العام الدولي يطغى عليه رفض الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ما تسميه الإسلام السياسي ، وهو ما جعل الغرب يسكت أو يساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الانقلاب العسكري على الشرعية والديمقراطية في مصر لأن حزب الحرية والعدالة المصري التابع لجماعة الإخوان المسلمين  يندرج بالنسبة للغرب ضمن ما يسميه الإسلام السياسي . والجو العام الإقليمي يقع تحت تأثير الجو العام الدولي ، وهو جو تطغى عليه تداعيات ثورات الربيع العربي التي أفرزت فكرة رهان الشعوب العربية على الإسلام من أجل مواجهة الفساد الذي كرسته وضعية ما بعد النكبة والنكسات المتتالية . ولقد انخرطت قوى إقليمية في مشروع إحباط واستئصال ما يسمى الإسلام السياسي والذي يقصد به وصول أحزاب ذات مرجعية إسلامية إلى مراكز صنع القرار عن طريق اللعبة الديمقراطية التي لم يحترمها الغرب  ولا القوى الإقليمية الخاضعة له حين أفرزت فوز تلك الأحزاب . ومعلوم أن الظروف السياسية للبلدان العربية واحدة مع بعض الخصوصيات التي لا يمكن أن تؤثر بشكل جذري على تلك الظروف . وبناء على ذلك فإن مواجهة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية بغض النظر عن قوة أو ضعف هذه المرجعية تبقى لدى القوى الغربية والقوى الإقليمية العربية وغير العربية .ويتخذ أسلوب مواجهة ما يسميه الغرب الإسلام السياسي شكل تشويه الإسلام عن طريق خلق العصابات الإجرامية المتطرفة مخابراتيا  مثل داعش من أجل اتهام الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية باعتماد نفس الإيديولوجيا المتطرفة  والعنيفة خصوصا وأن حركات المقاومة الفلسطينية ذات المرجعية الإسلامية تحسب على الإرهاب بالتوصيف الصهيوني، وهو توصيف يقره الغرب ، وتقره حتى أنظمة عربية تدور في فلكه كما هو الشأن بالنسبة للنظام العسكري الانقلابي في مصر . وبعد الإجهاز على حزب الحرية والعدالة المصري عن طريق الانقلاب العسكري باتت أحزاب عربية  أخرى ذات مرجعية إسلامية مستهدفة أيضا كما هو الشأن بالنسبة لحزب النهضة التونسي،  وحزب العدالة والتنمية المغربي . فحزب النهضة التونسي  انتقل بقدرة قادر من حزب صاحب أغلبية في الانتخابات الأولى إلى مرتبة  ثانية بعد مرتبة  خليط من حزب النظام المنهار وأحزاب أخرى صغيرة. ومن المؤكد أن فكرة منع ما يسميه الغرب الإسلام السياسي ألقت بظلالها على الانتخابات التونسية ،فقلب موازينها ،وصار الحزب صاحب الأغلبية في انتخابات أولى في المرتبة الثانية في انتخابات موالية . ونفس الشيء يقال عن حزب العدالة والتنمية المغربي الذي روجت الأحزاب المعارضة له لفكرة تراجعه في انتخابات الرابع من شتنبر بسبب ما سمته العقاب الانتخابي وهي تقصد تخلي الشعب عن التصويت لصالحه انتقاما من قرارات اتخذها عدت لغير صالحه إلا أن رياح الانتخابات جرت بما لا تشتهيه سفن تلك الأحزاب فحظي بثقة الشعب مرة أخرى لأن الشعب المغربي ككل الشعوب العربية في ربيعها يراهن على الإسلام من أجل استئصال الفساد . وبقدرة قادر أيضا صار حزب العدالة والتنمية في مرتبة دون حزب معارض معروف أنه أسس أصلا للحد من اكتساح حزب العدالة والتنمية الساحة السياسية المغربية ولخلق توازن سياسي بحيث لا تكون الهيمنة له بل يمارس السياسة مع أحزاب أخرى تختلف عنه في المرجعية ويتقاسم معها إدارة البلاد . وعندما نقف عند نتيجة حزب النهضة التونسي، و نتيجة حزب العدالة والتنمية المغربي  بعد الانقلاب العسكري على حزب الحرية والعدالة المصري، نتساءل عن دور القوى الخارجية وعلى وجه التحديد الغربية في التأثير على نتائج الانتخابات في تونس والمغرب . ويبدو أن حزب النهضة وحزب العدالة والتنمية قد اختارا مضطرين بعد الانقلاب العسكري في مصر  أسلوب الانحناء للعاصفة كما يقال والقبول بمراتب دون غيرهما من الأحزاب عسى أن يقبل بهما الغرب المتوجس مما يسميه الإسلام السياسي . ويؤكد هذا الانحناء ما حدث في تونس حيث قبل حزب النهضة بالتراجع مع أنه حظي بثقة الشعب التونسي في أول انتخابات جرت في البلاد . ويؤكد الانحناء أيضا ما قدمه حزب العدالة والتنمية من تنازلات اندهش لها الرأي العام المغربي ، وهي حديث الساعة إذ تنازل هذا الحزب عن رئاسة جهات حاز فيها أغلبية الأصوات . ويبدو من خلال التنازلات والتحالفات أن هناك تدخلات من أجل ترتيب حزب العدالة والتنمية في مرتبة لا يمكن أن تقلق الغرب المتوجس مما يسميه الإسلام السياسي . وبالرغم من إظهار حزب النهضة التونسي وحزب العدالة والتنمية المغربي المرونة اللازمة للغرب،  فإن ذلك لا يمكن أن يقضي على هواجسه من الإسلام السياسي .وبهذا لا مبرر للحديث عما يسميه البعض هنا في المغرب بالمفاجآت، وهي عبارة عن تحالفات بين الخصوم السياسيين من أجل خلق وضعية سياسية مطمئنة للغرب حيث تحول حزب من المعارضة إلى ما سمي المساندة النقدية لحزب العدالة والتنمية ، وتنكرت أحزاب مؤيدة له عن مساندته، وتحالفت مع المعارضة خصوصا الحزب الذي وجد خصيصا للحد من اكتساحه للساحة السياسية المغربية . هذا الذي سمي مفاجآت ما هو في حقيقة الأمر إلا تدخلات وإملاءات من أجل تحقيق الإرادة الغربية التي تدير الصراعات الساخنة في البلاد العربية من أجل التمكين لقوى سياسية لا تمثل تهديدا للغرب كما هو الشأن بالنسبة لما يسميه الإسلام السياسي . وأصيب الناخب المغربي بالإحباط وخيبة الأمل وهو يتابع تنازلات حزب العدالة والتنمية وتحالفاته المثيرة للاستغراب . وقد يدفع حزب العدالة والتنمية الثمن باهظا خلال الانتخابات البرلمانية القادمة ،ويتعرض للعقاب الانتخابي  بسبب تلك التنازلات والتحالفات . وأخيرا من المنتظر أن تكشف الأوضاع السياسية  في البلاد العربية التي تشهد حروبا طائفية عن مدى تأثير فكرة رفض الإسلام السياسي على الترتيبات  التي ستتخذ في هذه البلدان. ومن الجدير بالذكر أن الغرب دخل في تحالفات مع خصومه مثل دولة إيران وروسيا من أجل تحقيق فكرة استئصال ما يسميه الإسلام السياسي ، وهو يخلط عمدا بينه وبين العصابات الإرهابية التي صنعها مخابراتيا  من أجل تشويه الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية المعروفة باعتدالها . وما يخشاه الغرب هو أن تضع الشعوب العربية ثقتها في هذه الأحزاب المعتدلة، فتخرج من وضعية ما بعد النكبة والنكسات، وتأخذ طريقها نحو الرقي على غرار التجربة التركية.

وسوم: 634