إعلان دمشق بين الرمزية والفعالية ..

كثير من الأحزاب، والهيئات، والتشكيلات تعاني أنواعاً من الأزمات متعددة الأشكال، والخلفيات .. بعضها مزمن، وبعضها بفعل حركية الثورة ومساراتها، وبعضها يعود إلى النزيف المتواصل في الإطارات، وإلى فعل النظام المنهّج : اعتقالاً، وملاحقات، وتصفيات، وضغوط أمنية تحدّ كثيراً من الحركة لمن هم في الداخل درجة قد تصل إلى ما يشبه الشلل، ومحدودية الفعل والنشاط، وبما يترك أثره على واقع تلك التشكيلات، وقد يكون سبباً ليس للتراخي والنزيف الداخلي وحسب، وإنما للانزياحات والانشقاقات، وتشجيع البحث عن بدائل ما تحت مبررات ودوافع مختلفة .

ـ إعلان دمشق 2005 كان حدثاً انعطافيا في مسار قوى المعارضة، ومواجهة النظام بأوسع مروحة من التحالفات التي ضمّت معظم الأطياف السورية، فشكّل بذلك استناداً مفصلياً من خلال وثائقه الواضحة، وميثاقه، والقوى التي شاركت فيه، وتمثيله، ورمزيته، ورفع سقف المطالب إلى الأهداف الكبرى التي بلورتها المعارضة في بيان" التجمع الوطني الديمقراطي" أواخر العام 1979، في العمل على تغيير الأوضاع جذرياً : إسقاط نظام الفئوية والاستبداد، وإقامة النظام التعددي الديمقراطي .

ـ ما من شكّ أن عوامل مجتمعة تشابكت لإثقال الإعلان بعدد من المشاكل، ومنها انسحاب أطراف رئيسة منه وسط تفسيرات متعددة الخلفيات، وهي الأطراف التي شكّلت مع بدايات الثورة" هيئة التنسيق " بسقف بدا أدنى من سقف الإعلان... الذي انخرط بالثورة منذ بداياتها، والتزم بأهدافها دون التراجع عن الهدف الرئيس بإسقاط النظام وإقامة النظام الوطني الديمقراطي، تمهيداً للدولة المدنية الديمقراطية، وعبّر عبر سنوات الثورة ـ بإخلاص ـ عن تلك المواقف.. رغم الظروف الصعبة، والحصار، وتواري عدد من رموزه، وضعف الأداء الداخلي بفعل المخاطر الأمنية، وما عرفته الساحة الداخلية من تصفيات وملاحقات .

ـ نعم شهد الإعلان انزياحات متتالية بفعل تلك الظروف، وخروج عديد المنتمين إليه للخارج، وبفعل آثار تعرّجات الثورة وتعقيداتها، وما تنبته من خلافات حول الحل السياسي وأفقه وفحواه، والعَسكرة وتحولاتها، والموقف منها.. كما أن أوضاع" حزب الشعب الديمقراطي"، باعتباره القوة المؤثرة فيه، ودور وشخصية المناضل الرمز رياض الترك تركت آثارها على الإعلان فيما يشبه اختلاط التخوم بينهما، خاصة عبر قلة اجتماعات الأمانة العامة وتبعثر تواجدها..

ـ هنا، وبغض النظر عن الخلافات الداخلية في حزب الشعب، ووجهات نظر بعض الساعين لعقد مؤتمر حزبي لهم يعتبره الآخرون خروجاً، وانقساماً، وما يطرحون من مبررات، وتلك الإجراءات التي اتخذت بحق عدد من أعضاء الحزب المقيمين في الخارج، وبعضهم كانوا رموزاً معروفة في الحزب.. فإن الخلط بين حزب الشعب والإعلان قاد إلى محاولة استبدالية تشابكت فيها المبررات .

ـ لقد دعا عدد من الأصدقاء الذين أعرف معظمهم إلى عقد مؤتمر باسم إعلان دمشق في السادس من الشهر القادم في عينتاب، ويحشدون له وسعهم من الأسماء، والحضور.. وقد حاولنا ـ عبر الكتلة الوطنة الديمقراطية السورية ـ أو من خلال علاقتنا الشخصية مناقشة البعض في تبعيات الإصرار على عقد المؤتمر بالاسم نفسه، وأثره على رمزية الإعلان وتاريخه، وما يمثله في عقول وضمير السوريين.. وطرحنا عليهم استبدال الاسم بغيره، وليكن، مثلاً، إعلان سورية حين يصبح مثل ذلك حقاً طبيعياً لهم، يفكّ الاشتباك، ويترك الإعلان لحاله.. وقبل الفكرة البعض، لكني علمت أن الأغلبية رفضتها وظلت مصرّة على عقد المؤتمر بذات الاسم لمبررات تقول أنها مقتنعة بها، والبعض يذهب مديات بعيدة في الأماني، والشعارات.. كعملية تصويب وتصحيح وبعث حياة.. وكحق شرعي لهؤلاء.. يرفق بفيض من النقد لحزب الشعب، والمناضل رياض الترك ...

ـ نعم يمكن أن يعبر الانشقاق عن حالة موضوعية.. بمستوى معيّن من الفعل والتأثير الذاتي.. وقد يحمل معه تغييراً، او نقلة ما نحو الأفضل، وهذا متروك للمستقبل الذي سيحكم.. لكن ونحن ندعو إلى وحدة عمل المعارضة، والمرحلة تضغط باتجاه التوافقات وليس الانشطارات والانشقاقات، كنت أتمنى ـ شخصياً ـ عدم مزاحمة إعلان دمشق بتشكيل يحمل نفس الاسم، والابتعاد عن خوض معارك بينية ستكون استنزافية، وستستهلك الجهد والوقت في حين أننا جميعاً بمسيس الحاجة لتنسيق الجهود جميعها وصبّها في موقف موحد لمجابهة الأخطار الجدية التي تواجه الثورة والوطن ..

وسوم: 640