بين شبيحة دمشق و«سحيجة» عمان

لا يمكن الوثوق بتلك الرواية التي تتحدث عن اغراض محددة لترك المجال في الساحة الاردنية تحديدا امام نشاطات مبالغ فيها لا تؤيد سوريا ولا تحتمل الشعب السوري بقدر ما تستزلم لنظام دمشق وبطريقة فجة لا يمكن تقديرها او تفهمها.

الرواية تقول بان السلطات الاردنية التي تراقب أنفاس وهواتف وتحركات بعض اصحاب الرأي الآخر وتحاصر بعض المثقفين وتساند ذهنية الرعاع والقطيع ولا تقوم بواجبها الحقيقي في التصدي لثقافة العنف والإرهاب بأجندة فكرية ثقافية اصلاحية هي نفسها السلطات التي تغفل قصدا عن الاسفاف في المبالغة بتأييد النظام السوري في الشارع الاردني.

وجهة نظر اصحاب هذه الرواية تتحدث عن رسائل عبر هذا الاغفال مرة لنظام دمشق عبر التغاضي عن اعوانهم ومريديهم في عمان ومرة لهؤلاء انفسهم الذين يجرحون مشاعر الشعب الاردني ولا يظهرون الاهتمام بتأمين مصالح بلادهم الحدودية والسياسية والأمنية بقدر ما يهتمون برفع الصوت عاليا في اناشيد مضجرة ومسفة تمتدح شخص الرئيس السوري وتبرر القصف الذي تتعرض له قرى الشعب السوري ومدنه بالبراميل المتفجرة.

هؤلاء تحت فرية الوعي القومي وبرنامج الممانعة على شاكلة رئيسهم والنظام الذي يسحجون له ليلا نهارا في شوارع العاصمة عمان وبعض ازقة وطرقات مدينة الكرك.

مضحك جدا القول بان بعض المؤسسات الاردنية تستفيد من هؤلاء مرة معلومات ومرة عبر إرسال الرسائل ومرة عبر تمكينهم من تسجيل حالات من الإرهاب الفكري ضد كل من يدعم الشعب السوري ويتعاطف مع ثورته ويعارض الظلم والتعسف والفساد في دمشق.

هؤلاء هم الصيغة الاردنية من شبيحة بشار الاسد وعلى نحو او آخر يستثمرون باعتبارهم نسخة من أعوان النظام السوري في معاناة وألم الشعب السوري تحت عناوين زائغة ولعوبة من طراز المقاومة والممانعة ومن وزن قلعة دمشق التي لا تلين وعلى شكل اسطوانات مشروخة تتحدث عن المؤامرة الكبيرة على سوريا.

نعم ثمة مؤامرة على سوريا ونعم تتطلع العديد من القوى الاقليمية والدولية إلى اخفاق سوريا وفشلها ونعم تدخل كثيرون في ثورة الشعب السوري المسكين الذي يواجه آلة وحشية متجبرة تقصف البريء قبل المتهم والأعزل مع الذي يحمل السلاح.

لكن نعم بالمقابل لتحديد مسببات هذه المؤامرة ولمعرفة من الذي ادخل دب المؤامرة إلى كرم سوريا الحبيبة.

ألا يوجد عقل منصف في التقييم يوجه اصبع الاتهام للنظام السوري باعتباره احد المسؤولين المباشرين عن هذه المؤامرة وسببا رئيسيا فيها ؟

ألا يوجد من ينصف في التحليل لكي يقرأ لنا درس الثورة السورية الشعبية التي دفعت الناس للتحلق في الميادين والساحات راقصين بالثورة السلمية لستة اشهر قبل ان يواجه النظام المتعسف أناشيدهم ودبكاتهم باقتلاع الحناجر والتصفية الجسدية على اساس طائفي والبراميل المتفجرة لاحقا.

مؤسف جدا مشهد بعض مدعي الثقافة والوطنية في الاردن وهم ينكرون الوقائع ويجاملون شخصا او رئيسا او نظاما على حساب سبعة ملايين سوري تفرعت بهم السبل ما بين قتيل وجريح وأسير وشريد.

مؤسف جدا ان لا يرى بعض زملائنا في الإعلام الاردني من المشهد السوري الداني الا صورة رئيس شاب ارعن يوصف بانه ملهم ونظام يستوجب التسحيج والتصفيق دون ادنى خجل من دمعة الجوعى او من دماء القتلى جراء البراميل المتفجرة.

مخجل جدا حد الفجيعة ان يدعي كاتب او قارىء او مثقف اردني انه لا يرى من الازمة السورية الا شخصا تسدل على اكتافه عباءة اردنية بدوية او تلتقط بمعيته صورة تذكارية ومخجل على من قرأ سطرا او حرفا او كتب صفحة تحت عنوان التنوير والتثقيف والوطنية ان لا يتصدى مع اصدقائه ورفاقه من شبيحة دمشق لمن تسول لهم انفسهم التهديد بقتل اربعة ملايين اردني وقصفهم.

لا يوجد اكثر مرارة من مشهد مثقف يمتدح سلطة الدكتاتور ولا يوجد اكثر عيبا من نقابي او ناشط يسقط من حساباته ببساطة ملايين الضحايا مترزقا بكلمة مديح او ثناء على رئيس هنا او هناك.

مر حد العلقم الاسترخاء اثناء مشاهدة مثقفين مفترضين يزاودون على الجميع بالوطنية والقومية وهم يمارسون الحجيج عبر بيروت إلى القصر الجمهوري في دمشق دون ادنى التفاتة تطالب نظام سوريا بوقف القصف العشوائي للقرى الاردنية الشمالية ودون ادنى التفاتة لرفاقهم من شبيحة النظام السوري وهم يهددون وطنهم وليس دولتهم.

وبالتأكيد أكثر مرارة قراءة بيان يعترف بحق النظام السوري في تأمين ما يسمى بحدوده مع الاردن دون عبارة واحدة تقر بحق نشامى الجيش العربي الاردني بتأمين حدود الوطن الذي يسرح فيه ويمرح بأمان أبناء وعائلات هؤلاء الناشطين.

الرواية في مسألة الاسترخاء بالصبر على مثل هذه النشاطات المريبة لا اشتريها بشلن فالرسائل تبادلها القوم في الاردن مع علي مملوك شخصيا ولا حاجة لمقاول يبحث عن عطاءات في تمثيل النظام السوري هنا او هناك تحت عنوان تبادل الاشعارات والمعلومات.

هؤلاء اقلية في الاردن ولا يمثلون ابدا المستوى الثقافي والفكري ولا النشطاء الاجتماعيين بقدر ما يمثلون انفسهم.

وقد تكون اقلية ايضا تلك التي تعارض النظام السوري لاسباب سياسية او تاريخية.

لكن القلقين على الاردن والخائفين على ترابه والساهرين على امنه هم الاكثرية بكل الاحوال اما شبيحة بشار الاسد الاردنيون فهم خارج سياق الأكثرية.

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

وسوم: العدد 655