هدفنا ليس قتل الإسرائيليين، بل خلق مأزق وجودي لدولة إسرائيل..
أظن أننا بحاجة إلى تعديل في منظومة أفكارنا يعيد تحديد معيار الانتصار في مواجهتنا مع الاحتلال..
كثيرون منا لا يؤمنون إلا بقتل الإسرائيليين كمعيار لتقييم فاعلية الوسائل الثورية، وبسبب هذه النظرة فإنهم يعتبرون إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال عملاً محدود النتائج أو على الأقل يعتبرونه مجرد مرحلة تسخين تسمح بالتسلح والعسكرة وتنفيذ عمليات توقع أكبر كم ممكن من القتلى في صفوف دولة الاحتلال..
علينا أن نفكك المسألة بشكل بسيط:
ما هو هدف كل الثورات والانتفاضات الفلسطينية؟ هل هدفها إفناء الإسرائيليين عددياً؟ هذا هدف مستحيل وهو غير مجد أصلاً، فمشكلتنا ليست في حياة الإسرائيلي كفرد أو موته، وهذا لا يصنع فرقاً كبيراً، معركتنا أن نحول إسرائيل إلى كيان طارد مخلخل البنيان وهذا أهم من قتل ألف إسرائيلي.
نحن نواجه منظومةً احتلاليةً عنصريةً وهدفنا تفكيك هذه المنظومة، هذه المنظومة لها أدوات أمنية وعسكرية واقتصادية وإعلامية وسياسية، ومعيار فاعلية أي أداة نضالية هو في مدى قدرتها على التأثير على هذه المنظومة،،
حين يكون هدف دولة الاحتلال توفير ملاذ آمن لهجرة اليهود من أنحاء العالم فإن إعطاء صورة إعلامية بفقدان الأمن في دولة الاحتلال كفيل بتسديد ضربة موجعة لهذا الهدف، لا يشترط أن تنفذ عمليات عسكريةً كبيرةً ضد دولة الاحتلال، إنما يكفي مشهد الارتباك الحالي الحاصل في كافة أرجاء فلسطين المحتلة لخلق مأزق أمني كبير لدولة الاحتلال. إذاً مجرد الحفاظ على الصورة الإعلامية الحالية وإطالة أمدها لسنوات وإن كان ذلك بالحد الأدنى الذي يسمح للفلسطينيين بالصمود في مواجهة قوة الاحتلال الكبيرة وعدم استنزافهم أو القضاء على قداتهم كما حدث في عملية السور الواقي التي شلت قدرات المقاومة في الضفة ثلاثة عشر عاماً متواصلاً، فهذا يكفي لتحقيق الهدف بفاعلية أكبر لأن دولة الاحتلال لا تطيق معركةً طويلةً مستنزفةً لها..
حين يكون هدف دولة الاحتلال شطب حقوق الفلسطينيين السياسية والتهرب من أي استحقاقات سياسية تجاه الفلسطينيين، فإن مجرد مشهد الشبان الفلسطينيين العزل الذين يلقون الحجارة على أعتى قوة عسكرية في المنطقة حتى دون أن يصيبوا جندياً واحداً يشكل ضربةً قويةً للموقف السياسي الإسرائيلي ويعيد الاعتبار بقوة لحضور الشعب الفلسطيني وأن هناك شعباً يناضل في سبيل حقوقه، إذ لا يمكن أن يخرج هذا الشاب الأعزل ليواجه الدبابة والرصاص دون إيمان قوي بحقه في التحرر والاستقلال..
حين يكون هدف دولة الاحتلال إعطاء صورة خادعة للاستقرار تساهم في تطبيع وجودها كدولة مثل بقية دول العالم وتستجلب الاستثمار والسياحة مما يؤدي إلى نموها الاقتصادي فإن حالة الإرباك التي يسببها تنامي المواجهات وتنامي قمعها للفلسطينيين العزل وما يؤدي ذلك إليه بالضرورة من ارتفاع نشاط المقاطعة لدولة الاحتلال وخبو دعوات التطبيع إليها في العالم سيمثل ضربةً قويةً تهدد إسرائيل في وجودها وتحرمها على الأقل مما جلبته لها سنوات الراحة والتهدئة الماضية..
حين يكون هدف دولة الاحتلال شرعنة وجودها أخلاقياً والتحرر من مأزقها الأخلاقي العميق الذي يسببه لها وجود ضحيتها الذي يعلي صوته عالياً في تذكير دائم لها ولمواطنيها وللعالم بأنها دولة لم تقم على أسس طبيعية بل قامت على تهجير شعب آخر وانتهاك حقوقه، يصبح مجرد إحياء مظاهر مثل رفع العلم الفلسطيني ولبس الكوفية وإلقاء الحجر وتشغيل أغنية وين الملايين وطالعلك يا عدوي طالع، تصبح هذه أدوات فاعلة ومزعجة جداً لدولة الاحتلال ومساهمة في تعميق الشرخ الاجتماعي داخل دولة الاحتلال إذ لا يمكن لدولة قامت على سحق شعب آخر أن تعيش في توافق وانسجام داخلي وستظل في قلق وإزعاج ما دام صاحب الحق ينادي بحقه.
المعركة الأخلاقية مهمة جداً وهي عنصر قوتنا في مواجهتنا، ومن التسطيح الشديد الظن أن المعركة الأخلاقية تعني استجداء تعاطف دول العالم، الأمر ليس بهذا التبسيط، المعركة الأخلاقية تعني أن تنال على تقدير ذاتك في المقام الأول حين تنطلق من أساس أخلاقي صلب في معركتك مما يمنحك روحاً قويةً وقدرةً على الانتصار، وتعني ثانياً أن تحرم عدوك من أي شعور تبريري قد يتسلل إليه بأنه معذور في حربه ضدك بحجة الدفاع عن النفس أو مواجهة إرهابيين، بل أن تعزز مأزقه الداخلي وشعوره بالعار، ولأهمية المعركة الأخلاقية علينا أن نتذكر ما قاله محلل إسرائيلي قبل أيام إن عدم قتل الفلسطينيين للأطفال في عملية إيتمار هو رسالة تذكير لنا بأنهم ليسوا حيوانات مثلنا، هذه الكلمات القاسية في لوم الذات هي دليل على حجم الشعور بالعار الذي يبدأ بالتسلل إلى المجتمع الإسرائيلي حين تكون معركتنا أخلاقيةً نظيفةً ضدهم..
المعركة الأخلاقية تقوم على مراكمة النقاط عبر الزمن لا على الضربة القاصمة المتعجلة، لذلك فليس المهم أن نقتل عشرات الإسرائيليين، المهم أن نكون قادرين على الحفاظ على الطابع الشعبي والزخم الثوري لسنوات طويلة قادمة..
إن مشهد الشيخ الكبير الذي يصرخ في وجوه جنود الاحتلال في الخليل أمس ويقول لهم اخجلوا من أنفسكم وأنتم تقتلون الأطفال هو مشهد ملهم ومؤثر ويعزز أخلاقية معركتنا..
لست ضد تنفيذ عمليات عسكرية ضد دولة الاحتلال على غرار عملية إيتمار البطولية، لكني أتحدث عن الطابع العام أن يظل شعبياً، وإن كانت هناك عمليات عسكرية فأن تكون في إطار المعركة الشعبية الأخلاقية الأكبر لا أن تتحول الانتفاضة بأسرها إلى غلبة الطابع العسكري ولا أن تحل العمليات في مرحلة ما بديلاً عن مشاهد الاشتباك الشعبي اليومي مع جنود الاحتلال، فهذه الصورة الرمزية الأخلاقية يجب أن تظل حاضرةً بقوة في كل مراحل تحررنا الوطني..
وسوم: 637