قتل المدنيين السوريين وسواء الجريمة
قتل المدنيين السوريين وسواء الجريمة
بدر الدين حسن قربي /سوريا
قصف المدنيين السوريين وقتلهم عمل مدان ومرفوض سواء كان من المافيا الأسدية المجرمة بصواريخها وطائراتها وبراميلها وحاوياتها ومدفعيتها أو من الكتائب المسلحة والجهات المعارضة له بأسلحتها البدائية من مثل جرات الغاز وأمثالها. وإنما إذا اتفقنا على إدانة القصف والقتل ابتداءً، فإننا لسنا متفقين على سواء النتيجة الجرمية وآثارها وأبعادها على الأرض تجنّباً للتشويش الذي يراد له أن يغطي على الحقيقة، ولاسيما عندما تكون الآثار مئات أضعاف الفعل الآخر الذي تغلب عليه ردة الفعل أو الدفاع العاجز عن النفس. وعليه، فلا يستوي من يقصف بمتفجرةٍ وزنها بضعة كيلوغرامات بمن يقصف بمتفجرات وزنها بالأطنان. وإنما قد يرد على مثل هذا الكلام منطق يزعم أن من يقتل شخصاً بريئاً أو يقتل مئة فاسمه قاتل، وعقوبته القتل. ولكنه يبقى منطقاً مقطوعاً فلا تستوي آثار جريمة قتل شخصٍ واحد بآثار قتل قرية أو بلدة ولا يستويان مثلاً.
ولتوضيح ماسبق من الكلام، فإني أشير وبالأرقام إلى حيٍ واحد من أحياء حلب ابتداءً، ثم تالياً إلى المدينة كاملاً.
فعن الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري 2014، أشير إلى مساكن هنانو ” ثاني أكبر أحياء مدينة حلب وأكثرها تعرضاً للحملة العسكرية لعصابة الأسد وشبيحته مستخدمين كل مايخطر في البال من سلاح على مساحة من الأرض لاتزيد على 3 كم مربع يقطنها عادة ربع مليون من السكان إضافة لآلاف النازحين من مناطق أخرى من المدينة وما حولها. فقد ألقت طائرات العصابة الأسدية على الحي المذكور حتى نهاية مايو/أيار الماضي أكثر من 300 برميل متفجر و 23 حاوية على الحي المذكور، كما تم استهدافه بأكثر من 1200 قذيفة مدفع أو دبابة. تسبب القصف المشار إليه بدمار حوالي /250 / مبنى، و 400 منزل، وأكثر من 170 محل تجاري، وتعرّض ثمانية مساجد للقصف، اثنين منها دُمّرا بشكل كامل، كما تعرّضت17 مدرسة للقصف، مدرستين منها دمّرتا تماماً إضافة إلى قصف ثلاثة مشافٍ ميدانية ومستوصف وسوقين تجاريين فضلاً عن الدمار الكامل لمبنى بريد الهاتف وبلدية مساكن هنانو نفسها وفرن الذرة فيها. وهو قصف نتج عنه انقطاع المياه والكهرباء وخدمة الهاتف الأرضي وتعطيل مجاري الصرف الصحي بشكل كامل منذ بداية العام مما تسبب بحركة نزوح كبيرة للأهالي منه. وقد وثّق موقع شهداء مدينة حلب أسماء 400 قتيل من هذا الحي عن الفترة المشار إليها ثلثهم من النساء والأطفال قضوا جراء القصف، وقرابة 1600 مصاب بعضهم فقدوا أطرافهم.
وأمّا عن مدينة حلب نفسها، فإني أستدعي إحصائية وثقت فيها شبكة حلب نيوز خلال شهر مايو/ أيار من العام الحالي سقوط 413 برميلاً متفجراً و147 صاروخاً و7 قنابل عنقودية على المدينة. توزّع القصف على 81 منطقة مختلفة، وتصدّر حي مساكن هنانو القائمة كالعادة بثلاثة وخمسين برميلاً متفجراً واثني عشر صاروخاً، تلته المدينة الصناعية بأربعة وثلاثين برميلاً متفجراً. وشهدت المدينة مجازر عديدة خلال الشهر نفسه كان من أهمها ترويعاً مجزرة حي الهلّك التي راح ضحيتها نحو 70 شهيداً نتيجة قصفه بسبعة براميل متفجرة استهدفت سوقاً شعبياً في اليوم الأول من الشهر.
ورغم قناعتي أن ما أصاب مدينة حلب وأحياءها من قصف الجهات المقاتلة للمافيا الحاكمة وشبيحتها وميليشياتها لايمثل شيئاً مذكوراً أمام ما أوردتُه من الأرقام والجرائم الوحشية، فإني كنت أتمنّى أن أحصل على إحصائيات مقابلة عن الفترة نفسها التي أشرت إليها، لتكتمل رؤية المشهد أرقاماً وتوثيقاً ولكن مثل هذه الإحصاءات لايراد لها أن تكون موجودة، لأنها لو وُجدتْ لكانت دليلاً جديداً يؤكد حجم إجرام سلطة أدمنت على قمع مواطنيها وسفك كراماتهم ودمائهم عبر عشرات السنين.
وأخيراً، يبدو أن السوريين كلهم عن بكرة أبيهم مشاريع قتلٍ محتمل، تأكّد في مئات الآلاف منهم قتلاً، ومثلهم اعتقالاً وتعذيباً وأضعاف أضعافهم تشريداً وتهجيراً داخل الوطن وخارجه، وملايين منهم منتظرون. ندعو بالرحمة والرضوان للشهداء، والعافية والشفاء للجرحى والمصابين، والأمن والأمان والسلامة والسلام لمن هم في الانتظار على لوائح الموت الأسدي.