لا تثقوا بالولايات المتحدة 39

(39) مذبحة الفلبين : ذبحت أمريكا مليون مواطن فلبيني من أجل الديمقراطية

"لا أريد أسرى [في الفلبين] . أريدكم أن تقتلوا وتحرقوا . ولكي تسعدوني أريدكم أن  تقتلوا كل من تعتقدون أنه قادر على حمل السلاح.. اقتلوا كل من هو فوق العاشرة" .

الجنرال غولدون سمث

قائد حملة تحرير الفلبين مُخاطباً جنوده

(تمهيد- لمحة عن الفلبين- ذبح الفلبينيين مُكمّل لذبح الهنود- الله يطلب من الرئيس الأمريكي احتلال الفلبين- أمريكا تشتري الوطن الفلبيني بـ 20 مليون دولار !- من أجل تحرير الفلبين أمريكا تذبح أكثر من مليون مدني و16 ألف جندي فلبيني- مجازر ومذابح على طريق التحرير- أساليب التعذيب الوحشي من الفليبين إلى أبي غريب- الجنود الأمريكيون يذبحون المدنيين حسب أوامر رئاسيّة- القانون الأمريكي يحمي مجرمي الحرب والسفّاحين- العقل الجمعي الأمريكي سادي ومُهيّأ لحماية القتلة والسفّاحين- خطبة تحرير الفلبين التوراتية التي تأثّر بها جورج بوش- الفلبينيون ليسوا بشراً- الرئيس روزفلت يمدح سفاحي تحرير الفلبين لأنهم يغسلون أيديهم بدماء الأطفال- هذا ما قاله القائد العسكري الأعلى لحملة التحرير- لكن ماذا عمّا قاله الجنود البسطاء ؟- وماذا عمّا قاله رجال الدين ؟- وماذا عمّا قالته الصحافة ؟- لكن هل أنتهى التدمير الأميركي للفلبين عند هذا الحد ؟- يكذبون حتى في استطلاعات الرأي- الديمقراطية في الفلبين لا تستغني عن مهماز أمريكا الدموي- التخريب الأمريكي للفلبين مازال مستمراً حتى يومنا هذا- ملاحظة عن هذه الحلقات).

# تمهيد :

وهذه مذبحة جماعية أخرى تفضح وحشية هذه الأمة وسادية هذه الدولة التي خربت منذ قبل ظهورها الرسمي المعلن (أي منذ نشأتها الاحتلالية الإجرامية) تاريخ العالم وطبعت مخالبها الملوثة بالدماء على صفحاته . فمع وصول طلائع المستعمرين الإنكليز الأولى لأرض العالم الجديد (وهي أرض عالم قديم كان يضم 400 شعب وأمّة ذات حضارات عظيمة وثقافة إنسانية عالية متسامحة) بدأت مذابح ومجازر الأمريكان تجتث شعوب العالم وتدمّر أوطانها ، فلم تكتف بذبح 112 مليون إنسان من الهنود الحمر لم يبق منهم مع بداية القرن العشرين سوى ربع مليون مواطن مُحتجزين في معسكرات إقامة كانت المثال لمعسكرات الإعتقال النازية وحسب ، بل انطلقت بقواتها المتوحّشة خارج حدودها لتمعن في الذبح والتقتيل ، فكانت الفلبين من محطاتها الأولى الباكرة في الشرق ، وقد كانت قناعة جميع قادة الولايات المتحدة العسكريين والمدنيين والجنود والمواطنين هو أن ذبح المواطنين الفلبينيين مكمّل – كما سنرى - لـ "رسالتهم" في ذبح الهنود الحمر المسالمين الذين حوّلتهم هوليود إلى متوحشين يجزون فروات رؤوس أعدائهم وهم شعوب متحضرة من ذلك السلوك الوحشي براء.

# لمحة عن الفلبين :

--------------------

# ذبح الفلبينيين مُكمّل لذبح الهنود :

---------------------------------

قال الجنرال وليم تافت : إن حكمنا للفلبين لن يختلف عن حكمنا للهنود .. وإن مقاومة الفلبين جريمة ضد الحضارة . ثم استشهد بجون إنديكوت أحد ابرز قديسي الاستعمار الإنكليزي الأول للعالم الجديد : "إنها جريمة لأنها تحول بين شعبهم وبين الحضارة وتحول دون خلاصهم من عذاباتهم" .

الجنرال غولدون سمث : "إن معاملتنا للهنود يجب أن تكون مثالا يُحتذى في علاقاتنا مع الفلبين وغيرهم من الشعوب الضعيفة . وكما جرى مع ألأباشي ، فإن العم سام سيتولاهم بالطريقة المناسبة"

كان عدد من شهود المذابح ومرتكبيها في لجان التحقيق قد بينوا أن حملة تحرير الفلبين لا تختلف في نتائجها عن حملة تحرير الهنود . (منير العكش: تلمود العم سام)

 

 # الله يطلب من الرئيس الأمريكي احتلال الفلبين :

------------------------------------------------

من الظواهر العجيبة التيتدخل في إطار السيكولوجية السايكوباثية للنخبة الأمريكية وللشعب الأمريكي على حد سواء ، هو هذه الروح "البارانويية" المتخمة بشعور مُغثٍ بالعظمة ، والتي من مظاهرها زعم الرؤساء الأمريكيين بأنّ الله يخاطبهم ليلاً في البيت الأبيض (أي أنهم صاروا بمثابة أنبياء جُدُد !!) ويكلّفهم بالمهام الكونية المطلوبة على مستوى البشرية . تمتد هذه الظاهرة من أوائل الرؤساء الأمريكيين وحتى بيل كلنتون ممارس الجنس في قصر الرئاسة .. وجورج بوش الإبن المدمن الكحولي الشاذ المتأتيء الذي زعم أن الله خاطبه وكلفه باحتلال العراق .

ولم تشذ حالة احتلال أمريكا للفلبين عن هذه الظاهرة فقد استقبل الرئيس الأمريكي "جون ماكينلى" وفداً من قساوسة جمعية الكنائس التبشيرية الذين فوجئوا به بعد أن انتهت جلسته يقول لهم :

" عودوا إلى مقاعدكم أيها السادة لأني أريد أن أقصّ عليكم نبأ وحي سماوي ألهمني ، أريد أن أقول لكم أنني منذ أيام لم أنم الليل بسبب التفكير فيما عسى أن نصنعه بتلك الجزرة البعيدة (الفليبين) ولم تكن لديّ أدنى فكرة عمّا يصح عمله ، ورحت أذرع غرفة نومي ذهابا وجيئة أدعو الله أن يلهمني الصواب . ثم وجدت اليقين يحلّ في قلبي والضوء يسطع على طريقي ، إن الجزرة جاءتنا من السماء، فنحن لم نطلبها، ولكنها وصلت إلى أيدينا مِنّةً من خالقنا ، ولا يصحّ أن نردّها . وحتى إذا حاولنا ردّها فلن نعرف لمن ؟ ولا كيف؟ وقد بدا لي أوّلاً أنه من زيادة الجُبن وقلة الشرف والتخلي على الواجب أن نعيدها إلى إسبانيا . ومن ناحية ثانية وجدتُ من سوء التصرّف والتبديد أن نعهد بها إلى قوة أوروبية متنافسة على المستعمرات في آسيا مثل فرنسا وألمانيا . ومن ناحية ثالثة أحسستُ أنه من غير الملائم أن نترك هذه الجرزة لحماقة وجهل سكان محليين لا يصلحون لتولّي المسؤولية . وكذلك فإن الخيارات المقترحة أمامنا تركزت في حلّ واحد هو في الواقع لمصلحة الفلبين قبل أي طرف آخر ، وهذا الحلّ هو ضم الجزر إلى أملاكنا ، بحث نستطيع تعليم سكانها ورفع مستواهم وترقية عقائدهم المسيحية ليكونوا حيث تريد لهم مشيئة الرب أخوةً لنا فدتهم تضحية المسيح كما فدتنا! ).(مجلة وجهات نظر – العدد الخمسون- مقالة لمحمد حسنين هيكل).

بعد مائة سنة ، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن الكذّاب والمدمن على الخمرة بأن الله طلب منه احتلال العراق !!

# أمريكا تشتري الوطن الفلبيني بـ 20 مليون دولار ! :

-----------------------------------------------------

.. وهكذا ، وفي سياق حركة الاستيلاء الناجمة عن الحرب الإسبانية – الأمريكية زحفت الولايات المتحدة حتى وصلت إلى تخوم بحر الصين. في الأول من أيار عام 1898 ترك الأميرال دواي ، هونغ كونغ، واتجه إلى خليج مانيلا حيث دمّر الأسطول الإسباني. وتعهّد للثائر الفلبيني «اغينالدو» أن يساعده على استقلال الفليبين مقابل مساعدته ضد المستعمر الإسباني. وبهدف المكافأة مُنع الوفد الذي كان برئاسة اغينالدو من الاشتراك في مؤتمر باريس. ونتيجة ذلك كانت المفاجأة المزعجة للأمر الواقع: تخلّت إسبانيا المهزومة عن الفليبين للولايات المتحدة . وفي 10 كانون الأول ومقابل تعويض قدره 20 مليون دولار اعترفت إسبانيا بملكية المنتصر الأمريكي للأرخبيل (هكذا يبع الغربيون دعاة حق تقرير المصير الشعوب ويشترونها). في كانون الثاني 1899 أعلن اغينالدو - برغم ذلك - استقلال بلاده كردة فعل مباشرة على تلك الخديعة ، وبعد حملة استمرت حوالي ثلاث سنوات كان عليه أن يستسلم ويخضع للعبودية.(مايكل موردانت: أمريكا المستبدة).

وكالة الأخبار الإسلامية – نبأ: التاريخ الدموي للإمبراطورية الأمريكية).

# من أجل تحرير الفلبين أمريكا تذبح أكثر من مليون مدني و16 ألف جندي فلبيني :

-----------------------------------------------------------------------

ومن أجل تحرير الفلبين كما ادّعت أمريكا ، قتلت القوات الأمريكية 16000 جندي و 1000000 مدني (مليون مدني) فلبيني .. حرّرتهم من أحزان الحياة وعذاباتها ، كما وصفت ذلك بعض الصحف الأمريكية . وأفادت الصحف بأن "القوات الاميركية كانت تذبح السكان المحليين على الطريقة الإنكليزية" بحيث أن "المخلوقات المُضلّلة التي تقاومنا ستحترم اسلحتنا على الأقل" ، وتعترف - فيما بعد - بنوايانا الجيّدة . وكانت المخلوقات المُضللة تلك التي نجت من الموت ، تذعن بالفعل لذبحها ، كما شرح عالم اجتماع أمريكي بارز ، كان يطوّر فرضية دعاها "الإذعان دون إذعان" . إنها الطريقة التي يُقال إن الطفل يُذعن فيها - ضمنيا - حين يمنعه والده عن الجري إلى شارع مزدحم . سيرى الطفل فيما بعد أن منعه كان لصالحه ، بكلمات أخرى كان بالفعل يُذعن . وينطبق الأمر نفسه على المخلوقات المضللة التي تقاومنا . (منير العكش: أمريكا والإبادات الجماعية).

# مجازر ومذابح على طريق التحرير :

--------------------------------------

وقد اقترفت القوات الأمريكية في الفليبين – وبالتخطيط المُسبق والمتعمّد - مجازر يندى لها جبين الإنسانية ، منها مثلاً مجزرة جويريلا ، التي أمر فيها الضابط الأمريكي بقتل كل فلبيني عمره أكثر من 10 سنوات حسب أوامر الجنرال الأمريكي جاكوب إتش. سميث، ومجزرة بودجاو 1906 والتي كان فيها 1000 مسلم أعزل أغلبهم نساء وأطفال وشيوخ قد هربوا من الحرب في المدن، فتتبعهم الجنود الأمريكان حتى اختبأوا في فوهة بركان خامل ، ورموهم بالمدفعية الثقيلة ، وقتلوهم جميعا ، ولم ينجُ من هذه المجزرة إلّا أقل من عشرة . ومجزرة بودجاساك المشابهة لبودجاو والتي قُتل فيها ما يقرب من 500 مسلم.(موقع الكوفية: أشهر 10 مجازر ارتكبها الجيش الأمريكي)

# أساليب التعذيب الوحشي من الفليبين إلى أبي غريب :

----------------------------------------------------

كما قامت هذه القوات بالتدمير العشوائى للأحياء السكنية فى المدن ، وإحراق القرى والمزارع، وانتهاك الأعراض وتدنيس المقدسات، وممارسة التعذيب. وكمثال على بشاعة أساليب التعذيب الأمريكية هناك حالة استجواب حاكم إحدى الولايات فى الفلبين بتهمة إخفاء معلومات عن تحركات الثوار المعارضين للاحتلال الأمريكى. لقد جرى تعذيبه لحمله على الاعتراف باستخدام ما يُعرف باسم «العلاج المائى». وبموجب هذا العلاج كان يُلقى به تحت خزان من الماء بعد أن توثق أطرافه بشدة ويُحجب نظره. أما فمه فكان يُفتح على آخره عن طريق خشبة قاسية كانت تركز بين الفكين. وبعد ذلك كان الماء يتدفق من الخزان مباشرة إلى فمه حتى ينتفخ بطنه ويكاد ينفجر.

هنا يُسحب من تحت الخزان لينهال عليه معذبوه ضربا على بطنه حتى يلفظ كلّ ما فيه. ثم يُعاد إلى تحت الخزان من جديد، إلى أن يعترف.

ولقد اعتمد العسكريون الأمريكيون هذا «العلاج المائى» فى معتقل «أبو غريب»، كما مارسوه بتطوير أكثر فى جوانتانامو. وتحت هذا التعذيب حصلوا على الاعترافات التى يريدون، ولكن تبين فيما بعد أنها كانت مجرد استجابات لمطالب المستجوبين، وليست اعترافات حقيقية. (محمد السماك: الإمبراطورية الأمريكية.. من الفلبين إلى العراق).

# الجنود الأمريكيون يذبحون المدنيين حسب أوامر رئاسيّة :

-----------------------------------------------------------

ولم يكن الضباط والجنود الأمريكيون يقومون بأفعال الذبح و التقتيل والتعذيب هذه بلا سند قيادي علوي يبرّرون به أفعالهم ، ومنه الأمر العام رقم 100 : وهو أمر صادر منذ العام 1863 م عن الرئيس الأمريكي أبراهام لينكون يسمح لعناصر القوات المسلحة الأمريكية بارتكاب الأعمال الوحشية واستخدام العنف ضد المدنيين في حال أنهم قاوموا وتصرفوا كجنود حتى وإن لم يكونوا عسكريين، أو في حال نصبهم لكمين ضد القوات المسلحة الأمريكية أو قاموا بالتخطيط له أو كانت لديهم مجرد النيّة بالتخطيط له. هذا المُلقّب بأنه "مخترع فكرة الأمة الأميركية".(ويكيبيديا)

وقد تكرّر هذا الأمر بعد أكثر من قرن حيث ثبت أنّ كل أوامر التعذيب والقتل الوحشي الذي مارسته القوات الأمريكية في العراق كان بأوامر مباشرة ومكتوبة من وزير الدفاع رامسفيلد والرئيس بوش .

# القانون الأمريكي يحمي مجرمي الحرب والسفّاحين :

-----------------------------------------------------

وبسبب ذلك يُفلت مجرمو الحرب الأمريكيون من الحساب والعقاب كل مرّة . فقد تمّ تقديم كل من السفّاح جاكوب إتش. سميث وليتلتون والر للمحاكمة ، وواجها المجالس العسكرية الأمريكية بسبب وحشيتهما وتعاملهما القاسي مع الفلبينيين المدنيين. واجه ليتلتون والر أيضا تهمة بقتل 12 من القادة الفلبينيين وتمت تبرئته حيث وُجد غير مذنب بهذه التهمة. أما جاكوب فقد وُجد مذنبا بالتهمة الموجهة إليه وتم توبيخه كما أجبر على التقاعد، وهو صاحب الأمر المرعب الشهير بقتل كل مواطن فليبيني يزيد عمره عن عشر سنوات، وكان عدد من قتلهم في جزيرة سامار وحدها هو 8294 طفلاً، و2714 امرأة ، و420 رجلاً. (ويكيبيديا ، ومنير العكش الإبادات الجماعية).

# العقل الجمعي الأمريكي سادي ومُهيّأ لحماية القتلة والسفّاحين :

------------------------------------------------------------

لكن ليس القانون الأميركي ولا الرؤساء النخبة الأميركيون وحدهم المهيّأون لحماية القتلة والسفّاحين وتبرير أفعالهم ، ولكن العقل الجمعي والوجدان الجمعي هو المُهيّأ لهذا التبرير وهذه الحماية لأفعال الإبادة ، وذلك لأنه مُتخم بالعبر التوراتية والثقافة "الإسرائيلية" حتى قبل نشأته على أيدي البيوريتانيين المتطهّرين الذين شكلوا طلائع الغزاة المستعمرين الذين جاءوا من بريطانيا . تأمّل هذا الحوار التحقيقي بين واحد من اعضاء الكونغرس وأحد القادة العسكريين المُتهمين بحرق المدن وقتل المدنيين في الفليبين :

الكولونيل آرثر لوكوود حين سأله السيناتور بفردج : هل من قواعد الحرب أن تحرق قرى كاملة ؟

أجاب : نعم . هذا معقول ومُبرر . صحيح أننا قتلنا ودمرنا ممتلكات الأبرياء . ولكن ألم يفعل الله ذلك بسدوم وعامورة ؟ "

فقال السيناتور : يا للعجب . لقد كنت أنا أيضا أفكر بعِبرة سدوم وعامورة " .

وأرجو أن لا يندهش السادة القرّاء من قولنا إنّ العقل والوجدان الجمعي الأمريكي مبني وفق مقوّمات توراتية إسرائيلية، فالغزاة المستعمرين للعالم الجديد كانوا كلّهم مُشبعين ابلفكر التوراتي الذي فاق حتى مرجعياتهم المسيحية الإنجيلية . كانت الاسماء الأولى للولايات المتحدة هي "طصهيون" و"إسرائيل الله الجديدة" و"أرض كنعان" وغيرها من التسميات التوراتية كما سنتناول ذلك في حلقة مستقلة . ولكن ما يهمنا هنا – وبقدر تعلق الأمر بمذبحة الفلبين – هو أن نكشف أن احتلال الفليبين وذبح شعبها جاء مثالاً تطبيقياً حيّاً على – اوّلاً - هذه الروح التوراتية الوحشية العنيفة ، والتي – ثانياً - تتأسس على أطروحة شعب الله المختار الذي يحق له إبادة الشعوب الوضيعة الأخرى ، معتمداً – ثالثاً – على دوره الرسالي الخلاصي المُناط به من الله . وخُذ هذه الشواهد الموثّقة التي لا يرقى إليها الشك :

لقد اعتبر الرئيس الخامس والعشرون "مكنلي" احتلال الفلبين ليس نتيجة تكليف إلهي جاءه ليلا وهو سهران في مكتبه في البيت الأبيض وحسب ، ولكنه عقاب إلهي للأسبان الذين طردوا اليهود من إسبانيا عام 1492 . (منير العكش: تلمود العم سام).

# خطبة تحرير الفلبين التوراتية التي تأثّر بها جورج بوش :

----------------------------------------------------------

وخذ خطبة السيناتور "ألبرت بيفردج" وعنوانها "مسيرة العَلَم" التي يقول الرئيس جورج بوش الإبن أنها أثّرت فيه كثيرا وألهمته ما قام به من دور إنقاذي في العالم ، قال السيناتور :

"ما جعلنا الله " شعبه المختار " إلّا " لنعيد صياغة العالم " .. ولاشك إن ضمّنا للفلبين سيوفر على الجمهورية الأميركية هيمنة مطلقة في المحيط الهادي وفي الشرق .. إن آباء هذه الأمة لم يكونوا إقليميين بل كانت أعينهم على كل جغرافيا العالم. ستصبح هذه الجمهورية أقوى جمهورية يعترف العالم بحقها في أن " تكون وصيّا على مصائر الجنس البشري " . لهذا كتب أباؤنا في الدستور كلمات مثل "النماء" و"التوسع" و"االإمبراطورية" دون أن يحدّوا ذلك بجغرافيا أو مناخ ، بل تركوا رسم الحدود لحيوية الشعب الأميركي وإمكاناته .

يا سيدي الرئيس .. مسألة احتلال الفلبين وضمّها هي مسألة جوهرية . إنها مسألة عنصرية . إن " الله " لم يشملنا نحن – أبناء اللسان الإنكليزي والتوتونيين – [يتنازع الألمان والإنكليز حول الإنتماء لهذا النسب "النقي" المتعالي] – بالعناية والرعاية على مدى آلاف السنين لمجرد الزهو بل لأنه أراد أن " يجعلنا أسياد العالم " . لقد جعلنا محنكين في تدبير الحكم حتى نستطيع أن ندير شؤون الدولة بين الشعوب الهمجية . إنه لم يجعل من الأمة الأمريكية " شعبه المختار " إلّا لكي يحارب من أجل إعادة صياغة العالم . هذه هي " رسالة السماء لأميركا " التي ستغدق على الإنسان المجد والسعادة والخيرات . إن الراية لم تتوقف قط في زحفها إلى الأمام ، فمن يجرؤ على أن يوقفها الآن ؟

و" عهدا مع الله " ، لن نتخلى عن هذه " الرسالة " التي وضعها الله في أعناقنا نحن الجنس الوصيّ على حضارة العالم" . (منير العكش: المصدر السابق نفسه).

# الفلبينيون ليسوا بشراً :

-----------------------

وقد اشار كريستفر لاش صاحب كتاب "ثقافة النرجسية" في مقالة عنوانها "ضد الإمبرياليين : الفلبين ولا تساوي البشر" أن كل الأطراف المتصارعة على معنى الإمبراطورية الأميركية كانوا يؤمنون بعدم المساواة بين الأعراق البشرية ويعتقدون أن ذلك من مسلمات الطبيعة ، فهم بذلك يتبارون مع الإيديولوجيات العرقية التي كانت تتبرعم في أوروبا انطلاقا من عقيدة الاختيار والتفوق العرقي ، وتبرّر عنفها بمقولات مُستمدة من النصوص القيامية تارة ومن نظرية "النشوء والارتقاء" وعلم الطبيعة تارة أخرى . (المصدر نفسه).

# الرئيس روزفلت يمدح سفاحي تحرير الفلبين يغسلون أيديهم بدماء الأطفال:

---------------------------------------------------------------

وحينما تسلم الرئيس "ثيودور روزفلت" الرئاسة بعد اغتيال مكنلي مدح الجنرال "أدنا شافي" مُحرّر الفلين بأنه كان يغسل يديه بدم النساء والأطفال ، وأعلن أن "تاريخ الأمة الأميركية بشكل عام هو تاريخ التوسع" ، واستنكر فكرة التساؤل عن ضمّ الفلبين إلى الولايات المتحدة الأميركية لأنها تناقض "حق الفتح" وتشكك بفكرة أميركا ، واعتبر ان وجود الجيش الأميركي في الفلبين من الناحية العسكرية والامبريالية مثل وجوده في ولاية داكوتا لا أكثر ولا أقل" .

# هذا ما قاله القائد العسكري الأعلى لحملة التحرير :

-------------------------------------------------

قال الجنرال آرثر مكآرثر : "إن الفلبين ليست مستعمرة أو أرضا جديدة بل ملحق تربوي . إن قدر عرقنا هو الزحف غرباً إلى أن يتم دورة الأرض ويعود إلى مهده [الجزيرة البريطانية]".

# لكن ماذا عمّا قاله الجنود البسطاء ؟ :

-----------------------------------

وفي كتابه "السود الأميركيون وعبء الإنسان الأبيض" نشر ويلارد غايتون بعض الرسائل التي كتبها الجنود الأميركيون السود إلى ذويهم شهدوا فيها على جرائم التعذيب والقتل التي ارتكبها جيش التحرير في الفلبين ، .. أما رسائل الجنود البيض فتشير إلى تشابه فتح الفلبين مع حروب الهنود . قال ضابط في رسالة إلى أخيه يصف فيها كيف أحرقوا بلدة تيتاتيا وقتلوا فيها حوالي ألف امرأة ورجل وطفل .. ثم باح الضابط لأخيه : "إن قلبي يزداد قسوة .. وإني لأحس بالفخار وأنا اصوب بندقيتي على ذوي البشرة الداكنة وأسحب الزناد" ..

# وماذا عمّا قاله رجال الدين ؟ :

--------------------------------

قال الأسقف جيمس ثوبرن : "نعم ، يجب أن نحكم الفلبين بدون إرادتهم ، وبالقوة. إننا نعمل وفق هذه النظرية لأكثر من مائة عام مع الهنود. الشعبان كلاهما سقطا في ايدينا بنعمة الرب" .

وماذا عمّا قالته الصحافة ؟ :

---------------------------

لم تكن سياسة "اقتل واحرق" التي أرساها الجنرال مكآرثر في الفلبين، ولا أوامر الجنرال جاكوب سمث بقتل كل من هو فوق العاشرة علامة على التردد في مسالة إبادة هذا العرق، بل كانت ككل حروب التوسع الأميركية تنطلق من "فكرة أميركا" واستمرارا لحق الحرب التي سنّها مستعمرو جيمستاون في 1610 أو "الحرب الوقائية" في ترجمتها الحديثة . فبعد مذبحة جزيرة سامار في الفلبين ابتهجت وسائل الاعلام البيضاء ببطولات الجنود والضباط ، فنشرت صحيفة phialdelphia ledger رسالة حيّة من ضابط قال فيها "كان رجالنا أشداء، وقد قتلوا بهدف إبادة الرجال والنساء والأطفال والاسرى والمعتقلين والمشبوهين من سن العاشرة فما فوق . هناك قناعة بأن الفلبينيين ليسوا أفضل من الكلاب بكثير" .

وحين أمر الجنرال سميث بقتل كل من هو فوق العاشرة في جزيرة سامار (ثالث أكبر جزر الفلبين) وتحويلها إلى مجاهل مقفرة، لم يتردد في القول بأنهم مجرمون "وأن جريمتهم هي أنهم ولدوا قبل عشر سنوات من امتلاك الولايات المتحدة للفلبين" .

وقد كان هذا التصريح العنوان الرئيسي لكثير من صحف الولايات المتحدة التي نشرته وسط أجواء الفخار . كما نشرت نص أوامر الجنرال التي أتت على كل ما في الجزيرة من مدن وقرى وأبادت 55 ألفا من سكانها (انخفض عددهم من 312192 إلى 257715 نسمة) ولم ينج منها إلا الذين فرّوا إلى الغابات.

لقد قال الجنرال سمث مخاطباً جنوده :

"لا أريد أسرى [في الفلبين] . أريدكم أن تقتلوا وتحرقوا . ولكي تسعدوني أريدكم أن  تقتلوا كل من تعتقدون أنه قادر على حمل السلاح.. اقتلوا كل من هو فوق العاشرة" . (العكش : المصدر نفسه)

# لكن هل أنتهى التدمير الأميركي للفلبين عند هذا الحد ؟:

-----------------------------------------------------

بين 1945 – 1953 :

حاربت قوات الوايات المتحدة الغازية قوات "الهوك" اليسارية حتى والأخيرة تحارب اليابانيين . ثم نصّبت الديكتاتور ماركوس المتخصص بالتعذيب على عرش البلاد . يقول تشومسكي : (لا بُدّ من سببٍ جعلنا نتحدث هنا في كاليفورنيا ؟ كان يقيم هنا أناس كثيرون ، ليسوا هنا الآن . وأنتم تعلمون سبب عدم وجودهم هنا ، وليسوا بالطبع أنهم مُنحوا حلويات . كما تعلمون لماذا حدود الولايات المتحدة مع المكسيك حيث هي الآن . كانت الولايات المتحدة قد احتلت نصف المكسيك ، وتعلمون لماذا قُتل مئتا ألف فيليبيني قبل قرن من الزمان عندما نصّرنا الفيليبينيين وحضّرناهم . لا أريد أن أخوض في ما كان يحصل في الكاريبي) .

بين السبعينات – التسعينات :

ومع اشتداد مقاومة الشعب الفلبيني زادت الولايات المتحدة من دعمها للنظام الديكتاتوري، وقد خصصت إدارة الرئيس رونالد ريغان في 1978 عشرة ملايين دولار لخطة مدتها عامان لتعزيز دور وكالة المخابرات المركزية في مواجهة العصيان في الفلبين ، وكان المستشارون الأمريكيون يرافقون القوات الفلبينية في هجماتها على المقاومين خصوصا من ذوي "البيريات الخضر" القساة. (ويليام بلوم: الدولة المارقة).

# يكذبون حتى في استطلاعات الرأي :

------------------------------------

وقد أعلنت السفارة الأمريكية أنها أجرت ثلاثة استطلاعات للرأي في الفلبين لاستطلاع فيها آراء الشعب الفلبيني حول الوجود العسكري الأميركي في الفلبين أظهرت أن 68 ، و72 ، و81% من شعب الفلبين يرحب بوجود القواعد العسكرية ، ثم اعترف مسؤول في السفارة بقوله : "لقد فُبركت هذه الأرقام " .

# الديمقراطية في الفلبين لا تستغني عن مهماز أمريكا الدموي :

-----------------------------------------------------------

وقد ساندت أمريكا "ماركوس" ديكتاتور الفلبين المتوحش والفاسد الذي يثبت سقوطه حسبما يدّعي "وولفويتز" الآن أن الديمقراطية "لا تستغني عن مهماز امريكا" . اميركا التي ظلّت تدعم ماركوس إلى أن عجز عن الصمود في وجه المعارضة الشعبية التي انضمت إليها حتى قطاعات التجار ورجال الأعمال ورجال الجيش.

# التخريب الأمريكي للفلبين مازال مستمراً حتى يومنا هذا :

--------------------------------------------------------

إن الإرث الأمريكي المدمّر في الفلبين لا يزال ظاهراً حتى يومنا هذا. فقد جعلت البرجوازية وخاصة العقارية التي اعتمدت الولايات المتحدة عليها (ترك ماركوس آثاراً عميقة) كل مشروع إصلاحي صعباً. والأرقام في هذا الصدد معبّرة : 70% من الشعب يعيشون تحت عتبة الفقر في حين أن 15% من الملاك يتوزعون ملكية 65% من أفضل الأراضي. ولم تتقلص أبداً التبعية تجاه المحتل السابق رغم محاولات تخفيفها. فالشركات المتعددة الجنسية لها جذور متينة في ميدان الأراضي وتقف عائقاً أمام أي إصلاح زراعي. ويسيطر دل مونت ودول (عن طريق الشركة الفليبينية ستانفلكو) وبونتو برانتز على سوق الموز والأناناس وأسواق أخرى ويتصرفون على هواهم بالقوانين الأخيرة حول توزيع الأراضي عن طريق إبرام العقود مع أصحاب الملكية الخاصة. وقد أعطيت الأفضلية في التصدير إلى المواد الغذائية بالاتفاق مع الفريق الليبرالي المتطرف مما يبقي السكان تحت رحمة تبدلات الأسعار الدولية. وتحول الأرخبيل الذي كان يحقق الاكتفاء الذاتي من مادة الرز، إلى بلدٍ يعاني اليوم من نقص حاد في هذه المادة، الشيء الذي يحمله على استيرادها من تايلند. أما الدَيْن فقد وصل مستويات لا تُصدّق ، وهو يعزّز أكثر فأكثر تبعية البلد لصندوق النقد الدولي وللبنك الدولي أي للولايات المتحدة. (مايكل موردانت: أمريكا المستبدة).

# ملاحظة عن هذه الحلقات :

----------------------------

هذه الحلقات تحمل بعض الآراء والتحليلات الشخصية ، لكن أغلب ما فيها من معلومات تاريخية واقتصادية وسياسية مُعدّ ومُقتبس ومُلخّص عن عشرات المصادر من مواقع إنترنت ومقالات ودراسات وموسوعات وصحف وكتب خصوصاً الكتب التالية : ثلاثة عشر كتاباً للمفكّر نعوم تشومسكي هي : (الربح فوق الشعب، الغزو مستمر 501، طموحات امبريالية، الهيمنة أو البقاء، ماذا يريد العم سام؟، النظام الدولي الجديد والقديم، السيطرة على الإعلام، الدول المارقة، الدول الفاشلة، ردع الديمقراطية، أشياء لن تسمع عنها ابداً،11/9 ، القوة والإرهاب – جذورهما في عمق الثقافة الأمريكية) ، كتاب أمريكا المُستبدة لمايكل موردانت ، كتابا جان بركنس : التاريخ السري للامبراطورية الأمريكية ويوميات سفّاح اقتصادي ، أمريكا والعالم د. رأفت الشيخ، تاريخ الولايات المتحدة د. محمود النيرب، كتب : الولايات المتحدة طليعة الإنحطاط ، وحفّارو القبور ، والأصوليات المعاصرة لروجيه غارودي، نهب الفقراء جون ميدلي، حكّام العالم الجُدُد لجون بيلجر، كتب : أمريكا والإبادات الجماعية ، أمريكا والإبادات الجنسية ، أمريكا والإبادات الثقافية ، وتلمود العم سام لمنير العكش ، كتابا : التعتيم ، و الاعتراض على الحكام لآمي جودمان وديفيد جودمان ، كتابا : الإنسان والفلسفة المادية ، والفردوس الأرضي د. عبد الوهاب المسيري، كتاب: من الذي دفع للزمّار ؟ الحرب الباردة الثقافية لفرانسيس ستونور سوندرز ، وكتاب (الدولة المارقة : دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم) تأليف ويليام بلوم .. ومقالات ودراسات كثيرة من شبكة فولتير .. وغيرها الكثير.

وسوم: 634