هل تستكمل روسيا عزل الثورة السورية عن عمقها التركي؟

شكَّلت تركيا حكومةً وشعبًا عمقًا كبيرًا للثورة السورية منذ بدايتها؛ حيث تبنت الحكومة التركية موقفًا متشددًا تجاه رحيل بشار الأسد، كما احتضنت أكثر من 2 مليون لاجئ، كما أنه لم يعد سرًّا أن تركيا تشكل خط إمداد للفصائل الثورية؛ حيث تتواجد "غرفة الموك" ضمن أراضيها، كما أنها مركز للجمعيات والهيئات الإنسانية التي تقدم الدعم المستمر للمناطق المحرَّرة.

التدخل الروسي والحد من الدور التركي

لا شك أن التدخل الروسي، خاصة بعد نشر روسيا منظومة صواريخ S400، التي تصيب الأهداف على بُعد 400 كم، أسهم بشكل كبير في الحد من الدور التركي؛ حيث جاء هذا التدخل في وقت كانت تركيا تعتزم فيه فرض مناطق آمنة تمتد من الساحل السوري حتى جرابلس في ريف حلب، إلا أن روسيا نجحت في إفشال المشروع، ولعل التقارير التي أكدت وصول صورايخ s400 إلى شواطئ اللاذقية قبل عملية إسقاط الطائرة الروسية من قِبَل تركيا، تكشف عن النوايا الروسية المبيتة، وتؤكد أن استقدام هذه المنظومة المتطورة لم يكن ردًّا على سقوط الطائرة وإنما أمرٌ دُبِّر بِلَيْل، وهدفه تعطيل سلاح الجو التركي بالقرب من الحدود السورية، وضمان عدم قيامه بأي أمر غير مرغوب فيه خارج نطاق التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وتقريبًا هذا أمر يرضي كلًّا من روسيا وأمريكا ولا يُشترط فيه اتفاق.

تنسيق حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي مع نظام الأسد تحت المظلة الروسية

عزز التدخل الروسي من التنسيق بين حزب الاتحاد الديمقراطي –الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني– وبين نظام الأسد، لا بل يمكن القول إنه فرض توسيع هذا التنسيق، باعتبار أن روسيا بدأت تستخدم الورقة الكردية ضد العقبة الأكبر –تركيا-؛ حيث أخذت روسيا بتنفيذ ضربات جوية لصالح ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية وهي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، في إطار دعم مشروعها التوسعي باتجاه مدينة أعزاز بريف حلب.

وأفادت التقارير العسكرية بأنّ روسيا وعن طريق طائرات تابعة لنظام الأسد أوصلت الكثير من الأسلحة إلى مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة الوحدات، وكذلك التقارير الاستخباراتية التي تحدثت عن تجول ضباط روس في محافظة الحسكة برفقة ضباط من نظام الأسد وقيادات في ميليشيات وحدات الحماية الكردية.

مسارات المعارك تشي بالمخطط الروسي

تسابق روسيا وميليشيات نظام الأسد الزمن من أجل إكمال السيطرة على جبل التركمان في ريف اللاذقية، والوصول إلى معبر اليمضية الحدودي الذي كان ولا يزال متنفس ريف اللاذقية المحرر باتجاه تركيا، وتقريبًا أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذلك بعد السيطرة على قرية الربيعة الاستراتيجية في الجبل.

وبالمقابل أسهم فتح خط جبهة في ريف حلب الجنوبي وبالتوازي مع محافظة إدلب وبمشاركة الآلاف من الميليشيات الإيرانية والعراقية، في إرباك قوات "جيش الفتح" الذي شكَّل سابقة في الثورة السورية واستطاع تحرير مئات الكيلومترات في زمن قياسي وصولًا إلى سهل الغاب خاصرة الساحل السوري؛ حيث أصبحت قوات الفتح مشتتة بين مساندة ريف اللاذقية الآيل للسقوط، والدفاع عن ريف حلب الجنوبي وخاصرة محافظة إدلب.

واليوم وبشكل متوقع سيطرت ميليشيات إيرانية وعراقية مدعومة بطيران روسي على قرى "تل جبين ودوير الزيتون" في عمق ريف حلب الشمالي، وأصبحت أقرب إلى نبل والزهراء من السابق، وفي ظل تحالف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيطرة على عفرين وريفها، وروسيا ونظام الأسد وإيران، ستكون الكتلة الممتدة بين عفرين ونبل والزهراء قادة انطلاق مهمة لتلك القوى المتحالفة لتحقيق مصلحة مشتركة طالما طمحت لها، وهي التقدم باتجاه أعزاز بريف حلب وإغلاق معبر باب السلامة مع تركيا، وباتجاه أطمة بريف إدلب وإغلاق معبر باب الهوى.

قد يكون ما زال المخطط بعيد التحقيق إلا أن معالمه باتت متجلية بشكل واضح، الأمر الذي بات يملي على الفصائل الثورية أكثر من أيّ وقت مضى الضغط باتجاه منع السيطرة على جبل التركمان واسترجاع ما خسرته هناك، وتدعيم جبهات ريف حلب الشمالي واعتبار أن المعركة مصيرية ووصول النظام إلى الكتلة المذكورة بين نبل وعفرين ستكون ضربة قوية؛ حيث ستعزز فصل الثورة السورية عن عمقها التركي، كما أن هذه المستجدات باتت تفرض على تركيا الزج بمزيد من الثقل العسكري والسياسي لمنع وقوع المحظور.

وسوم: العدد 653