ما هي الجهة المخولة لها شرعا الحكم على خطب الجمعة ؟
قامت دنيا البعض ولم تقعد بسبب خطبة مسجد حمزة بسلا حيث ذكر الخطيب أن الزلزال الذي ضرب شمال البلاد كان انتقاما من زراعة نبات القنب أو الحشيش أوالكيف . وكثرت التعقيبات على هذه الخطبة على مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكيوتية ، وكان موقع هسبريس هو صاحب حصة الأسد في هذه التعليقات . ومن ضمن ما نشر هذا الموقع مقالا تحت عنوان : " زلزال خطب الجمعة بمسجد حمزة بسلا " وقد وردت لفظت خطب بتسكين الطاء سخرية من الخطيب واستهزاء به . ويرى صاحب المقال المدعو محمد بودهان أن هذه الخطبة شبه فيها الخطيب الإله بالإنسان ، وأسقط عليه رغباته أو قناعاته وانفعالاته ، فجعله إلها أصوليا متطرفا وحاقدا وغير متسامح. ونسب له التفكير الخرافي واللاعقلي للزلزال ، وهو يرى أن هذا النوع من التفكير ينشر الجهل والتخلف ، و يحول دون التفكير العلمي العقلي الذي هو شرط كل تقدم حضاري . ويحكم صاحب المقال على أن اعتبار الزلازل عقابا من الله عز وجل تفسير طوطمي تجاوزه العلم بسنين ضوئية . ويسخر صاحب المقال من الخطيب وقد وصف خطبته بأنها خطب ـ بتسكين الطاء ـ فيتساءل متهكما : إذا كان زلزال منطقة الشمال عقابا من الله عز وجل بسبب انتشار زراعة المخدرات وبسبب الموبقات، فلماذا أفزع سبحانه الصغار والأتقياء، وهو الذي لا يظلم العباد ؟ ولماذا لم يعاقب أباطرة المخدرات الذين لهم مساكن لا تزعزعها زلازل أوتسونامي ؟ وهل يعتبر الصهاينة المحتلين أهل فضل وتقوى وعدل لأن الزلزال لا تضربهم؟ أم أن الخطباء الذين يجرمون الصهاينة فوق منابر الجمعة يتحدون إرادة الله عز وجل وهم يعرضون بالصهاينة ؟ ويستطرد صاحب المقال في التساؤلات : لماذا لا يزلزل الله عز وجل أصحاب الظلم، والرشوة ،والفساد والاستبداد ، وتزوير الانتخابات ، واستغلال الدين في السياسة ، واختلاس المال العام ، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، والعنصرية الدينية واللغوية والعرقية ... ويقول لو كان الله عز وجل يعاقب بالكوارث الخارجين عن شرعه لزلزل الأرض بكل الحكام المستبدين والظالمين. ويخلص صاحب المقال إلى أنه كما تحدث مخاطر بسبب خلط الدين بالسياسة، يحدث نفس الشيء بالنسبة لخلط الدين بالعلم ،ذلك أن الدين أخر المعرفة العلمية بقرون ، وأن هذه المعرفة لم تنشأ إلا بعد أن تخلص العلم من التفسير الديني للظواهر. ويحتاج خطباء الجمعة في نظر بودهان إلى أدنى تكوين في مناهج العلوم ، أو على الأقل تعطى لهم توجيهات بألا يتدخلوا في مجالات خارجة عن اختصاصهم لأن استعمال الدين لتفسير ما لا يدخل في الدين يكون خطبا كبيرا.
وتعليقا على هذا المقال نسجل أولا أنه يدخل ضمن الصراع السياسي والحزبي الذي يشهده المغرب المقبل على انتخابات برلمانية ، وأن رائحة الخلاف مع حزب العدالة والتنمية تفوح منه من خلال بعض عباراته ، فضلا عن كون المقال يعكس فكرة إبعاد الدين عن السياسة والعلم ... أو عن الحياة عموما وهو تصور علماني . وبالكشف عن مرجعية صاحب المقال يفهم مضمونه والغاية منه ، فالغاية من المقال هي الإيقاع بالخطيب لدى الوزارة الوصية على الشأن الديني وتحريضها لإيقافه ، وكثيرا ما تنساق هذه الوزارة مع مطالبة بعض الجهات بإيقاف بعض الخطباء الذين لا ترضي خطبهم هذه الجهات التي تنصب نفسها وصية إلى جانب الوزارة الوصية على منابر الجمعة . ومما يعكسه المقال اعتبار الخطيب أصوليا ،وهو اتهام يوجهه العلمانيون عادة للخطباء ،لأن رياح خطب الجمعة تجري بما لا تشتهيه سفن العلمانية . ومما يعكسه المقال إما جهل وهو صارخ بالمجال الديني أو خبث متعمد وعن سبق إصرار، ذلك أن إنكار انتقام الله عز وجل من الخلق هو تكذيب لما جاء في القرآن الكريم ، ونفي لصفة المنتقم ،وهي من صفات الله الحسنى ، ذلك أن القرآن الكريم ذكر في أكثر من سورة انتقام الله عز وجل من العصاة ، منها سورة الأعراف، والحجر، والروم، والزخرف، والمائدة ،وآل عمران، والزمر، والسجدة. ويبدو أن صاحب المقال قد تجاهل قول الله عز وجل : (( والله عزيز ذو انتقام )) وقوله : (( إنا من المجرمين منتقمون )) وقوله : (( فلما آسفونا انتقمنا منهم )) ،فهل يعتبر الخطيب إذا سرد هذه الآيات ،وهي أقوال الله عز وجل مشبها الذات الإلهية بالذات البشرية ، وأنه أسقط انفعالاته على الذات الإلهية ،وخلق الإله الأصولي المتطرف الحاقد وغير المتسامح ؟ ويبدو من خلال هذا المقال أن إلإله الذي يؤمن به صاحبه تقدميا وعلمانيا، ذلك أنه كما اتهم الخطيب بإسقاط انفعالاته وقناعاته الأصولية على الذات الإلهية، فقد أسقط هو الآخر انفعالاته وقناعاته العلمانية عليها . ولا ينتبه صاحب المقال إما عن قصد أو عن غير قصد إلى التناقض الحاصل في كلامه، فهو من جهة ينكر على الخطيب تشبيهه الذات الإلهية من حيث الانتقام بالذات البشرية إلا أنه يرى أن مساكن أباطرة المخدرات لا يزعزعها زلزال أو تسونامي، الشيء الذي ينسب العجز البشري للذات الإلهية ،وكأن صاحب المقال لا يعرف قصة خسف دار قارون الواردة في القرآن الكريم ،وكانت أقوى من مساكن أباطرة المخدرات في شمال المغرب . ولا شك أن صاحب المقال أغفل عمدا أحاديث نبوية تشير إلى أن عقاب الله عز وجل ينزل بالعباد إذا كثر فيهم الخبث كما جاء في الحديث الذي روته زينب بنت جحش رضي الله عنها حين سألت النبي وقد خرج يوما يقول : " ويل للعرب من شر قد أقترب.... " فقالت له : أنهلك وفينا الصالحون ، فقال : " نعم إذا كثر الخبث " ، وكما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي قال : ذكر خسف قبل المشرق ، فقالوا : يا رسول الله يخسف بأرض فيها مسلمون ؟ فقال : " نعم إذا أكثر أهلها الخبث " ، وكما جاء في حديث عمر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أصاب الله قوما ببلاء عم به من بين أظهرهم ثم يبعثون على أعمالهم " ، وكما جاء في حديث آخر : " ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقابه". كل هذه النصوص تشير إلى أن العقاب يحل بالناس إذا شاعت فيهم المعاصي ولم يغيروا من حالهم ، وأن العقاب إذا حل عم كل من يوجد مع أهل المعاصي وإن كانوا صغارا لم يذنبوا أوأتقياء لم يجرموا ، وهي سنة الله عز وجل في خلقه ، وقوله تعالى : (( وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون )) يعني أن إهلاك القرى وراد مع فساد أهلها .
أما بعد ، لا شك أن هدف خطيب مسجد حمزة كان ترهيب الناس وتخويفهم من عقاب الله عز وجل عند شيوع الفساد ،وهي وظيفة منبر الجمعة الذي أوكل الله عز وجل له إنذار الناس وتحذيرهم من عقابه العاجل والآجل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث منذرا ومبشرا . ولا شك أن خطيب الجمعة قد أنكر منكر زراعة المخدرات في منطقة الريف ، ونسبها للأرض التي تستنبت فيها وليس لقوم بعينهم ، وهو يقصد من يزرعونها لا من يسكنون في الأرض المزروعة بالكيف ، وهم براء منها إلا أن ذلك لا يعني أنهم بمنجاة من عقاب يحل بهذه الأرض كما هي سنة الله عز وجل في خلقه . ولا يوجد في كلام الخطيب ما يدل على شماتته بأهل الريف، بل كان قصده أبعد مما زعم صاحب المقال وغيره من الذين يريدون تصفية حساباتهم الإيديولوجية مع منابر الجمعة التي يعتبرونها مصادر مشوشة على إيديولوجياتهم المنحرفة عن تعاليم الدين . ولا يملك هؤلاء سوى كيل التهم للخطباء والدعاة ونسبة التطرف والأصولية لهم . ومن كبرياء هؤلاء أنهم ينسبون الجهل لهؤلاء الخطباء وهم لا يتعلقون بغبارهم في مجال الدين . ومن تناقض بودهان صاحب المقال أنه يطالب الوزارة الوصية على الشأن الديني بتقديم توجيهات لخطباء الجمعة بألا يتدخلوا في مجالات خارجة عن اختصاصهم إلا أنه يتدخل في خطب الجمعة وهي خارجة عن اختصاصه . و من الاجحاف في حق دين الإسلام أن يقارن بما سبقه من أديان طالها التحريف ،وهو الذي كان وراء تأخر المعرفة العلمية لأن الإسلام دين يدعو ويحث على المعرفة العلمية . ومن السفه أن يوصف هذا الدين بالطوطمية ، فهل تدخل النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الاستسقاء عند انحباس المطر خرافة ووهم ؟ وهل تحذيره من حلول العقاب عند شيوع المعصية طوطمية ؟ وأخيرا نقول إن الجهة الوحيدة المخول لها الحكم على خطب الجمعة هي الوزارة الوصية على الشأن الديني بحكم مجالسها العلمية التي تضم علماء أهل التخصص، ولا يمكن لجهات أخرى أن تحشر أنوفها فيما لا يدخل ضمن تخصصها . ولئن استجابت الوزارة لطلب منع خطيب مسجد حمزة من الخطابة، فإنها ستتحول إلى مجرد أداة أو لعبة بيد أهل الأهواء ، وتفقد بذلك مصداقيتها .
وسوم: العدد 653