معايير طائفية
حين نخوض في ماهية المعايير، نجدنا نضطر الى التوقف عند المنطق السياسي الذي يجعل من تلك المعايير اداة ووسيلة لتحقيق غايات لاتنتمي في الكثير من احوالها الى المقاصد الوطنية ولا الشعبية، ولا حتى المقاصد القانونية، لكونها في اغلب احيانها لاتعطي الا الوجه المغاير للغايات التي يتطلع اليها الانسان في كل احواله، ليس لشيء انما فقط لكونه انسان له طموح وله هدف، ولانها معايير لايمكن ان تتناسب وهذا الهدف وهذا الطموح نجد مدى الاختلاف الذي يخلفه جراء اتباعها من قبل الساسة، وبالتالي مدى الشرخ الذي يحدثه في البنية البشرية اولاً ومن ثم الشرخ الايديولوجي والديني المذهبي الطائفي، بالتالي لايمكن الحكم على تلك المعايير الا على انها معايير طائفية.
وليس الامر يحتاج الى تبريرات او امثلة لكي يفهم المتلقي والمتابع هذه المعادلة، فالصور تتلاحق والمعتركات السياسية تضج بها، لاسيما في ما يسمى الان ب دولة العراق الفيدارالي، مع التحفظ على مقولة الدولة لأن كوجهة نظر" لاقيم سياسية ولا قيم اخلاقية ولاقيم قانونية ولا قيم اجتماعية ولادينية ولافكرية" يمكن الاستناد اليها لقول بأن العراق الان دولة مستقلة، وبلاشك اصابع الاتهام ستتوجه الينا ايضا ككورد داخل هذا المستنقع المسمى العراق الطائفي، لاانكر ذلك بتاتاً لسنا بعيدين عن هذا المستنقع، ولكننا ربما نشكل جزء بسيط منه لكوننا منذ سنوات نحاول ترميم ذواتنا بعد الشرخ الفكري التعريبي العنصري القومي من جهة والشرخ الايديولوجي من جهة اخرى الذي فرضه وجودنا في العراق علينا، وبذلك لابد ان تسلط الاضواء على منابع الطائفية وتلك المعايير التي يتخذها الساسة داخل المستنقع العراقي ومن ثم النظر الى الثانويات التي يتشكل منه هذا المستنقع.
ولعل من قائل ما علاقة الامر بالمعايير، العلاقة واضحة جداً فالمعايير التي تتخذها الدولة(المستنقع) تجاه مكونات شعبها تتسم بسمة الطائفية البحتة، اعلم بان مثل هذا الكلام سيقول عنه اصحاب اللسان والبيان والبلاغة واصحاب الفكر التعصبي بانه خطير وانه اتهام وانه الى غير ذلك..... من المصطلحات التي يتم استخدامها في مثل هذه المواقف والتي لم تعد سوى فرقعات لاصوت ولا صدى لها، لكن الامر سهل للغاية، لننظر بوضوح المعايير التي تتعامل معها مثلا الحكومة البغدادية مع التدخلات الخارجية، ولنعد معاً القوى التي تعمل داخل المستنقع العراقي غصباً عن سيادة الدولة وغصباً عن اصحاب الطائفية والتي تعد بلاشك انتهاك مباشر "لسيادة الدولة "، وباعتقادي انها اثرت عميقاُ وكثيراً على الشعب لكون الشعب فقد حريته جراء تعامل الدولة المشين معها ومع قضاياها، ومن يفقد حريته لايمكن ان يهمه حرية الساسة عنده،فالحرية لايمكن ان تفهم الا على ضوء فهمنا للشخصية الانسانية من حيث هي فعل واختيار،ولكن يجب ان نلاحظ ان هذا الفعل وذلك الاختيار لايمكن ان يقوما الا على اساس طائفة من المعطيات السابقة التي تحاول الذات ابتداء منها ان تحقق ذاتها، وحين تصطدم الذات بهكذا ساسية وساسة امثال هولاء فانها تعيش مستلبة.
ولأن الذات المستلبة لايمكن ان تعيش وفق قوانين يضعها ساسة يتبنون الطائفية ويسلبون الحريات باسم الدولة والدين والوطنية، وبهذا يحدث شرخ كبير يفصل بين الدستور والقاعدة، وهذا معناه موت الدولة نهائياً، واثناء عملية الموت هذه لايظهر الا اصحاب الفتن واصحاب اللسان حيث يتبارزون في الساحات الاعلامية كل يتهم الاخر بانه السبب، وهكذا تصبح المعايير معايير دنيئة يستند اليها كل طائفة لتبرير خرقها للقانون وتسببها في انجراف الدولة الى المستنقع... ولايمكن ان يقال غير هذا على عمل حكومات العراق المتوالية لاسيما بعد الحقبة الشوفينية الصدامية والتي يعد اليوم احدى معالم انتهائها بعد ان تم القاء القبض على المقبور صدام حسين في وكر للجرذان بيد القوات الامريكية، حيث ان بعد هذه الحقبة توالت حكومات تبنت الاسس الطائفية ورسختها وعممتها واصبحت من ضمن الدستور العراقي خاصة بعد مجيئ المالكي للحكم الذي استطاع بدهاء ان يفرغ حزينة الدولة لصالح قوى خارجية" ايران" معلومة بانتمائها المذهبي ومعاداتها للعراق وللكورد، ومن ثم تثبيت الطائفية والازدواجية في التعامل مع المواقف المتعلقة بالدولة في عهد العبادي الذي التجأ الى زمرة غير منظمة في التعامل مع الاشكاليات التي تخص المركز لاسيما بعد ان فسح المالكي للمذهبية ان تتحول الى حرب اهلية اتسعت لتكون حرباً بعدها على الارهاب لكون العناصر الارهابية تسللت واقتطعت الكثير من المدن والاراضي من المستنقع العراقي، فكان ان تعامل معها العبادي على اساس غير واضح مشتت بين الحشد الشعبي غير المنظم والمعتمد على المرجعيات الدينية الطائفية وبدعم من مسبب الفتن الداخلية المالكي وبين توظيفيه لشخصيات يعرف ولائها المباشر لايران امثال العامري وغيرهم، فمن يتابع الوضع العراقي لايجد الصوت الحكومي مثلما يسمع الصوت الحشدي الذي بات يهدد ويتوعد ويتوغل ليس مع التيارات الداخلية فقط انما على مستويات اخرى ايضاً، فالحشد مثلاً لايتوافق مع السنة والحشد لايتوافق مغ البيشمركة الحشد لايتوافق مع بعضه البعض بسبب تعدد المرجعيات، والحشد يتوعد تركيا، وقوات بدر الايرانية ليس من قوة اخرى يمكنها الوقوف امامها داخل العراق، والكثير من المتسهلكلات الحشدية التي تسمى في المستنقع العراقي بالوطنية اسهمت في انحلال البنى التحتية للدولة نفسها، ولعلاقاتها الخارجية والداخلية، وهذا ما ادخل العراق( المستنقع) في دوامة لانهاية لها، وكل ما يقال وما يصرح به لايعد الا كذبة اليوم، بانتظار كذبة الغد، والحكومة امام هذا الولاء وهذا التدخل الايراني لاتفعل سوى المشاهدة، ولكن حين تتدخل تركيا يعلوا الصياح وتبرز لغة التنديد والتهديد من الحكومة، ومن ثم من بعض الحشديات التي لم تزل ترفع اعلام ايرانية او من ما يسمى بالعامري الايراني المنشأ والولاء لتقول بان العراق دولة مستقلة لايمكن ان نقبل تدخل الاخرين فيها، ولعمري كأني ارى بأن هولاء مازالوا يعيشون حقبة حرب الرماح والسهام، لكونهم بعيدين كل البعد عن الواقع السياسي ببعديه الاقليمي والدولي، بغض النظر عن البعد الداخلي لكونه اصلا لايوجد استراتيجية واضحة في الداخل.
فكل التدخلات التي تحدث في العراق لاتعد انتهاكاً لسيادتها، الا التدخل التركي، وهذا ما يؤكد مقولة المعايير الطائفية التي تتبناها الحكومات العراقية تجاه الاخرين، من غير بني طائفتها ومذهبها الديني، ولايمكن تفسير مثل هذه الامور الا كونها نابعة من الفهم اللامنطقي الذي تتبعه الحكومات هذه تجاه المواقف التي تعصف بدولها، لكونها اساساً حكومات ذات ايديولوجيات مسبقة الوضع وسياسات مسبقة الوضع، مما ينتج عنها هكذا معايير.
وحين تصبح المعايير طائفية انها بلاشك لايمكن الا تحدث شرخاً كالذي نعيشه الان في المستنقع العراقي الحالي، ولااقول بأن التاريخ لم يغير شيئاً هنا في هذه الرقعة من الارض، لانه لربما تغيرت الموازين التي جعلت من الكورد طرف معادلة اذا تغافل عنه اصحاب اللسانيات هولاء والتهديدات ستكون العواقب وخيمة، ليس بلغة التهديد انما بلغة الواقع باعتبار ان الكورد اصبحوا الان طرفاً في معادلة اكبر من هذا المستنقع، فمعادلة الحرب على الارهاب رقعتها الجغرافية اكبر من الرقع الطائفية الحالية في المستنقع العراقي، والبيشمركة اصبح رمزاً للحرب على الارهاب ضمن ايديولوجيات كبرى، لاتنتمي في بعدها الى المراجع الدينية ولا السياسية الداخلية في هذا المستنقع.
وسوم: العدد 646